جار التحميل...
الشارقة 24:
عقد النادي الثقافي العربي في الشارقة، مساء أمس الأول، جلسة ثقافية تناولت "تجربة البروفيسور جورج غريغوري.. ترجمة المعنى وتأويل النور"، شهدت حواراً شيقاً بين البروفيسور غريغوري وهو مستعرب وأستاذ جامعي ترجم القرآن الكريم والعديد من الكتب الفكرية والأدبية العربية إلى اللغة الرومانية، وبين سعادة الدكتور عبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث، وهو باحث في التراث والثقافة الشعبية الإماراتية والعربية، ومهتم بمسألة التأثر والتأثير بين الثقافات.
حضر الجلسة، علي المغني نائب رئيس مجلس إدارة النادي، وعدد من المثقفين والباحثين في مجال الترجمة والثقافة، واستهلت بكلمة مسجلة للدكتور عمر عبد العزيز رئيس مجلس إدارة النادي رحب فيها بالضيفين، وتحدث عن الصداقة الإنسانية والفكرية التي ربطته بالبروفيسور جورج غريغوري على مدى عقود، لاحظ فيها حب غريغوري للثقافة العربية، وحرصه على أن ينقل الثقافة العربية إلى الرومانيين بشكل مباشر من اللغة العربية، وليس عن ترجمات أخرى، وأنه اهتم بالفلسفة العربية، فترجم أمهات كتبها، كما اهتم بالحكاية الشعبية واللهجات وحياة المجتمع العربي.
وفي بداية الحوار، تحدث الدكتور المسلم عن علاقته مع البروفيسور غريغوري الممتدة إلى سنوات طويلة عبر لقاءات ونقاشات متواصلة حول الثقافة والمجتمع والتأثر والتأثير، وتمثلات الآخر في الثقافتين العربية والرومانية، وخاصة على مستوى الحكاية الشعبية واللهجات العربية التي تشكل اهتماماً مشتركاً لهما، وأضاف أن من أشهر ما ترجمه البروفيسور غريغوري ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الرومانية، وترجمة "مشكاة الأنوار للغزالي، وحي ابن يقظان لابن طفيل، وإنشاء الدوائر لابن عربي، وفصل المقال لابن رشد، وحكايات شعبية عراقية، ونهج البلاغة".
وطرح رئيس معهد الشارقة للتراث، عدة إشكاليات وأسئلة في موضوع تجربة غريغوري مع الترجمة والثقافة العربية، استهلها بسؤال عن السبب الذي يجعل فتى ابن الريف الروماني يهتم في أواخر القرن الماضي باللغة العربية وينصرف إلى دراستها، ومنها العلاقة بين الترجمة من أي لغة وبين ثقافة تلك اللغة، ومسألة اللهجات العربية في الترجمة، والعرب في المخيلة الشعبية الرومانية، وأثر الثقافة العربية في اللغة الرومانية، وغيرها.
من جهته، بدأ غريغوري حديثه بالكلام عن علاقته باللغة العربية، وأوضح أنه عندما كان شاباً في قرية نائية من قرى الجنوب الروماني، كان في سهراته الليلية يدير المذياع ليلتقط الإذاعات، وقد جذبته إحدى الإذاعات العربية بموسيقا وأجراس كلماتها، فكان يستمع إليها بانتظام رغم أنه لا يفهم أية كلمة من كلماتها، لكنه أحبها، وعندما انتقل إلى المدينة للدراسة الثانوية، بدأ يبحث عن كتب ومعاجم عن اللغة العربية، وتعرّف إلى طلاب من سوريا ساعدوه على تعلم اللغة العربية، وهكذا قرر في الجامعة أن يتخصص بدراسة اللغة العربية، وعندما تخرج سافر في مهمة عمل إلى ليبيا ثم إلى العراق التي استقر فيها سنوات، وصقل فيها معرفته ونطقه بالعربية، وتعرّف فيها على الاختلاف بين اللغة المحكية واللغة الفصحى، وفيها بدأ ترجماته من الرومانية إلى العربية، ومن العربية إلى الرومانية، وأكد أن المترجم يحتاج إلى معرفة عميقة بثقافة اللغة التي يترجم منها، وإلا فإنه سيسقط في الأخطاء الفادحة، فاللغة هي الحامل للثقافة، وما ندرك المدلولات الثقافية للكلمات، فإننا سوف نقف عند المعنى القاموسي، وهو في غالب الأحيان لا يفي بالغرض.
وعن اللهجات العربية، أشار غريغوري، إلى أنها تعتبر جزءاً من العربية ومن النسيج الثقافي العربي وتدخل في كثير من النصوص سواء المنطوقة أو المكتوبة، ولذلك لا بد للمترجم أن يلم ببعض الاختلافات الاستعمالية لها، لافتاً إلى أنه يرأس الآن منظمة للّهجات العربية تعمل على المستوى الأوروبي، وهي تنطلق من الاهتمام العلمي باللغة، فاللغات هي منظومات لغوية تحتاج إلى الدراسة والتصنيف، والعربية واحدة من أكبر المنظومات اللغوية على مستوى العالم، وقد بدأ بها في أوروبا بشكل مبكر.
ونوه البروفيسور غريغوري، إلى أن الاهتمام باللغة العربية في رومانيا بدأ منذ الخمسينات من القرن الماضي، في إطار ما عرف آنذاك بدول عدم الانحياز الذي ضم رومانيا والعديد من الدول العربية ودول العالم الثالث، ثم تطور بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والحكم الشيوعي في بلاده، وانفتاح العالم اقتصادياً وتوسع علاقة رومانيا مع الدول العربية، فتزايد الإقبال على قسم اللغة العربية في جامعة بوخارست، وهو اليوم من أنجح الأقسام في الجامعة، وأشار إلى أن ترجماته العربية، ساهمت في الاهتمام الأكاديمي بالفكر العربي، فقد أدخل موضوع الفلسفة العربية إلى البرامج الجامعية عن طريق تلك الترجمات.
وعن تأثير اللغة العربية في اللغة الرومانية، أوضح غريغوري، أنه ما من منظومة لغوية في العالم إلا وهي متأثرة باللغة العربية بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن اللغة الرومانية تأثرت بالعربية عن طريق الوجود العثماني في المناطق الرومانية الذي امتد أكثر من خمسة قرون، وأدخل في نظام اللغة العربية الكثير من المفردات والمصطلحات ذات الأصول العربية، وكذلك عن طريق الترجمة الأوروبية للفكر والفلسفة العربية التي جاءت هي الأخرى إلى الرومانية بمصطلحات فكرية وثقافية عربية.
وعن العرب في المخيلة الرومانية، أفاد بأن العرب في المنظور الشعبي الروماني هم عرب ألف ليلة، حيث الجمال والحب والطرب والبساتين والقصور الجميلة، وهي صورة جميلة.