سوق كلباء التراثي يعكس عبق الماضي وروح الأصالة

وقد تجسدت رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في إحياء التراث الوطني عبر رعايته الكريمة لمشروع تطوير سوق كلباء التراثي، الذي جرى افتتاحه رسمياً في عام 2023 بحضور كبار المسؤولين وأعيان المنطقة، وشدد سموه على أهمية الحفاظ على الموروث الثقافي ونقله للأجيال المقبلة، موجهاً بضرورة دعم المهن والحرف التقليدية، وتشجيع أصحابها؛ لضمان استدامتها، وتعزيز دورها في التنمية الثقافية والاجتماعية للإمارة.

فيما يأتي استعراض لملامح سوق كلباء التراثي الذي يجسد روعة الماضي العريق ويحتضن طموحات المستقبل المشرق:

موقع استراتيجي: قلب كلباء النابض بالحياة

يتربع سوق كلباء التراثي في موقع متميّز بمنطقة القلعة التاريخية، ممتداً على جانبي طريق الشيخ سعيد بن حمد القاسمي، مما يجعله محوراً حيوياً يربط بين أجزاء المدينة القديمة، ويعكس هذا الموقع الاستراتيجي أهمية السوق التاريخية بكونها نقطة التقاء تجارية واجتماعية؛ إذ كان يشكل قديماً القلب النابض للحياة الاقتصادية في المدينة، واليوم يستعيد دوره بكونه مركزاً حضارياً يجمع بين عراقة الماضي ومتطلبات الحاضر.

رحلة الإحياء: من الترميم إلى النهضة الشاملة

شهد العام 2023 نقلة نوعية في تاريخ سوق كلباء التراثي؛ إذ خضع لعملية ترميم وتطوير شاملة نفذتها هيئة تنفيذ المبادرات في إمارة الشارقة "مبادرة"، وتضمنت هذه العملية ترميم السوق القديم والبيوت المجاورة له والمسجد الأثري، مع إزالة المباني المتهالكة والاستعمالات غير المناسبة والعشوائيات، كما جرى الاعتماد على الطرق التقليدية في البناء باستخدام الصاروج، والدعون، والجندل، والعريش، مما أعاد للمكان روحه الأصيلة وطابعه المعماري التراثي الفريد.

تصميم معماري: تحفة فنية تحاكي الماضي العريق

يتألف السوق التراثي من صفين متقابلين يضمان 104 محال تجاري، تتميّز واجهاتها بالطابع التراثي الأصيل الذي يتناغم مع النمط العمراني التقليدي للمدينة القديمة، ويزين السوق رواق تراثي بطول 570 متراً يمتد أمام جميع المحال، مصمم بطرازين مختلفين من الخشب والجص مع أقواس تعكس الطابع المعماري الإسلامي، وينقسم السوق إلى جزأين يفصلهما شارع الشيخ سعيد بن حمد القاسمي؛ الجزء الشرقي بطول 120 متراً، والجزء الغربي بطول 470 متراً، مما يخلق تناسقاً معمارياً يأسر الأنظار ويستحضر عبق التاريخ.

خدمات متكاملة: راحة الزوار وسهولة الوصول

يوفر السوق التراثي بنية تحتية متطورة تلبي احتياجات الزوار العصرية؛ إذ يضم 473 موقفاً للسيارات موزعة حول السوق من جميع الجهات، بالإضافة إلى تطوير شبكة الطرق المحيطة وتعبيدها بالكامل، كما يتميّز السوق بتوفير مرافق ترفيهية متنوعة تشمل منطقة ألعاب للأطفال، ويوفر مساراً لركوب الخيول مخصصاً للأطفال، ومنطقة لالتقاط الصور مع الصقور، إضافة إلى تطوير الوادي المجاور بتنظيفه وتعميقه ورصفه بالحجر الطبيعي المستخرج من جبال كلباء، وتزيينه بصفين من أشجار النخيل.

تنوع تجاري: تلاقي الثقافات والنكهات

يحتضن السوق التراثي تشكيلة غنية ومتنوعة من المحال التجارية التي تخدم مختلف الأذواق والاحتياجات؛ إذ يضم العديد من المطاعم الشعبية التي تقدم المأكولات المحلية والعربية والعالمية، إضافة إلى المقاهي التي تقدم أجود أنواع القهوة العربية والعالمية بطابع تراثي مميّز، كما يتضمن محال متخصصة في الحلوى العمانية الفاخرة، والعطور والبخور المصنوعة يدوياً، والملابس التراثية والعصرية، والمنتجات الحرفية التقليدية، والصابون والمساحيق التجميلية الطبيعية، مما يجعل السوق وجهة شاملة للتسوق والترفيه.

إرث حضاري: جسر يربط الأجيال بتراثهم العريق

يتجاوز سوق كلباء التراثي كونه مجرد مكان للتسوق ليصبح متحفاً مفتوحاً يحكي قصة الماضي ويعزز الانتماء للهوية الإماراتية الأصيلة؛ إذ يحتضن السوق المسجد القديم، والذي جرى ترميمه مع الحفاظ على معالمه الأثرية وتزويده بالمرافق العصرية، كما جرى تزويد الأروقة بإكسسوارات تراثية تحكي تاريخ المنطقة وتقاليدها العريقة، مما يجعل كل زيارة للسوق رحلة عبر الزمن تستحضر ذكريات الأجداد وتنقلها للأجيال الجديدة.

وفي الختام، يقف سوق كلباء التراثي شاهداً على رؤية حكيمة تجمع بين الحفاظ على التراث والتطلع نحو المستقبل، مجسداً نموذجاً فريداً للتنمية المستدامة التي تحترم الماضي وتخدم الحاضر، وتشكل إرثاً حضارياً يفخر به الأجيال القادمة.

المراجع 

[1] sheikhdrsultan.ae, سلطان القاسمي يفتتح سُوقَي الجبيل وكلباء التراثي
[2] sgmb.ae, حاكم الشارقة يفتتح سوق كلباء التراثي
[3] sdc.gov.ae, «الشرقية» تواكب افتتاح السوق التراثي وسوق الجبيل في كلباء و«الوسطى» تتابع سير العمل في مزرعة القمح ومشروع خزان المُدينة
[4] sharjah24.ae, سوق كلباء التراثي