الشارقة 24:
بحضور مؤلفها الدكتور عمر عبد العزيز؛ نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة، مساء الخميس، ندوة نقاشية لرواية "المتسرنمون" للدكتور عمر عبد العزيز الصادرة حديثاً عن دار أوراق، وتحدث في الندوة النقاد عبد الفتاح صبري، وإسلام بوشكير، وعزت عمر.
كما حضر الندوة علي المغني نائب رئيس مجلس إدارة النادي، وإبراهيم سعيد مدير النادي، وعدد كبير من المثقفين والمهتمين بالأدب.
في تقديمه لرواية "المتسرنمون، أيقاظ وهم رقود"؛ استعرض عبد الفتاح صبري مجموعة من الشخصيات التي تعد مفاتيح في النص، وهي الشخصية الأساسية في الرواية "نوراني" الذي تقلبت حياته منذ الصغر بين مدن وعوالم من عدة قارات وثقافات من مقديشو في الصومال إلى صنعاء إلى بوخارست إلى لندن إلى غير ذلك، وتأثر بأنواع الحياة حتى انتهى إلى نظرة بينية تحاول أن تفهم الحياة بالجمع بين طرفيها الواقعي والروحاني، الواعي واللاواعي، العقلي والصوفي، وعاش في هذا التجاذب ومحاولة الفهم.
ثم جاء فيروس كورونا ليؤكد هذا التجاذب والسعي الدؤوب نحو الفهم والارتقاء في عوالم الغيب، حيث أصيب بكورونا وراح في غيبوبة استمرت عدة أيام كان فيها محجوزاً في على سرير في المستشفى، وقد فتحت له تلك الغيبوبة عالماً مفارقاً هو عالم ما فوق الواقع أو عالم الروح، حيث تجولت روحه وعاشت أحداثاً ووقائع ورأت أشياء، وحاورت فلاسفة ومتصوفة وعلماء وزارت مدناً قديمة وحديثة.
بالتوازي مع شخصية نوراني هناك شخصيات أخرى عدة تعيش الوعي وطريقة التفكير ذاتها التي يعيشها نوراني، وتسعى إلى الفهم من خلال استشفاف عوالم الروح والانطلاق في تجربة صوفية من نوع ما دون الانسلاخ من الواقع، وهي كثيرة ومتنوعة بتنوع المدن التي عاش فيها نوراني والشخصيات التي قابلها، والعقود التي مرت عليه.
ويرى صبري أن الرواية اتجهت اتجاهاً فلسفياً، وأنها رغم أسلوبها المتدفق، إلا أنها تتوجه إلى النخبة أكثر مما تتوجه إلى العامة، واتسمت بالانتقالات الحادة بين الشخصيات في الزمان والمكان والشخصيات، مما جعل الحكاية فيها ضامرة وأفسح المجال أكثر فأكثر للعوالم الفلسفية.
أما بوشكير فعبر في بداية مداخلته عن إعجابه بالتدفق الأسلوبي في رواية "المتسرنمون"، والانتقال الواسع بين العوالم المعرفية، مما يجعل القارئ يتزود منها بكم هائل من المعلومات العلمية والفلسفية والانتربولوجية، لكن كانت تتعقد كلما أوغلت في الصفحات، ويعزو بوشكير ذلك إلى حقيقة خلو الرواية من الحدث المركزي الناظم الذي يجمع كل شتاب الأحداث والشخصيات.
رغم أن الكاتب حاول أن يعطيها نسقاً معيناً وإن لم يكن حكائية، وذلك بإقامة عملية توازٍ بين الشخصية الرئيسية نوارني وبين الشخصيات الأخرى الكثيرة في الرواية، التي تشبهه في نمط التفكير والرؤى وإن كانت تختلف عنه الخلفية الثقافية والاجتماعية والجغرافية.
مداخلة عزت عمر انطلقت من وصف الرواية بأنها رواية فلسفية كتبت بلغة أكاديمية اصطلاحية، ولغة سردية بسيطة أحياناً أخرى، وبنمط من السرد يتكئ على التجاور في الحكايات والتناصّ بين العوالم اللغوية، لكن الكاتب يبهر قارئه بذاكرته البصرية الثرية التي تلتقط كل شيء، وكذلك بالغزارة المعرفية التي يبثها في ثنايا كتابه، وكذلك بهذه الروح الإنسانية التي تشيع في عوالم الرواية وتجعل الشخصيات على اختلاف مشاربها الثقافية والعرقية تتلقي في قيم إنسانية ورؤى روحانية كلية.
وخلص عزت عمر إلى أن رواية "المتسرنمون، أيقاظ وهم رقود" يمكن تصنيفها ضمن روايات ما بعد الحداثة.
في تعقيبه على المداخلات وعلى أسئلة الجمهور أوضح الدكتور عمر عبد العزيز، أن عبارة "المتسرنمون" تعني "الناس الذين يسيرون وهم نيام"، كأنهم أيقاظ وهم في الحقيقة رقود، وتندرج هذه الرواية في إطار اتجاه في الكتابة بدأه منذ عدة سنوات، وألف خلاله عدة روايات هي: الحمودي ومريوم والشيخ فرح وسلطان الغيب، ويقوم هذا الاتجاه على محاولة "تسريد" الرؤى الفلسفية، وقولبتها في قالب روائي يجعلها أقرب إلى الفهم وإلى التعاطي العام معها، وذلك انطلاقاً من قناعة لديه، ترى أنه علينا أن نجرب، وأن لا نتوقف حيث توقف الآخرون ونقول باستحالة الجمع بين المتفرقات.
فرغم أن للرواية محددات وضروراتها وللفلسفة كذلك محدداتها وضروراتها؛ لكن ذلك لا يمنع أن تقوم أسلوب سردي جديد يجمع بينهما، وهذا ما دأب الدكتور عمر على محاولة تحقيقه من خلال جميع نصوصه، كما أضاف أنه من جهة أخرى يسعى إلى الفهم فهم الكون، وينطلق في ذلك من تجربة ذاتية، تميل إلى رؤية ما بعد الواقع والإحساس به وعيشه بطريقة ما، فهنالك عالم آخر واسع هو عالم الغيب، وهذا العالم حسب رأيه يعيشه كل واحد منا بطريقة أو بأخرى، وعلينا أن نسعى لفهمه، والارتقاء إليه، بفكرنا وأرواحنا، فعن طريقه تصفو النفوس وتشف وتقاوم دواعي المادية والشر فيها.
بالتوازي مع ندوة الرواية أقام الدكتور عمر عبد العزيز أيضاً معرضاً تشكيلياً ضم أكثر عن ثلاثين لوحة ما بين متوسطة الحجم وصغيرة، تمثل رؤية بالألوان تتوازى مع نصوصه المكتوبة، حيث يقيم فيها تواشجاً بين الواقعية المشهدية والتعبيرية الرمزية، وتتكرر فيها عناصر الماء والشجر والضوء، وهي عناصر تنتمي إلى عالم الخير وتغذي أبعاداً مادية ورحية.
وفي كلمة له حول المعرض قال الفنان خليفة الشيمي: إن الدكتور عمر يحدد أبعاد وزوايا منجزه الفني البصري التشكلي، بنفس الانتماء والاندماج الذي يوزعه فيه منجزاته بين الفكرة والكلمة والمحاورات والجدليات الفكرية والوجودية. ومن هنا تتجلى بداخله لحظات إبداعية مكتملة ومتناسقة، تتكئ على البعد الإنساني الجمالي المتدفق بكثافة، وتداخل بين الواقع والإبداع، والخيال بكل مثيراته.