الشارقة 24:
واصلت أيام الشارقة التراثية فعاليات دورتها التاسعة عشر في ساحة التراث في قلب الشارقة النابض بالعديد من الأنشطة التراثية والعروض الفنية والبرامج الثقافية والأكاديمية المختلفة، مع توافد آلاف الزوار وعشاق التراث في الأسبوع الثاني من المهرجان من جميع مدن وأنحاء إمارة الشارقة ودولة الإمارات.
معرض نوافذ من متاحف الآثار.. رسالة للأجيال
ففي قلب الشارقة، افتتح الدكتور عبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث رئيس اللجنة العليا المنظمة لأيام الشارقة التراثية المعرض الفني الذي تنظمه جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، تحت عنوان (نوافذ من متاحف الآثار) للفنانة عائشة السويدي على هامش فعاليات أيام الشارقة التراثية ال 19، ويتضمن مجموعة لوحات منتقاة من خلال زياراتها المختلفة لعدد من متاحف الآثار في الدولة بهدف رؤية الاكتشافات الجديدة في الدولة. ويسعى المعرض لتأكيد العمق الحضاري والتاريخي لدولة الإمارات من خلال ما اكتشف فيها من مقتنيات أثرية اعتبارًا من منتصف القرن الماضي وحتى الآن، وهو ما يكشف ثراء تراث الإمارات في بيئاتها الأربعة الجبلية والبحرية والصحراوية والزراعية، وقد روعي أن تجسد كل لوحة في المعرض قطعة أثرية مختلفة ومميزة لتحمل رسائل للأجيال القادمة عن تأريخ آثار الإمارات بما فيها من قيمة جمالية وعلمية ومعرفية فريدة.
جلسة ثقافية حول مستقبل التراث في الإمارات
وضمن جلسات المقهى الثقافي عقدت جلسة ثقافية حول مستقبل التراث في الإمارات، وشارك فيها كل من الفنان والشاعر خالد البدور المستشار في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث والفنان التشكيلي الإماراتي الدكتور محمد يوسف والمؤلف والباحث الأكاديمي الموريتاني محمد محمد علي، وأدارها الدكتور عادل الكسادي من معهد الشارقة للتراث.
ففي مداخلته حول "مستقبل التراث في الإمارات.. التحديات والحلول"، أكد خالد البدور أن المحافظة على التراث هو في المقام الأول محافظة على كيان الإنسان وهويته وانتمائه لهذه الأرض، كون التراث يوطد العلاقة فيما بين أفراد المجتمع البشري الواحد، وبينه والمجتمعات البشرية الأخرى، مع مراعاة المحافظة على عناصر التميز والفرادة بين شعب وآخر.
وأوضح البدور أن الدور الملقى على عاتق المؤسسات المعنية بحفظ وصون التراث الثقافي بات أكبر وأصعب مما مضى مع تحديات التطور وثورة الإعلام الاجتماعي والرقمي ومتطلبات المستقبل، لأن هذا المستقبل يتسم بالراهنية كونه ببساطة هو اللحظة التالية سنعيشها.
وأشار إلى أن طبيعة المجتمع المعاصر تساعد على ذوبان وتلاشي الهويات المحلية في حال عدم تكثيف الجهود والمبادرات للمحافظة عليها، في ظل وجود هويات أخرى أجنبية ذات نفوذ وتأثير يتجاوزان الحدود، وبالمقابل ضعف واضطراب علاقة الجيل الحالي بالتراث.
وأضاف أنه في هذا السياق يجب المسارعة لدراسة أسباب التراجع في الهويات المحلية والوصول إلى نتائج يتم من خلالها حفظ وصون الموروث الثقافي، ومن ذلك المبادرات التي أطلقتها دولة الإمارات في مجال صون التراث والمحافظة عليها، ومن أهمها قانون حماية التراث الثقافي في الشارقة، والصادر في عام 2020 بهدف تعزيز الهوية الثقافية العربية والإسلامية، وحماية التراث وإدارته والترويج له، وتوفير التدابير الوقائية لمواجهة المخاطر التي تؤثر عليه أو تؤدي إلى زواله، والحفاظ والعناية بالتراث الثقافي وربطه بالواقع، ونشره محلياً وإقليمياً ودولياً.
واستعرض البدور أهم بنود القانون فيما يخص الإجراءات القانونية المنظمة لملكية التراث والمواقع التاريخية والأراضي والقطع الأثرية، فضلاً عن كيفية حماية المواقع الثقافية والمحافظة عليها من عملية الإضرار أو النقل أو ضبط التراث الأجنبي غير المشروع.
