الشارقة 24 - محمود سليم:
أوضح الدكتور محمد راشد النقبي، الباحث في التراث الإماراتي، أن بودكاست "دفتر الزمان.. حكم وأمثال أهل الإمارات" يغوص في عمق الثقافة الإماراتية من خلال الأمثال التي تحتوي كنوزًا من الحكمة، وتعبر عن هويتنا، وتؤثر في الحياة اليومية، مشيرًا إلى أن الأمثال ليست كلمات تقال، بل هي مرآة لثقافة غنية وتاريخ طويل، تشهد عليه تجارب الأجداد، فهي أشبه برحلة عبر الزمان نتعرف من خلالها على دروس الحياة التي حملتها هذه الأمثال.
ويضيف النقبي، أن الحلقة السابعة تتناول أمثال: تموت الدياية وعينها على السبوس، والسبوس هو نوع من الأعلاف، ويشير المثل إلى الحذر من الطامعين فيما ليس لهم، حتى ولو قرب ودنا أجلهم وموتهم، بالإضافة إلى مثل: لي ما يقيس قبل ما يغوص، ما ينفعه الغوص عقب الغرق، وهو مثل من أمثال الغوص القديمة الشائعة في تلك الفترة، وهو يضرب في الشخص الذي لا يحسب للأخطار حسابها، ولا يُحسن تقدير الأمور، فمن شروط الغوص المُتعارف عليها هو قياس عمق البحر بواسطة "بلد" وهو قطعة ثقيلة من الرصاص، تربط بحبل وترمى في البحر المعرفة العمق، وعلى أساسه تترتب باقي مراحل الغوص، ومن لا يقيس العمق، فلن ينفعه ما حصل عليه من لؤلؤ؛ لأنه سيفقد حياته، والمعنى العام أن على الإنسان ألا يدخل نفسه في مخاطر الحياة وأهوالها؛ بل عليه أن يحسب حساب المخاطر التي من الممكن أن تودي به في المهالك.
ويستعرض أيضًا أمثال: لا يغرك حمر حيابه، ترى ليحانه شريش، وحمر حيابه يقصد بها هنا جسم السفينة، ومعنى "ليحانه شريش" أي ألواح الخشب المصنوع منها السفينة من الشريش وهو نوع من الأشجار المحلية، والحياب هو جسد السفينة حيث يكون في الغالب ضاربًا للحمرة وخاصة إذا دهن بزيت الصل المأخوذ من بعض الأسماك، والمعنى أنه لا يخدعك جسد السفينة واحمرار خشبها فهو من الشريش؛ وخشب الشريش رديء النوع ورخيص الثمن، والمقصود أن المحامل كانت تدهن بالصل، فتبدو أخشابها حمراء لامعة، وتبدو في الظاهر قوية البدن، وعادة ما تصنع السفن الكبيرة من خشب الساج الثمين، غير أن بعض المحامل تصنع من أنواع رديئة من الخشب أشهرها الشريش وتبدو حمراء، ولكن الفيصل هو قوة التحمل عند اشتداد الموج والعواصف، فهنا يتضح مدى متانة وقوة الخشب المستخدم في بدن المركب، والمعنى المقصود هو عدم الانخداع بكل ما هو ظاهر للعينين، فليس كل ما يلمع ذهبًا.
وتستكمل الحلقة في عرض الأمثال: مسمر مع الماية، وتُطلق في الغالب على القارب الذي يسير مع تيار البحر أو مع أمواجه دون توقف، أو دون هدف، والمعنى هو من عاش في هذه الحياة دون هدف أو غاية ينشدها ويسعى لتحقيقها، فسوف يتخبط في طريقه، أو يسير دون هدف، كالمركب الذي تتحكم فيه الأمواج، مضيفة أن أهل الإمارات اشتهروا بالحكمة التي علمتها لهم الصحراء، فجاءت أغلب الأمثال لتبين حياتهم، ومن أبرزها: كف صفعني نفعني، والمعنى الظاهر أن المربي الذي يوجه الشخص إلى الخير يجب أن تُؤخذ توجيهاته ونصائحه بجدية وعناية؛ لأنها في النهاية سوف تنفع وتفيد حياة الشخص، فالتوجيهات التي يراها الشخص في بعض الأحيان شديدة، وقد لا يتقبلها في أول الأمر، إلا أنها يُدرك في النهاية أنها تنفعه.
وتضم الحلقة الأمثال: خلف دك ولا تخلف لك، واللك يعني المال ويساوي تقريباً 100 ألف، والدك يعني البناء والعمران والمعنى أن الاستثمار في البناء والعقار، أفضل من الادخار المالي؛ فالمال مصيره الزوال السريع. وأما الأرض الصناعية والزراعية فلو استثمرها الشخص أو وكل من يستثمرها ظلت وبقي ريعها، وأيضًا مثل جرح الدهر يبرا، وشمخ الربيع يدوم، ومعنى المثل إن الجرح الذي يصيب الإنسان قابلاً للشفاء مع مرور الأيام رغم قساوته وشدّته، وقد يُنسى بعد مدة، لكن الجرح الذي يأتي من الصديق فإنه يظل غائرًا في النفس، ويصعب نسيانه، فهو أشد الجراح وأكثرها إيلاما، ومن الصعب أن يندمل، خاصة إذا أتى من شخص تكن له الإخلاص والمحبة والود، نتيجة العشرة الطويلة.
