 
    جار التحميل...
الشارقة 24:
في ختام الدورة العاشرة، سطّر مهرجان المفرق للشعر العربي، تاريخاً جديداً في ديوان العرب، إذ طوى عقداً من الزمن على تأسيسه، برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
وأقيم المهرجان بتنظيم من دائرة الثقافة ا في الشارقة، بالتعاون مع وزارة الثقافة الأردنية، على مدار 4 أيام بمشاركة أكثر من 30 شاعر وشاعرة من الأردن ومختلف الدول العربية.
وتواصلت فعاليات المهرجان في المكتبة الوطنية في العاصمة عمّان، بحضور سعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، والاستاذ محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، ود. سلطان الزغول مدير مديرية ثقافة إربد، وفيصل السرحان مدير بيت الشعر، وعدد كبير من المثقفين والأدباء والأكاديميين والطلاب.
وأكّد الزغول في كلمة ألقاها في ختام المهرجان أن بيوت الشعر في الوطن العربي تستكمل الدور الريادي الذي تضطلع به الشارقة بتوجيهات حاكمها المثقف النبيل، في الحفاظ على الهوية الثقافية العربية والإسلامية، ودعم المشهد الشعري العربي عبر تسليط الضوء على إبداعات الشعراء العرب التي ترتقي بالواقع الشعري العربي وتسهم في إغنائه.
وقال مدير مديرية ثقافة إربد:" اختتمت في مركز إربد الثقافي فعاليات مهرجان المفرق للشعر العربي في دورته العاشرة، بعد أن انطلقت أعماله في المكتبة الوطنية في عمّان. وهذا الانتقال بالمهرجان بين العاصمة عمّان، والمحافظة الأكبر في الأردن سواء من حيث المساحة والسكان أو من حيث التأثير في المشهد الشعري والثقافي الأردني، وهي محافظة إربد، يدفع بالواقع الشعري خطوات إلى الأمام".
وأضاف الزغول لافتاً إلى ما قدّمه بيت الشعر للمشهد الثقافي: "قدّم بيت الشعر في المفرق، وهو من أوائل بيوت الشعر التي وجّه صاحب السمو حاكم الشارقة، بإنشائها في البلدان العربية، قدّم أصواتاً شعرية جديدة حققت الإضافة المرجوّة".
وتابع في السياق نفسه: "كما حقق البيت من خلال امسياته ومهرجاناته الدورية كثيراً من أهدافه التي أنشأ من أجلها عبر تسليط الضوء على تطور القصيدة العربية وأبرز الأصوات الشعرية العربية والاهتمام بالأصوات الشعرية الشابة".
وأشار الزغول إلى أن المهرجان استقطب أصواتا شعرية جديدة قدّمت نفسها بقوّة وحماس لتأخذ مكانها الذي تستحقه في المشهد الشعري العربي، وذلك عبر قصائد وجدانية ووطنية تبرز جماليات الشعر العربي ودوره في حفظ الهوية الثقافية للأمة.
تميزت القراءات بحضورٍ لافتٍ للغة والصورة الشعرية المكثفة التي لامس نبض الواقع من جهة، وتنوعت في موضوعاتها من جهة أخرى، لتجمع بين العاطفة الوجدانية، والإنسانية، والحس الوطني من جهة ثانية، لتشكّل لوحة نابضة بالإبداع، عكست تنوّع التجارب والرؤى الشعرية التي قدّمها المشاركون، وسط تفاعلٍ كبير من الجمهور امتزج بوهج القصيدة.
وشهد ثاني أيام المهرجان أمسية شعرية شارك فيها الشعراء: حسام شديفات، ومكي نزال، ومحمد الجهالين، ومريم الصيفي، وأحمد عبد الغني، ومحمد كنعان.
ومن السيرة الأولى مضى شديفات يقرأ:
من لثغةٍ بفم اللُّغات تحدَّروا وتخيّروا شكّل الكلام وثرثروا
مُذ راودوا الأفكار قبل صعودها لم يُمسِكوا إلا التي تتبخّرُ
في السّيرة الأُولى، يقال بأنَّهُم قفزوا من الفردوس ثُمَّ تصحّروا
في السّيرة الأُخرى، يقال: بأنَّهُم قمحٌ، يسيل مع الحُقول وزعترُ.