وأورد البدور أن الإمارات وقعت على اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي مع اليونيسكو عام 2003، متناولاً أغراضها وأهدافها في حماية وصون عناصر التراث الثقافي غير المادي، لضمان إبقاء ممارسة التراث مستدامة عبر الزمن، كما دعا إلى تطوير خطط صون التراث الثقافي من خلال تحديد هذا التراث بدقة، ووضع قوائم الحصر وترتيبها بطريقة منهجية، فضلاً عن أهمية عدم انتزاع التراث غير المادي من سياقه الأصلي وعدم أخذ حزمه منه أو اختصاره لأغراض العرض أمام السياح وغيرهم من الجمهور، حتى لا يفقد وظيفته وبيئته الأصلية.
من ناحيته تحدث الدكتور محمد يوسف عن النمو الثقافي والعلمي والمعرفي الذي تشهده دولة الإمارات، ومبادرات المحافظة على المشاريع، والمهرجانات الفنية المتنوعة، كما أكد ضرورة تحقيق عنصر الموازنة ما بين الأنشطة الثقافية والفنية والإبداعية بحيث يتم التعاطي مع الفن بجميع أنواعه.
واستعرض المحاضر أهم قامات الفن التشكيلي الإماراتي الذين أسسوا دعائمه ورسخوا مقومات الحراك الفني في الدولة عبر أكثر من جيل كان بينهم التكامل الخلاق في بوتقة واحدة نقلت المنظومة الثقافية الإماراتية إلى مستوى العالمية، ومنهم نجوم الغانم وخالد البدور والمرحوم حسن الشريف وعبد الله الشريف، ونجاة مكي وعبد الرزاق الريس، ومحمد الأستاذ وغيرهم.
كما أكد الدكتور يوسف القيمة الحضارية التي يمكن نقلها عبر المشاركة في المعارض الفنية العالمية ومنها مهرجان البندقية، فضلاً عن دور الجامعات في التأسيس الفني بصورة أكاديمية تدرّس هذا الفن بمفهوم جديد وحضاري يخرج به من التقليدية إلى التخصص.
كما استعرض المحاضر أمام الجمهور مقتطفات رائعة من كتابه (الفن في الإمارات من الاستعارة التراثية إلى ما بعد الحداثة 1970 – 2020) والصادر من معهد الشارقة للتراث، حيث توقف على أهم النماذج الفنية التي قدمها رواد الفن التشكيلي الإماراتي من لوحات وزخارف وصور وكولاج مؤكداً الأثر البالغ الذي يقدمه الفن التشكيلي في توثيق تراث أي مجتمع، وأن هؤلاء الفنانين التشكيليين الإماراتيين نجحوا في تطوير فنونهم للوصول إلى العالمية من جهة وإلى المستقبل من جهة أخرى.
أما الأكاديمي والمؤلف الموريتاني محمد محمد علي فقد تحدث عن غنى وثراء التراث العربي بالعلم والفكر والإلهام بل واستباق المستقبل، فالعرب هم من أسس علم الموسوعات ودوائر المعارف، ومن ذلك (إحصاء العلوم) للفارابي، و(مفاتيح العلوم) للخوارزمي، كما أن الكثيرين تناولوا موضوعات مستقبلية في مؤلفاتهم كما تناول ابن خلدون قضية تطور ونشوء الجنس البشري من منظوره الإسلامي، فضلاً عن موضوع الاستنساخ الذي ناقشه جابر بن حيان في كتاباته وكتبه.
واستعرض المحاضر جانباً من كتاب (المعارف) لابن قتيبة، ونماذج من مضامينه في العلوم والمعارف المختلفة.
فراديس الشرق.. إطلالة فنية على المنطقة الشرقية
حظى جمهور المقهى الثقافي بحضور مراسم توقيع وإطلاق الكتاب الجديد للفنان محمد الاستاد (فراديس الشرق.. إبداعات فنية للمنطقة الشرقية بإمارة الشارقة)، والذي يضم تشكيلة متنوعة من الرسومات الفنية الجذابة لمفردات المكان في مختلف مدن ومناطق المنطقة الشرقية للإمارة: كلباء وخورفكان ودبا الحصن والنحوة وأيضاً وادي الحلو، حيث تنوعت هذه الرسوم إلى لوحات عن البيوت القديمة بما فيها من أبواب ونوافذ وأسوار قديمة، ولوحات أخرى عن مكونات البيئة بشكل عام مثل المساجد والأسواق والحصون والأبراج والسدود والشوارع والأنفاق والجبال والسواحل والأمواج والسفن والعيون والأشجار والحدائق والمحميات، مع ملحق في نهاية الكتاب يضم عدداً من لوحات الاستاد الفنية الشخصية.
الإمارات تواكب أهداف الأمم المتحدة للاستدامة
كما استضاف البيت الغربي بمنطقة قلب الشارقة الدكتور عصام فرج النجدي الأستاذ في مجال التراث الثقافي وخبير التراث الثقافي ومستشار إدارة المتاحف، والذي تحدث عن أجندة التنمية المستدامة للأمم المتحدة في مجال العمل المتحفي.
