الشارقة 24:
ضمن أنشطته الأسبوعية الراتبة، أقام النادي الثقافي العربي بالشارقة، أمس الأول، ندوة ثقافية فكرية حملت عنوان "حديث في الرواية"، تحدث فيها الدكتور محسن جاسم الموسوي، وأدارها الدكتور إياد عبد المجيد.
وقدم الدكتور محسن الموسوي خلال الندوة عرضاً لما تضمنته أحدث إصدارته في سلسلة نقد الرواية العربية، هما كتاب "بنية الاضطراب.. الرواية العربية في الألفية الثالثة"، وكتاب "رواية ما بعد الاستعمار العربية.. مواجهة التذبذب الملتبس"، الصادران حديثاً عن مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي.
في مستهل حديثه أشار الدكتور محسن الموسوي إلى أن السبب الذي دفعه إلى إصدار كتابه "رواية ما بعد الاستعمار العربية" هو وضع الرواية العربية في مسارات عالمية، وزيادة وتيرة تفاعل الأدب العربي مع التيارات العالمية، والكتاب هو صادر باللغة الإنجليزية، وترجمه الدكتور موسى الحالول، ويعرض من خلاله الدكتور محسن الموسوي 60 رواية عربية طويلة بالتحليل في معنى تجزئة الهويات وقضايا العنصر والثقافة والعائلة والمجتمع، وقد وجد الكتاب صدى ورواجاً كبيراً في الأوساط الغربية، ونفدت طبعتيه الأولى والثانية، وأكد الموسوي أنه طلب من الناشر التمهل في إصدار الطبعة الثالثة لكونه يريد إدراج بعد الإضافات.
وخلال سرده لتجربته في دراسة ونقد رواية ما بعد الاستعمار العربية، توقف الدكتور محسن الموسوي عند إسهامات المفكر إدوارد سعيد، الذي أصدر في عام 1979 كتابه "الاستشراق"، مستعرضاً سجالات إدوارد سعيد مع المفكر الهندي المشهور إعجاز أحمد، والتي جعلت إدوارد يقدم استدراكات ومعالجات جديدة أدرجها في كتابه "الثقافة والإمبريالية" الصادر في عام 1993، والذي كان استكمالاً لكتابه الأول "الاستشراق".
وأضاف الدكتور محسن الموسوي: "أثّر إدوارد سعيد تأثيراً كبيراً في تكوين خطاب ما بعد الاستعمار، الذي كان يشغل مساحة تحاورية بين خطابين متنافسين متصارعين في داخل الثقافات العالمية آنذاك، وقد انطبقت هذه القراءة والرؤية على روايات عربية عديدة، ليس فقط من باب الصدام مع المستعمر ولكن بطبيعة التفاوض أيضاً، فالثقافة هي عبارة عن حركة تفاوضية، وهي الدبلوماسية في أعلى مستوياتها".
وتوقف الدكتور محسن الموسوي عند عدد من الروايات التي مهدت الطريق لخطاب ما بعد الاستعمار وقال: "هناك رواية الدكتور إبراهيم، التي كتبها الروائي العراقي ذو النون أيوب في عام 1939، وقد كانت رواية استباقية في خطاب ما بعد الاستعمار، بمعنى أنها مهدت لما كتبه الروائي السوداني الطيب صالح لاحقاً في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، التي كانت تمهد لهذا النمط من الكتابة، الذي يعالج قضية تآلف وتماهي المثقف المتعلم مع ثقافة أخرى أو الاختلاف معها، وهذا التلون هو ما التقطه وكتب عنه وعالجه الطبيب والمفكر الفرنسي فرانز فانون، عندما كان مقيماً في الجزائر لفترة طويلة أثناء الاستعمار الفرنسي، وهذا الذي بدأ يلتقطه بعض الروائيين كما التقطه بعض الشعراء وليس كل الشعراء والمثقفين".
وحول الأسباب التي دفعته إلى كتابة مؤلفه "بنية الاضطراب.. الرواية العربية في الألفية الثالثة"، قال الدكتور محسن الموسوي: "في رواية الألفية الثالثة انتبهت إلى أن عدد الروايات التي بدأت تظهر أكثرها معنية بالعنف وظاهرة الاضطراب، وهي ظاهرة فوضوية أُطلق عليها في الخطاب الأمريكي الفوضى الخلاقة، وفي هذا السياق هناك مفاهيم تطورت تطوراً سريعاً منها مفهوم أثر الفراشة الذي يقول: إن حركة فراشة مضطربة في نيومكسيكو على سبيل المثال يمكن أن يكون له أثر فعال في اليابان، والمفهوم الثاني هو طبيعة التفاعلات التالية التي أعقبت فكرة أثر الفراشة، وهي طبيعة الفوضى التي جاء بها العنف، وكيف يمكن للروائي الذي تعامل لفترة طويلة من الزمن مع مجتمعات مستقرة نسبياً مع هذه المتغيرات وهذا الواقع المضطرب؟".
وأكمل الدكتور محسن الموسوي قائلاً: "في الفترة التي تلت احتلال العراق والأحداث التي جرت في الوطن العربي لاحقاً توالدت مفاهيم معينة، وهذا التوالد هو توالد اضطرابي حتّم على الفكر الروائي والشعري تقديم مراجعات ومعالجات مختلفة عما درج عليه في مجتمع الاستقرار، لتتناسب مع طبيعة الخطاب السائد ومجريات التحولات الجارية في العالم".
والدكتور محسن جاسم الموسوي هو كاتب وروائي وباحث وناقد، يعمل حالياً أستاذاً للدراسات العربية والمقارنة في جامعة كولومبيا بنيويورك، وقد سبق له العمل أستاذاً في الجامعة الأميركية بالشارقة، وعدد كبير من الجامعات العربية الأخرى، كما شغل إدارة "آفاق عربية" والشؤون الثقافية طيلة ثمانينيات القرن المنصرم في العراق، ويرأس منذ عام 2002 تحرير مجلة الأدب العربي الصادرة عن Brill بالإنجليزية، وخلال مسيرته الأدبية حصد العديد من الجوائز منها جائزة الشيخ زايد للكتاب في عام 2022 عن كتابه "ألف ليلة وليلة في الثقافة العالمية"، وجائزة العويس في النقد الأدبي في عام 2002، وأصدر الدكتور محسن الموسوي عدداً من الكتب في نقد الرواية العربية منها كتاب "الرواية العربية: النشأة والتحول"، وكتاب "ثارات شهرزاد: فن السرد العربي الحديث"، وكتاب "انفراط العقد المقدس: منعطفات الرواية العربية بعد محفوظ"، إلى جانب أحدث إصدارته وهما كتابا "بنية الاضطراب.. الرواية العربية في الألفية الثالثة"، و"رواية ما بعد الاستعمار العربية.. مواجهة التذبذب الملتبس".