جار التحميل...
الشارقة 24:
أجمع باحثون وأكاديميون عرب، على صعوبة تحديد مسارات تطور القصيدة العربية، نظراً لتعدد منابعها وتحولاتها المستمرة عبر العصور، مؤكدين أن الشعر العربي ظل مرآة لتحولات الوعي واللغة والبيئة، من البداوة إلى المدينة، ومن القصيدة العمودية إلى قصيدة النثر وما بعدها.
جاء ذلك، خلال جلسة بعنوان "مسارات القصيدة العربية"، ضمن فعاليات الدورة الـ44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، التي تعقد تحت شعار "بينك وبين الكتاب"، وشارك فيها كل من الدكتور سلطان العميمي رئيس اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، والدكتور عبد الله محمد سالم مدير بيت الشعر في نواكشوط، والدكتور سعيد العوادي الأكاديمي المغربي، وأدارتها الشاعرة والباحثة شيخة المطيري.
واستهل الدكتور سلطان العميمي حديثه بالتساؤل حول مفهوم "المسارات" نفسه، مشيراً إلى أن بدايات الشعر العربي يصعب ضبطها بدقة بسبب تضارب الروايات وتعدد المصادر الشفاهية، وأن دراسة مسار القصيدة لا تنفصل عن تاريخ اللغة العربية وتطورها اللساني.
وتناول العميمي، مراحل التحول في موضوعات القصيدة وأشكالها وأوزانها، مستشهداً بالثورة التي أحدثتها الموشحات الأندلسية في بنية الشعر العربي، وتطرّق إلى تطور القصيدة النبطية التي ظهرت بعد أربعة قرون من الشعر الجاهلي، موضحاً أن حضورها اليوم في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي يمثل امتداداً لمسيرة طويلة من التحولات البنيوية واللغوية والموضوعية، وأشار إلى أن القصيدة العربية تعيش اليوم حالة من القلق الإيجابي على مستوى اللغة والشكل، مع انفتاحها على موضوعات جديدة تعكس تفاعلها مع العصر واستعدادها الدائم للتحول.
من جهته، قدّم الدكتور عبد الله محمد سالم ورقة بعنوان «ملاحظات سريعة في ذاكرة عميقة»، عرض فيها قراءة تحليلية لمسار القصيدة العربية من منظور تاريخي ومستقبلي، مؤكداً أن الشعر مرّ بمراحل متشابكة يصعب حصرها ضمن تقسيمات زمنية صارمة، وأوضح أن من الخطأ وصف فترات معينة من التاريخ الأدبي بـ"الانحطاط"، لأن ثمة مناطق وأصواتاً ظلت حيوية ومضيئة خلال تلك المراحل، ولفت إلى أن القصيدة الحديثة استوعبت التحولات الاجتماعية والتقنية، واستفادت من الإنترنت في خلق أشكال رقمية وتفاعلية جديدة.
وحول علاقة الشعر بالتكنولوجيا، قال سالم: إن تجربة "قصيدة الروبوت" ستُظهر في المستقبل أن الشعر لا يمكن أن يُنتج إلا من خلال الوعي الإنساني والملكة الفردية التي تحوّل اللغة إلى وجدان ومعنى.
بدوره، ركز الدكتور سعيد العوادي في مداخلته، على البعد السيميائي في دراسة القصيدة، محللاً تحوّلات الشكل الشعري من البنية التناظرية القديمة إلى البنية السطرية الحديثة، وربط هذه التحولات بتغير أنماط العيش والبيئة الثقافية، مشيراً إلى أن القصيدة الأولى كانت تُبنى كـ"خيمة لغوية" تعكس فضاء البادية، بينما أنتجت المدينة الحديثة أشكالاً هندسية وبصرية أكثر مرونة وتنوعاً.
وبيّن العوادي، أن دراسة القصيدة من منظور الشكل والفضاء البصري يفتح أفقاً جديداً للبحث النقدي، لأن التحولات الجمالية في بنية القصيدة تعكس التحولات الفكرية والاجتماعية في الثقافة العربية المعاصرة، حيث تلتقي القصيدة والنثر في منطقة مشتركة من الحرية والتجريب.