ويستكمل الدكتور محمد راشد النقبي، في عرض الأمثال الشعبية الإماراتية: أكل البخيل ما يشمه جار ولا يذوقه فار، ويضرب المثل للبخيل الذي دائماً يتهرب استضافة غيره في طعامه، ومن شدة بخله يحرص على ألا يشم جاره رائحة طبخه، ومن شدة تقتيره وحرصه لا يترك من بقايا طعامه ما يمكن للفأر أن يقتات من طعامه الزائد، بالإضافة إلى لي بغيت الولد دور له خال، يدعو هذا المثل للبحث عن الأصل الطيب عند الخطبة، وذلك من خلال التقصي، وخاصة الخال، فالمثل يدعو للمصاهرة من العائلات الأصيلة ذات السيرة المحمودة الخصال، المتمسكة بعاداتها وقيمها العريقة، ومبادئها الدينية.
ويضيف النقبي: اللي تقصه الخوصة، ما يحتاي سكين، والخوصة: خوصة النخيل؛ أي: سعفها، ويضرب المثل عند مواجهة مُشكلة بسيطة، فيجب عليك مواجهتها على قدر حجمها، فما تستطيع أن تقصه خوصة النخل، لا يحتاج لأن تتدخل فيه بالسكين، مقدمًا مجموعة أخرى من الأمثال: إدهن السير يبرى، ويدعو المثل إلى عدم استخدام العنف والشدة في التعامل مع الناس، فمن كان هذا طبعه؛ فلن يجد من يتقبله ويحترمه، وسينعكس ذلك عليه، حيث سينفر الناس منه ويبتعدون، أما الإنسان الهين لين الطباع يحبه الناس ويقبلون عليه.
ويوضح الباحث في التراث الإماراتي، أن هناك العديد من الأمثال التي تحث على التنشئة الاجتماعية مثل: اللي ما أدبه أبوه يؤدبه زمانه، فالأب عليه مسؤولية تنشئة ابنه على القيم والفضائل الحسنة، وعلى العادات والتقاليد الأصيلة الموروثة، والتي يتعلم منها الصبي السنع، والسنع مجموعة من الأعراف والمثل والأخلاق والقيم التي يجب أن يتعلمها الشاب، فمن لم يحظ بالتربية في بيته، فإنّ الزمن كفيل بتربيته، فالمواقف والظروف الصعبة التي قد يتعرض لها الابن في الحياة، ربما تعلمه كيفية الخروج منها، فالحياة خير معلم للإنسان، لكن التربية في الأساس تكون في البيت والأب خير معلم لابنه، وفي ذلك يقول الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أباه.
وتشمل الحلقة السابعة أمثال: كل طير يشبعه منقاره، المثل يدعو إلى الاعتماد على النفس وعدم الاتكال والدعة، فبالجهد المستمر والعمل، سوف يحصل الإنسان على مبتغاه من الرّزق والخير الذي يطلبه ويتمناه، وأيضًا اللي ما يعرف الصقر يشوية، وهذا المثل له قصة يقال إنه في قديم الزمن كان هناك رجل يمتلك صقرًا غاليًا وعزيزًا عليه، وهو مصدر رزقه الوحيد، فعليه كان يعتمد في صيد الحبارى التي يبيعها أو يأكل منها هو وأسرته، وفي يوم كثيف الغيوم لا يناسب الصيد أطلق الرجل صقره سعيًا وراء الرزق، ولكن الصقر على غير عادته تأخر ولم يعد، وظل الرجل ينتظر وينتظر، لكن دون فائدة، فأخذ يجوب المكان بحثًا عنه، ولكن دون أثر، وبينما هو سائر وجد راعيًا عند إبله، فسأله عن طيره وإن كان قد رآه، فقال له الراعي إنه رأى طيران يتقاتلان أسفل الشجرة، فقرعهما بعصاه وذبحهما، وها هما على النار ينتظر شواءهما، فبهت الرجل صاحب الصقر لما سمع، وأصابه الهم والحزن، وانفجر في الراعي قائلاً: ماذا فعلت، أتشوي الصقر إنه لا يؤكل، فما كان من الراعي إلا أن قال له: صقر أو غيره كلها طيور، فأطلق الرجل هذا المثل في الراعي قائلاً: اللي ما يعرف الصقر يشويه.
ويعتبر الدكتور محمد راشد النقبي، الباحث في التراث الإماراتي، أن الأمثال الشعبية تعتبر مخزناً يحتوي داخله الكثير من العبر والحكم التي يمكن استخلاصها من كلماته المختارة بعناية والاستعانة بها في كثير من المواقف الحياتية اليومية، وقد شكلت نبعا نهل منه أجدادنا وآباؤنا ما طاب لهم منه، يستعينون به في توجيه وتربية أبنائهم وأفراد مجتمعهم.