وتواصلت القراءات في ثالث أمسيات المهرجان بمشاركة الشعراء: محمد نصيف، ود. إيمان عبد الهادي، وأيوب الزيود، ورنا بسيسو، وشفيق العطاونة، وجاسر البزور.
واستهلت الشاعرة بسيسو بإهداء لصاحب السمو حاكم الشارقة، وقالت: "استحضر في هذه الأوقات إنجاز المأمون حيث كان يؤمّن للكتاب والأدباء والشعراء قوت يومهم حتى لا ينشغلوا إلّا بالثقافة والأدب والشعر والإبداع، وأهدي لسموهّ الشعر، عرفاناً بجهوده ومنجزاته على صعيد الثقافة والأدب، واهتمامه المشهود بالأدباء والشعراء والمثقفين"، وأنشدت تقول:
لك أيّها المأمون هلَّ نَظيرُ فالقاسميُّ على هُداك يسيرُ
زهرُ المجاز مظلّلٌ بعباءةٍ ويحار في شوك الدُّروب حريرُ
وقرأت بسيسو:
أقِلّي يا رياح ما لا يدكُّ بثقل ما فيه جبالا
وينحتُ من دموع الغيم صخرًا كصخرٍ قد أذاقوهُ بِلالا
وثوري كلّما تخبو نجومٌ يثير بريق لؤلئها رمالا
تسير وفي المدى قيظٌ ثقيلٌ يسومُ بحرّ خطوتها جمالا.
ومما ورثته من ضوء جدها، تقرأ د. عبد الهادي
ورثت الضّوءَ عن مصباح جدّي لذلك حلــــــــــــــــــــكةٌ ستجيءُ بعدي
ولم يك في سراج الضَّـوء زيتٌ ولكنَّ الأصابِع ذاتُ وقـــــــــــــدِ
ستأتي من سماء الغيـــــــــــــــــب كفٌّ وتُوثقُ في خيال الرّيح قصدي
أرى في خـــــــــــــــــــــــــــــاطر (الرّؤيا) ملاذاً تضيقُ به (العبــــــــارةُ) إذ تؤدّي
وشدّ المهرجان رحاله متنقلاً في آخر أيامه من العاصمة عمّان إلى محافظة إربد شمالي الأردن، حيث شهد مركز إربد الثقافي أمسية الختام، بمشاركة الشعراء: د. حربي المصري، ورند الرفاعي، ود. طي حتاملة، ود. خالد المياس، وحمزة بني ياسين، وإبراهيم الحسبان.
وأنشد المياس في حب الشام، يقول:
دمشق أعشقها والقلب حاديها والنبض إيقاعها في عرس أهليها
تاريخها عهده يروي حضارتها والشعر من بردى ما زال يرويها
يا شام يا درةَ الأكوان يا بلدي يا منطق الحبّ، بالعينين أفديها
إني، منيرةُ، أهوى الشام مذْ زمنٍ وهذه الروح قصرُ القلب يُؤويها.
وتواصلت القراءات مع الشعراء الآخرين بقصائد تناولت موضوعات شعرية متعددة.
احتفى شعراء ومثقفون بمرور عشر دورات على انطلاق بيت الشعر في المفرق، مؤكدين الدور الريادي لصاحب السمو حاكم الشارقة في رعاية الثقافة العربية، مشيرين إلى أن مبادرة بيوت الشعر أصبحت فضاءاتٍ نابضة تحتفي بالشعر وتكرّس حضوره في المشهد العربي.
وأكد المشاركون أن استمرار بيت الشعر في المفرق لعشرة أعوام متواصلة يعكس نجاح التجربة وتميّزها على الصعيدين المحلي والعربي، لما قدّمه من دعم للمواهب الشابة واحتضان للأصوات الشعرية الجديدة، فضلاً عن دوره في تعزيز الحوار الثقافي ومدّ جسور التواصل بين الشعراء والنقاد والمبدعين من مختلف الدول العربية.
