تلجأ السلطات الروسية، إلى استخدام ورقة الخدمة العسكرية كأداة ترهيب ضد المعارضين، ورغم أن الكثير من الروس، ينجحون في التهرب من التجنيد الإجباري، بطرق عدة، إلا أن الأمر يكون أكثر تعقيداً بالنسبة للمعارضين، وباتت هذه الخدمة، ضمن ترسانة السلطة لإسكاتهم.
الشارقة 24 – أ ف ب:
يحتفظ روسلان شافيدينوف بذكرى مريرة من خدمته العسكرية، إذ أرسل المعارض الروسي لمدة عام، إلى أرخبيل نوفايا زيمليا في القطب الشمالي، وسط الدببة القطبية.
ويوضح الصديق المقرب لأليكسي نافالني، أبرز معارضي الكرملين الذي أثار تسميمه ثم سجنه أزمة بين موسكو والغرب، أرسلوني إلى أبعد مكان ممكن.
والعزاء الوحيد لشافيدينو، هو أنه تعلم خلال خدمته ألا يخاف من الدببة، التي كانت تحوم حول المركز المعزول الذي يتمركز فيه مع أربعة جنود، ولا يمكن الوصول إليه إلا بالمروحية.
وأوضح الناشط البالغ من العمر 25 عاماً، لاحقني مرّة دبّ، وفي نهاية المطاف، لم يكن عدوانياً لأنني كنت أطعمه.
في روسيا، يؤدي أكثر من 250 ألف رجل، تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عاماً كل سنة الخدمة العسكرية، التي تم تخفيضها في 2008 إلى عام واحد بدل عامين، ما سمح بالحد من التصرفات المهينة أو العنيفة، خلال طقوس استقبال المجندين الجدد، رغم أن أعمال عنف لا تزال تجري.
وينجح الكثير من الروس، في التهرب منها متذرعين بأسباب طبية أو دراسية، وذلك عبر تجاهل الاستدعاء أو دفع رشاوى.
أما بالنسبة للمعارضين، فيكون الأمر أكثر تعقيداً في أغلب الأحيان، وهم يؤكدون أن الخدمة العسكرية باتت ضمن ترسانة السلطة لإسكاتهم.
وتعرض شافيدينوف لضغوط ولعمليتي دهم نهاية 2019، بينما كان فريقه قد نسق تظاهرات في موسكو، ويعمل على إطلاق خطة للتصدي لحزب الرئيس فلاديمير بوتين في الانتخابات المحلية.
تم تجنيده في الجيش حينها على الرغم من "أسباب طبية" تحول دون ذلك، حسب قوله، ورفضت الطعون التي تقدم بها.
وفي 23 ديسمبر 2019، حطمت الشرطة باب شقته، واقتادته مكبل اليدين إلى أقصى الشمال، وأضاف أنه لم يكن يتخيل أن روسيا ستعاود ممارسات نفي الشخصيات السياسية، مندداً بالرغبة في ترهيب الشباب.
ولم يكن مسموحاً له، خلال الخدمة الحصول على هاتف خليوي مطلقًا، واضطر إلى التواصل مع أقاربه عبر الرسائل التي كان يستغرق وصولها أسابيع.
وشافيدينوف هو أحد معاوني نافالني الثلاثة، الذين أرسلوا رغماً عنهم إلى الجيش خلال السنوات الخمس الماضية.
وتمت ملاحقة أربعة آخرون، بتهمة الإخلال بالتزاماتهم العسكرية، وتم تجنيد المدافع عن حقوق الإنسان أوليغ كوزلوفسكي (36 عاماً)، في 2007 رغم وجود عذر طبي وتحصيله الدراسي.
وأوضح هذا الموظف في منظمة العفو الدولية غير الحكومية، كانت قضيتي تعد سابقة خطيرة، الآن تُستخدم هذه الأساليب بلا كلل.
وأشار كوزلوفسكي، إلى أنها عقوبة بلا جريمة، وسيلة نفي، موضحاً أن السلطات تلجأ إليها عندما تصبح الإجراءات القانونية أو إيجاد أسباب حقيقية أمراً معقداً أو مستحيلاً، واعتبر أن حالات ناشطين معروفين، أرسلوا إلى الجيش، ليست سوى غيض من فيض.
وبالتوازي، يخضع المتظاهرون المعتقلون بانتظام لتدقيق، حول وضعهم العسكري، ففي عام 2019، رصد محققون روس، 134 حالة تهرب من الجيش، بين المتظاهرين الذين تم اعتقالهم في موسكو، وصدرت أوامر بتدقيق مماثل بعد التظاهرات المؤيدة لنافالني في يناير وفبراير الماضيين.
في لوغا التي تبعد حوالي مئة كيلومتر عن سانت بطرسبرغ، أعربت مارغريتا يودينا عن استيائها، بسبب استدعاء ابنيها روبرت وروستيسلاف البالغين من العمر 24 و20 عاماً، واعتبرت أن ذلك مرتبط بأنشطتها السياسية.
وتؤكد هذه المرأة البالغة من العمر 54 عاماً، أنه ضغط وترهيب ومضايقة لأخفف الكلام، رافضة إرسال ولديها وأحدهما مصاب بداء السكري، إلى الجيش الذي وصفته بأنه مدرسة للعبودية.
حتى لو أصبح الجيش الروسي احترافياً، بدرجة كبيرة في السنوات الأخيرة، استمر التجنيد الإجباري لأسباب تتعلق بالميزانية، ولأسباب ثقافية أيضاً في بلد كان عسكرياً بشدة لفترة طويلة.
في ألتاي (سيبيريا)، لا يزال الناشط فسيفولود جونكوف البالغ من العمر 19 عاماً يريد التهرب، وبعد تعرضه لضغوط بسبب انخراطه في المعارضة، تم تجنيده الخريف الماضي، وتمكن من تجنب ذلك بصعوبة، وأوضح طعنت على الفور في قرار اللجنة العسكرية التي ألغت القرار.
واستؤنفت دعوة التجنيد في إبريل الماضي، بعد العطلة الشتوية، وتم استدعاؤه مرة أخرى لإجراء الفحوصات، ولم يتم تعبئته رسمياً بعد، لكن بالنسبة له، المشاكل ستستمر من دون شك.