بودكاست "دفتر الزمان": الأمثال الشعبية مخزناً للعبر والحكم

الشارقة 24 - محمود سليم: 

أوضح الدكتور محمد راشد النقبي، الباحث في التراث الإماراتي، أن الأمثال الشعبية تعتبر مخزناً يحتوي داخله الكثير من العبر والحكم التي يمكن استخلاصها من كلماته المختارة بعناية والاستعانة بها في كثير من المواقف الحياتية اليومية.

ويضيف النقبي، أن الأمثال الشعبية شكلت نبعاً نهل منه أجدادنا وآباؤنا ما طاب لهم منه، ليستعينوا به في توجيه وتربية أبنائهم وأفراد مجتمعهم، موضحاً أن الحلقة الثامنة تضم أمثال: "يردك دون العيش حره - أي حرارته" والمثل معناه أن حرارة الأرز قد تمنعك من أكله، ويضرب المثل للشخص الذي يرغب في تحقيق أمر ما في الحياة ولكن تقف في وجهه موانع أو ظروف تحول دون تحقيق مطالبه أو رغباته التي يتمناها، كالشخص الذي وضع أمامه الطعام، ولكنه تمتنع عنه بسبب حرارته الشديدة، فالمقصود أن الإنسان قد يرغب في شيء ولكنه لا يتحمل مشقة الحصول عليه.

ويستكمل الأمثال بـ "قطع أرقاب ولا استرقاب"، واسترقاب معناها انتظار ومراقبة، ويُضرب المثل للذي ينتظر حاجة لمدة طويلة، فينصحه المثل بقطع الانتظار والدخول إلى خضم هذا الشيء، فكما يقولون وقوع البلاء أفضل من انتظاره، بالإضافة إلى "اليوز لو ما تكسره ما تاكل لبه"، والمقصود أن الوصول للهدف والغاية التي يأملها المرء تحتاج لجهد وتعب وقوة كي يحصل عليها ويفرح بنوالها، فبعض الأشياء لا تأتي كما يقال بالسهل؛ بل تحتاج لجهد مضاعف لتنال حلاوة الحصول عليها، فمتى ما تعب واجتهد ذاق بالتالي حلاوة تعبه ونصبه.

وتضم الحلقة أيضاً "لا تربط راسك بدون وجع"، ويعني المثل ألا تتألم أو تشتكي للناس، التي قد تحدث لك فيكتشف الناس كذبك وخداعك، فمن ادعى شيئًا فقد يقع فيه، ومن تمارض وادعى المرض فقد يمرض؛ لذا فالمعنى الحقيقي هو الحث على عدم الكذب والتدليس على الناس وادعاء شيء لم يحدث ولم يحصل من باب استغفال البعض للوصول لهدف معين أو غاية معينة، مشيرة إلى أنه نجد في أمثال أهل الإمارات كثيراً ما يتحدثون عن الغوص والبحر، لما له من تأثير كبير على حياه الأجداد، فيوجد مثل: "من الغوص نبغي الحاصلة"، والحاصلة هي النتيجة والمردود، وينطبق على الشخص الذي يتحدث عن بعض القضايا والأمور الحياتية دون أن تخلص أو تتحصل منه على نتيجة للحل.

وتشمل الحلقة الثامنة أمثال: "اللوحة اتيبه من بحر عشرين، والخصيفي ياكله على السيف، واللوهة طائر بحري لونه قريب من السواد يعيش في الجزر والأماكن البعيدة عن الشاطئ وهو كبير الحجم"، والخصيفي: طائر متوسط الحجم يعيش على الساحل، والمثل جميل المعنى، وفيه تعريض بمن يعيشون على حساب غيرهم دون تعب، ففي طريقة غذاء كل من اللوهة والخصيفي ظاهرة غريبة، فاللوهة تصطاد السمك في عمق البحر وتلقي به على الساحل لتأكله فيما بعد، وتذهب مرة أخرى، فيأتي طائر الخصيفي ليأكل ما أتت به اللوهة بكل راحة دون تعب أو مشقة وعناء؛ أي: إنه استغل تعب غيره، وهذا حال البعض يأكلون على حساب الآخرين.

ويشير الدكتور محمد راشد النقبي، إلى مثل: "الخيل ولو هزلت، ما يساق عليها السماد"، شارحاً أن الخيل لها مكانتها عند العرب، ويعتبر اقتناؤها دليلاً على الوجاهة وعلو المكانة والعز والفخر، ودليلاً على القوة والكرم والأصالة، ومتى ما وجد الخيل وجد الخير، وقد حافظ العرب على دمائها نقيّة وكذلك على أنسابها، ومن المعاني أن هناك من البشر من يحملون صفات الشهامة والوقار والعز والوجاهة حتى ولو ضعف أو ضعف دورهم في الحياة أو كبر سنّهم ، فلا يجب أن يتهموا بشيء أو ينقص من مكانتهم وينسى الناس أدوارهم الجليلة التي قاموا بها.

