تشكل الرسائل التي يتلقاها سجناء الرأي والسياسة في روسيا، وسيلة لمنع انهيارهم، خلف الجدران المعتمة، في ظل حظر التحدّث بين المحتجزين، وندرة الاتصالات والزيارات، ما يبقيهم في عزلة تامة عن العالم الخارجي، لولا هذه الرسائل التي يتبرع بكتابتها بعض المتطوعين.
الشارقة 24 – أ ف ب:
في كوخ خارج موسكو، يقلّب كونستانتين كوتوف، مئات الرسائل التي تلقّاها عندما قضى أكثر من عام خلف القضبان، لانتهاكه قواعد التظاهر في روسيا.
أمضى الناشط المعارض عقوبته في المستعمرة الجزائية رقم 2 في بوكروف، وهو سجن ذائع الصيت يقع على بعد 100 كلم خارج موسكو، ويقبع فيه حالياً زعيم المعارضة أليكسي نافالني.
ويوضح كوتوف الذي أطلق سراحه في ديسمبر الماضي، أنه واجه جداراً من الصمت، بعدما حظرت سلطات السجن على باقي المحتجزين التحدّث معه.
ويشير الناشط، البالغ 36 عاماً، والذي بات طليقاً إلى أن الرسائل، المكتوبة بمعظمها بخط اليد، منعته من الانهيار.
وتُعد الاتصالات والزيارات محدودة في نظام السجون الروسي، وتفرض السلطات قيوداً على وجه الخصوص على اتصالات السجناء السياسيين مع العالم الخارجي، إذ أنهم يخضعون عادة إلى عزلة أكبر من تلك التي يعاني منها غيرهم من السجناء.
وفيما تُعتبر الرسائل الوسيلة الفعالة الوحيدة للتواصل، لجأ ناشطون إلى وسائل التواصل الاجتماعي، لتشجيع الروس على الكتابة للأشخاص الذين يعتبرونهم سجناء سياسيين.
ويستذكر كوتوف، أنه كان يقضي ساعة يومياً قيد الرقابة المشددة لقراءة الرسائل، ويضيف كانت دوماً لحظة سرور، سمحت لي بالاحتفاظ بالحرية بداخلي التي حاولوا كثيراً انتزاعها.
وأكد كوتوف، الذي سجن لمشاركته في عدة احتجاجات، خلال التظاهرات المناهضة للكرملين صيف العام 2019، بأنه كثيراً ما كان يتلقى الرسائل متأخرة ببضعة أشهر، إذ كان يتعيّن بأن تمر عبر رقابة السجن أولاً.
ولفت كوتوف، إلى أن أي إشارات تحمل انتقادات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كانت تشطب من الرسائل.
وعرضت سلطات السجن، التي ملّت قراءة ومراقبة الرسائل، على كوتوف توفير ظروف أفضل له إذا توقف عن الرد عليها، وهو أمر رفضه.
واشتكى نافالني، الذي شبّه سجن بوكروف بمعسكر اعتقال نازي، من الرقابة على الرسائل في رسالة ساخرة نشرها فريقه على مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت سابق هذا العام.
وأضاف أنا مثل هاري بوتر في الكتاب الأول، هل تذكرون الرسائل من هوغوورتس؟ في إشارة إلى بطل السلسلة الخيالية الذي كانت تُخفى رسائله عنه، وتابع الأمر مشابه تماماً بالنسبة إلي، لكن من دون البوم والسحرة.
ودعا في المنشور أنصاره، لكتابة رسائل لسجناء سياسيين آخرين في روسيا، لكي لا يشعروا بأنهم وحدهم.
وتُعد المحاضِرة في الجامعة إيرينا فلاديميروفا (50 عاماً)، من بين عدد من المتطوعين الذين يكتبون الرسائل لعدد متزايد من السجناء السياسيين، إذ تحصل على عناوينهم من وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يشارك الناشطون قواعد بيانات الأشخاص الذين يعتبرونهم سجناء سياسيين والأماكن حيث يقضون عقوباتهم.
وتقدّر فلاديميروفا، بأنها كتبت من مطبخها الصغير في موسكو حوالي 600 رسالة لسجناء على مدى ست سنوات، وكتبت في إحدى الرسائل، آمل بأن يسطع نجم من أجلك.
وتضع طوابع وأوراق إضافية داخل كل مغلف، ليتمكن السجناء من الرد، ومن بين هؤلاء المؤرّخ المهتم بكشف جرائم الحقبة الستالينية يوري دميترييف، الذي حكم على عليه بالسجن 13 عاماً.
وتؤكد أولغا رومانوفا، التي تدير مجموعة روس سيدياشايا "روسيا خلف القضبان"، التي تقدم المساعدة القانونية للسجناء، أنه بإمكان الرسائل الحماية من العنف الجسدي.
وتشرح، أنه كلما حصل السجين السياسي على مزيد من الرسائل، كلما حظي بمزيد من الحماية، مشيرة إلى أن الحراس يخشون لمس السجناء الذين يتمتعون باهتمام من العالم الخارجي، وأضافت تعد الرسائل أداة دعم مهمة للغاية.
وفي مطبخها، تضع إيرينا فلاديميروفا على الظرف طابعاً، يظهر شعار النسر ذو الرأسين الروسي، مؤكدة أقوم بما يمكنني القيام به، أكتب الرسائل.