جار التحميل...
الشارقة 24:
ضمن فعاليات حفل تكريم الفائزات بجائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية في دورتها السابعة، التي نظمها المكتب الثقافي في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، في مركز الجواهر للمناسبات والمؤتمرات، عقدت ندوة "نحن والآخر.. أبعاد ثقافية وإنسانية"، قدمتها د.سعيدة بنت خاطر الفاسي، ود.صباح بنت عبد الكريم عيسوي، وأ.د.نادية سعدون هناوي، وأدارت الحوار: الأديبة صالحة عبيد حسن.
وضمت الندوة عدة محاور منها: هل هناك ضرورة ملحة لوجود أدب الرحلات في ظل انتشار الصورة، وكيف استطاع أدب الرحلات أن يرسم الصورة الجمعية للإنسان؟ وغيرها من المحاور المتنوعة التي ناقشتها الأديبات خلال الندوة.
وأكدت د.سعيدة الفارسي على أن أدب الرحلات يعتبر مهماً جداً وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون بأنه يتلاشى يوماً بعد يوم، بسبب قيام الصورة اليوم بدور أفضل من الكلمة، خاصة أن الصور اليوم عالية الدقة وملونة وزاهية، وأي تعليق على الصورة يفي بالغرض، وينقل للمشاهد الحقيقة كاملة، ولكن لا يمكن اعتبار هذا الكلام حقيقياً، لأن أدب الرحلات أدب عميق ومستمر وممتد عبر الأزمنة والأمكنة، وينبع من ثقافات متنوعة ولا يمكن أن يزول بمجرد وجود بدائل حديثة عنه.
وأكدت د.صباح عيسوي أن أدب الرحلات من أهم الآداب التي تعنى بالإنسان، ويراه البعض عبارة عن صراع بين الأنا والآخر ويراه البعض الآخر نوعاً من التمازج والتقارب بين شعوب خلقت للتعارف ونشر السلام.
وعادة ما يقدم لنا أدب الرحلات صورة عن الآخر، قد تكون محدودة أو مطبوعة بوعي الكاتب نفسه ومرتبطة بدرجة ثقافته، ونابعة من بيئته وبالتالي قد تكون منقوصة أو سلبية، لكنها تغلغلت للأسف عبر الأزمان والأجيال حتى وصلت لنا، ومنها على سبيل المثال الصورة النمطية لعلاقة الشرق بالغرب، وهذه الصور التي طبعت بوعينا الجمعي موجودة، ولكن هناك مجال كبير لتغييرها بعدة طرق، ويعتبر أدب الرحلات واحدة منها، وفرصة لنغير نظرتنا عن الآخر ونخلق سمة من الوعي الجمعي.
وعن أبرز النماذج التي تقدم لنا صورة متكاملة عن أدب الرحلات، تحدثت د.نادية هناوي قائلة: في البداية لابد وأن أشير إلى أهمية أدب الرحلات الذي بنيت على أساسه أشكال السرد الأخرى التي انتشرت فيما بعد، والنماذج التي تستحق الذكر كثيرة ولكن أولها وأهمها هو رحلة ابن جبير، فهو أول من قام برحلة من الأندلس باتجاه المغرب ومن ثم مصر، ودامت رحلته ثلاثة أعوام، وكان يؤرخ مذكراته باليوم والشهر والسنة، ولكن رغم هذا لا بد وأن أنوه إلى أن أدب الرحلات لا يعتبر توثيقاً دقيقاً للواقع، فهو في النهاية شكل أدبي يجمع بين الواقع وبين خيال الكاتب.
وبعد رحلة ابن جبير بعدة عقود كانت الرحلة الأشهر لدى الأغلبية وهي رحلة ابن بطوطة، والتي دامت نحو ثلاثين عاماً، وجاب فيها بلدان آسيا حيث بدأ من بغداد وصولاً للصين، ووثق رحلته في كتاب "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، ويعتبر ابن بطوطة أمير الرحالة العرب، وتوالت بعدها الكثير من الرحلات المهمة منها على سبيل المثال رحلة الإدريسي، والتي تكمن أهميتها في الخرائط التي رسمها للمدن التي زارها، وكان أهم ما يميز الرحالة حرصهم على نقل تجاربهم للآخرين، وهذا ترك أثراً لدى الرحالة الغربيين، حيث قاموا بكتابة وتوثيق رحلاتهم على غرار ما كتبه الرحالة العرب.
وحول إمكانية تخصيص مساقات أكاديمية لتدريس أدب الرحلات أكدت د. الفارسي، ضرورة وجود مثل هذه المساقات، لأن أهم ما يميز أدب الرحلات هو اللغة الأنيقة والشفيفة والشاعرية والمميزة التي يكتب فيها، وما يتضمنه من وصف دقيق وتصوير للواقع من خلال الكلمات، خاصة أن معظم من يكتبه هم أدباء، فاللغة الأدبية الراقية هي التي تمنح هذا الأدب صفته الأدبية، وتخلده ومن هذه اللغة يستمد وجوده، وأشارت إلى جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة والتي تنظم سنوياً ويمنحها المركز العربي للأدب الجغرافي _ارتياد الآفاق في أبوظبي ولندن، وتهدف لتكريس أهمية أدب الرحلات.
وحول شروط أدب الرحلات قالت د.عيسوي: ينظر للمنجز الإبداعي عادة بأنه يتميز بخصائص محددة أهمها السرد، ورغم توجه أدب الرحلات لجانب محدد إلا أنه يحمل الخصائص الفنية للرواية، بل يعتبر الأساس الذي انطلقت منه الروايات، لذا فأهم ما يميزه هو اللغة والأسلوب الفني وعامل الوصف، فالقارئ لأدب للرحلات يتوقع من الكاتب أن يصف له المكان بدقة ليستطيع تخيله وكأنه زاره بالفعل، والجانب المتعلق بالأنا والآخر يتسع ويضيق حسب وجهة نظر الكاتب، ويمكننا اعتبار هذا الجانب أيضاً الذي يجمع بين سمات الكاتب وسمات المكان الذي يزوره واحدة من صفات أدب الرحلات.
وأكدت د.هناوي كذلك أنه رغم وجود أدب الرحلات منذ قرون، إلا أنه لم يلعب دوره في كسر الصورة النمطية لنظرة شعب لشعب آخر، بل وبعضها كرس هذه النطرة، ولكنها ترى أن أهم ما ميّز أدب الرحلات عند العرب قديماً عدم تعاليهم على الآخر، بل هناك تقبل له مع الحرص على عدم الانصهار معه فيحافظ على الأنا الخاصة به ويستفيد من تجارب وأفكار وخبرات الآخر، وهذا ينبع من منظور روح التسامح والتعايش وتقبل الأخرين، وتؤكد على أن وجود الآخر عنصر أساسي في أدب الرحلات، وأضاف إليه الكثير من الخبرات الجديدة والأفكار والتجارب.
وفي نهاية الجلسة تم فتح باب الأسئلة والنقاشات بين الضيفات والحضور، مما أثرى الجلسة بالمزيد من الأفكار المثمرة حول أدب الرحلة.