الشارقة 24:
نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة، مساء أمس الأحد، "عن بعد" أمسية أدبية، قدم خلالها الناقد المسرحي السوداني محمد سيد أحمد قراءة أدبية في رواية "طعم الذئب" للكاتب الكويتي عبد الله البصيّص، وأداراها محمد ولد محمد سالم رئيس اللجنة الثقافية في النادي، الذي قال إن البصيّص هو شاعر وراوئى كويتي شاب برز في السنوات الأخيرة بروزاً قوياً عبر روايات نالت جوائز كان آخرها جائز الدولة التشجيعية في الكويت عن الرواية نفسها "طعم الذئب"، وله روايات "ذكريات، وقاف قاتل سين"، وأما محمد سيد أحمد فهو ناقد مسرحي وخبير مسرح في إدارة المسرح بدائرة الثقافة، وقارئ ناقد ومتابع لأهم ما ينشر في الرواية العربية.
استهل محمد سيد أحمد حديثه بتقديم ملخص لرواية "طعم الذئب"، فقال إنها تدور فى عوالم الصحراء، وهى جغرافية جديدة فى المكان الروائي العربي انطلقت مع روايات عبد الرحمن منيف وإبراهيم الكوني وكتاب آخرين، وتحكي طعم الذئب عن عن شاب اسمه ذيبان يعيش في كنف أخواله بعد أن فقد أباه وأمه، وهم مسالم إلى درجة الذل والهوان، ومع ذلك فهو شاعر مطرب ربابة من طراز أول، وقد وقع في غرام فتاة جميلة من قبيلة أخرى، مما أجج صدر ابن عمها عليه، فوقعت بينهما معركة مات فيها بالصدفة ابن عم الفتاة، وللانتقام يغير أهل القتيل على قبيلة أخوال ذيبان، ويقتل فيها اثنان من أبناء خاله، ولكن قبيلة القتيل لا ترضى إلا برأس ذيبان، ولفض الخلاف يتقرر أن يبارز ذيبان أحد شجعان قبيلة الأعداء، فينتج عن ذلك هزيمة مخزية لذيبان الذي لم يعرف السيف في حياته ولا المبارزة، ولم يكن يوم من رجال المعارك أو الحروب، ويصبح عارا على أخواله، فيخرج في رحلة هروب لتبدأ أحداث جديدة فى رحلته يهاجمه ذئب في مطارة تستمر ليومين تختلط فيها احداث واقعية بحكايات سحرية.
وأضاف، سيد أحمد أن الرواية تميزت بلغة أدبية بليغة من ناحية المفردات الصحراوية، ومن ناحية السرد الدرامي، ومن ناحية الوصف، ومن المقاطع الجميلة فى الرواية: "ينظر إلى آخر ما تبقي من قوس صحن الشمس يغط وراء الصحراء مخليا المكان لليل مهيب" أو "عندما جاء العصر ثار الهواء كسعال صدر عجوز"
أو "ثم خرست عيناه هامدا وكف عن الجوع" أو "نشف ريقه بغتة حتى صار كبئر ناضبة غار لعابه فابتلع يباس حلقه بغير نفع" أو "القذى الذي علق بروحه من الداخل"، كما أن لغة الرواية تتوشح بالدراما، وهو يسرد عبر افعال تدل على الحيوية والحركة والحث ففي ثلاثة أسطر يحشد عدداً من افعال المضارع مثل: "يجلس كمه بالطين يركز على حركة يديه يتشمم رائحة جسدة يقرر ان يستريح، يغمس ثوبه بالماء، ينحني على البركة".
وأشار محمد سيد أحمد إلى أن أحداث الرواية تناولت ثلاثة انواع من الصراع: "صراع اجتماعي مع تقاليد القبيلة التى نبذته وأبعدته"، و"صراع مع الطبيعة ومع الذئب بشكل خاص"، و"صراع نفسي داخلى لدى ذبيان حول الموت والحياة والشرف والبطولة".
وفي تقنيات السرد رأى المحاضر أن الرواية لم تلتزم بالمسار السردى التقليدى من بداية ووسط ونهاية، وافتتاحها جاء دون عنوان، وتناول مشهد وصول ذيبان إلى مشارف القرية بعد رحلة هروبه التي لقي فيها الأهوال، وفى الفصل الأول يتحدث عن سبب هروبه من القبيلة وتتداخل الاحداث عن طريق عمليات الاسترجاع بالعودة لحديث ذكريات فى طفولته ثم قصة غرامة ثم رحلة مطارة الذئب الدامية، أما شخصيات الرواية فهي قليلة جداً وتم التركيز على شخصية ذبيان وعلى الذئب الذى تحول إلى كائن بشرى يسير على قدمين ويعزف العود ويغنى فى مشعد من الواقعية السحرية تمازج فيه الواقع بالحلم والسحرى بالطبيعى بغرائبية يعجز القارى عن تحديد خطوط فاصلة بين ما يحدث وما يتوهم بالحدث، ومهد ذلك المشهد لتحول طبيعة ذيبان الذي سيصحو من نومه ويصارع الذئب ويقتله ويأكل من لحمه، ليصبح هو نفسه ذئباً أو ذئبان، وينتقل من حالة المذلة والجبن والضعة إلى الشراسة والعدوانية، وهو ما يظهر في عوائه في آخر سطر في الرواية عندما واجه رجال القرية الذين ظنوا أنه قتل آخاهم.