وقال الشاعر محمد العموش: "لا شك أنّ الأردن منجمٌ للإبداع والمبدعين في كل المجالات وبخاصة الشعر، وقد كان الشعراء ومتذوقو الشعر والنقاد يبحثون عن مظلة يجتمعون تحتها لإظهار وعرض إبداعهم ومناقشة ما لديهم مع الجمهور، ثم جاءت مكرمة صاحب السمو حاكم الشارقة، بإقامة أول بيت للشعر خارج الشارقة فكان للأردن شرف الحظوة بهذه المكرمة لتجمع الشعراء ومتذوقي الشعر والنقاد والمهتمين باللغة العربية، فشعّ قنديل الشارقة في المدينة ثم انتشر ليشمل كل مدن وقرى الأردن، وأصبح وجهة للشعراء العرب القادمين إلى الأردن، حيث صار بيتُ الشعر بيتاً دافئاً يجمع الشعراء وعشاق الشعر والنقاد ومحبي الشعر واللغة. وها هو بيت الشعر يشعل الشمعة العاشرة من الضياء والإبداع واثق الخطى، مطوّرا كل عام من مكانته وممتدا أكثر في سماء الجمال والإبداع والشعر".
ولفت الشاعر عضيب عضيبات، قائلاً: "لعل أكثرَ ما يجعل من بيوت الشعر حضنا وفيا للشعراء اقتصارُها على الشعر وحده، بعيدا عن الأجناس الأدبية الأخرى، بمعنى أن مبادرة الشارقة فتحت للشعر العربي بيوتا في مدن عربية عدة احتفاء بهذا الأدب، وحفاظا عليه، ورغبةً في تعزيز مكانته بين الآداب، وإيمانا بفرادته وتحقيقا لطموح الشعراء على امتداد أوطاننا العربية في أن يجدوا لنصوصهم منصاتٍ مستمرة".
وأضاف: "أما بيت الشعر في المفرق، أحد هذه بيوت الشعر العريقة، فنحن اليوم نحتفل معه بعقد من الزمان منذ تأسيسه؛ فقد فتح أبوابه للشعراء الأردنيين، واحتفظ بمقياس وحيد للقبول والترحيب وهو الشعر الذي جعله الشاعر على عاتق جمهوره، بما يحمل من قضايا إنسانية تجاوزت التجارب الفردية، إلى جانب استضافته لشعراء عرب من غير الأردنيين إثراءً للتجارب والخبرات الأدبية".
ورأى الشاعر حسام شديفات أن بيت الشعر، بعد عقدٍ من انطلاقه برعاية كريمة من الشارقة، شكّل تحوّلًا حقيقيًا في المشهد الثقافي الأردني، إذ رفعه إلى مستوى عربي واسع، وفتح أبوابه لاكتشاف طاقات شعرية في مختلف المراحل والأعمار، وأسهم في تعزيز حضور الشاعر الأردني، ومنح القصيدة مساحة من الضوء والاحتفاء، ليغدو منبرًا يجمع الأصوات ويحتفي بالتنوّع والجمال.
وأكّد أن مبادرة بيوت الشعر النبيلة التي أطلقها صاحب السمو حاكم الشارقة، تمثّل استمرارًا لنهج الشارقة في دعم الثقافة العربية وصون لغتها، ووعيًا عميقًا بأهمية الشعر بوصفه أحد روافدها الكبرى، مضيفا "فالشكرُ موصولٌ للشارقة ولحاكمها على هذا الوعي المشرق والموقف الثقافي النبيل".
وأشارت الشاعرة مريم الصيفي إلى أن بيت الشعر لم يكن مجرد منصة لإقامة الأمسيات، بل تحول إلى مؤسسة ثقافية فاعلة تسهم في ترسيخ مكانة الشعر بوصفه ركناً من أركان الهوية العربية، من خلال برامجه المنتظمة وملتقياته التي تجمع بين الأصالة والتجديد، وتفتح آفاقاً رحبة أمام الإبداع والتفاعل الثقافي.