ويضيف "اللي يشرب مرق، يحط له خواشيق"، يحط له خواشيق أي يجهز الملاعق اللازمة، المقصود أن الذي يريد شيئًا ما يجب عليه أن يستعدّ له الاستعداد الكافي، ويجهز جميع المتطلبات الضرورية للشيء الذي يرغب الحصول عليه، بالإضافة إلى مثل: "ماشي صبة من غير حشف"، والصبة يقصد بها كومة من التمر، والحشف: هو الرديء من التمر الذي تأكله البهائم، وعادةً ما يوضع الرطب في البداية في المساطيح أو المصاطيح "أي أماكن جمع الرطب" كي يجف ويتحول لتمر، ومن ثم يجمع على شكل كومة ليوضع في الأكياس التي يطلق عليها محليًا "الخصف"، والكومة غالبًا تُفرز جيدًا ويستبعد منها الحشف وهو الرديء من التمر حيث يعطى للبهائم، فلا توجد صبة من غير حشف، والمعنى لا يوجد في الحياة مجموعة من الناس أو حتى من الأبناء إلا وبينهم ممن هم بسطاء المعرفة والفهم والدراية، وهذا حال البشر فهم لا يتساوون في الفكر والمعرفة والعلم وفي جميع شؤون الحياة.

ويشمل الحلقة على مجموعة متنوعة من الأمثال التي جرت على لسان أهل الإمارات، "من كثر الرعيان ضاعت الغنم"، فلا يستقيم أمر جماعة ما إلا باختيار شخص يمثلها يأتمرون بأمره، وهذا هو حال الحياة منذ القدم، فمن صار أمير قوم وجبت طاعته، فإذا كثر أمراء الجماعة ضاع أمرها وتشتت شملها، وأصبحت كالرعيان الذين كانوا أمناء على الأغنام فتفرقت أغنامهم وتاهت بسبب خلافهم فيمن يولونه مسؤولية الرعي، وأيضًا مثل: "ملة وملاس ولا حاجة الناس"، الملة وعاء دائري غالبًا ما يكون من المعدن، الملاس: مغرفة طويلة من المعدن يغرف بها الطعام، والمقصود من المثل هو الرضا بالقليل وعدم طرق أبواب الناس لطلب الحاجة، والملة والملاس كناية عن البساطة في أدوات الطعام وهي تمثل بساطة الحياة والتكيف معها، وغالبا ما يكون الحياء يردّ ذا الحاجة من سؤال الناس أعطوه أو منعوه.

 وتستعرض الحلقة الثامنة من بودكاست "دفتر الزمان"، مثل: "النعمة زوالة"، والمقصود من المثل هو تعظيم نعم الله الكثيرة على الإنسان، فمن قابلها بالشكر دامت، ومن قابلها بالكفر والجحود والنكران زالت وذهبت بركتها، بالإضافة إلى مثل: "الضَّيْعات لأهلها"، والمعنى أن كل فرد أو أمر ما مرده لأهله أو لأصحابه، ومن الأمثلة أن الفرد في الأسرة مهما ذهب وسافر سوف يعود ويرجع إلى أهله، فهم من يرتاح ويشعر بالأمان معهم، فالضائع والمتشتت ليس له مكان يرتاح فيه ويشعر بالأمان والطمأنينة فيه إلا بيت أهله وأقربائه.

وتستكمل الحلقة في عرض الأمثال الاجتماعية، بمثل: "احفظ الحتات لين يقول لك الزمان هات"، والحتات هي الشي الزهيد، والمقصود من المثل هو عدم التبذير وحفظ النعمة وعدم الاستهانة بالقليل من المال والحتات هو الشي المتفرّق قليل القيمة، فمن لم يفرط بالعملات المعدنية وقام بحفظها نفعته في يوم الحاجة، والذي لا يفرط في بيع القليل من الذهب المدخر نفعه ذلك عند غلاء الأسعار وارتفاعها، ومثل أيضًا "خذ بنت الجود مع الزمن تجود"، المقصود أن البنت التي تنشأ في بيت أو عائلة اشتهرت بالسخاء والجود فلا خوف عليها من عاديات الدهر،

يقول الإمام الشافعي: يغطى بالسماحة كل عيب، وكم عيب يغطيه السخاء. 

وتضم الحلقة أمثال: "اللي في القدر يطلعه الملاس"، والملاس: أداة غرف الطعام، والمعنى أن الشيء الذي يكتمه البعض ولا يريدون البوح به، أو من يقوم بعمل أو بفعل ما خيراً كان أو شراً، لا بد يوما من أن يكشف ويفتضح سره وما يخفي، وللمثل معنى آخر وهو أن هناك من البشر من يدعي المعرفة والعلم والدراية بعلم من العلوم، أو بقدرتهم على فعل أشياء لا يقدر البعض فعلها، فينكشف أمرهم عند أول اختبار أو تجربة.

ويختتم الدكتور محمد راشد النقبي، الباحث في التراث الإماراتي، الحلقة الثامنة والأخيرة، بمثل يعبر عن سير الحلقات في حفظ الموروث والتراث غير المادي، وهو "احفظ جديمك.. جديدك ما يدوم"، ويدعو المثل للتمسك بما يذكرك بالماضي من العادات والتقاليد التي يجب الحفاظ عليها والتمسك بها، حتى تظل متمسكًا بجذورك ومعتزًا بأصلك، مشيراً إلى أن كل مثل تم ذكره طوال حلقات البرنامج الثمانية هو دعوة دائمة للتمسك بالموروث الأصيل الذي يحمل في طياته درسًا ثمينًا صاغه الأجداد ببراعة وخبرة سنوات عديدة.