حيث تحدث الضيف في المحاضرة التي قدمها الدكتور صابر يحيى المرزوقي الأستاذ المشارك في الإدارة الأكاديمية لمعهد الشارقة للتراث، حول أهداف التنمية المستدامة والبالغة 17 هدفاً، مستعرضاً أمثلة حول تطبيق هذه الأهداف في الحياة العامة، وأيضاً في مجال العمل المتحفي.
وأشار المحاضر إلى تأصيل الاستدامة وأهدافها في القرآن الكريم والسنة النبوية، قبل أن يثيرها الآخرون وينسبوها لأنفسهم، لافتاً إلى الدور المحوري للفرد في تحقيق فكرة التنمية المستدامة التي تتبلور في الحفاظ على الموارد الوطنية لخدمة الجيل الحالي والأجيال التالية.
وفي نهاية المحاضرة، تحدث النجدي عن شعار المهرجان في هذا العام (التراث والمستقبل)، والذي يواكب النهضة الحضارية للدولة، ومن تجلياتها مؤخراً افتتاح متحف المستقبل باعتباره صورة ناصعة من صور الاستدامة والفكر المستقبلي الذي تتبناه حكومة الإمارات
في كافة المجالات وعلى رأسها التعليم بكافة أطيافه ولا سيما في مجال التراث الثقافي.
الأطفال في ضيافة (العرس العجيب)
حظي الأطفال في ساحة التراث في قلب الشارقة النابض بالتعرف على قصة (العرس العجيب)، حيث التقوا بمؤلفة القصة.. الطالبة الإماراتية المبدعة ريمان عبد الله إبراهيم، والتي تبلغ من العمر 12 سنة، وأهدتهم بكل حب نسخة من قصتها الجميلة، والفائزة مؤخرًا بالمرتبة الأولى في مسابقة (حكايات من تراث بلادي).
وفي حوار مع الطالبة ريمان في ركن المدرسة الدولية للحكاية في قرية الطفل، قالت: لله الحمد، أقوم بالتأليف والكتابة في أدب الطفل، ولي بالإضافة إلى قصة (العرس العجيب) مجموعة قصص أخرى منها (فيلون وخرطومه الميمون)، والذي نشر في معرض أبوظبي الدولي للكتاب ومعرض الشارقة الدولي للكتاب، وتتحدث القصة عن فيل تعرض للتنمر وكيف واجه ذلك وحقق النجاح، كما قمت بالمشاركة ضمن كتاب بعنوان (حرر خيالك الإمارات بعيونك) بإشراف الكتابة هيا القاسم ومن تأليف: نخبة من قادة المستقبل، ضمن كُتَّاب الخمسين.
وعن الجوائز التي حصلت عليها، تقول ريمان: فزت بعدة جوائز في مجال تأليف القصص على مستوى الدولة، ومنها جائزة التسامح للكتابة الإبداعية، وجائزة الشيخ محمد بن خالد آل نهيان للكتابة، وجائزة المجلس الإماراتي لكتب اليافعين.
كما أنها حائزة على جائزة الشيخ حمدان للطالب المتميز وجائزة الشارقة للتفوق والتميز التربوي، ومجموعة جوائز الابتكار والقراءة والإلقاء على مستوى الدولة.
وفاجأتنا ريمان بموهبة أخرى إلى جانب الكتابة والتأليف، وهي الرسم، حيث حازت على جائزة (قصتي بألواني) على مستوى الدولة في الرسم القصصي، وهي تحب الرسم بنوعيه الورقي والإلكتروني ولكنها تفضل الورقي لأنه مجال خصب للإبداع والفعل البشري، وأما الإلكتروني فترى أنه يتميز بدقته وضبطه.
وتعزو ريمان في تميزها في هذا المجال بالفضل لوالديها حيث بدأت تكتب القصص في عام 2020، وبتشجيع منهما، ومن الكاتبة هيا القاسم، المتخصصة في مجال أدب الطفل، حيث قامت بتدريبها وتشجيعها، وقامت بالمشاركة معها في مبادرة (أقدر) في مكتبة (كُتّاب) بدبي.
ريمان استهوتها من الصغر قراءة القصص الخيالية والروائية، وتقوم الآن بتشجيع أخواتها وزميلاتها على الكتابة، ومن ذلك قصة (دودي وصديقتها الجديدة) التي تستعد شقيقتها البالغة 7 سنوات لإصدارها قريباً.
وتعبر ريمان عن رغبتها وطموحها في الانتقال إلى كتابة القصص باللغة الإنجليزية، كموهبة جديدة تتطلع لإتقانها، وهي تنصح الصغار بمداومة القراءة والكتابة والابتكار وتطوير الخيال.