جار التحميل...
الشارقة 24:
نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة، مساء أمس الأول، أمسية شعرية، بمشاركة ثلاثة شعراء تميزوا بقدراتهم الإبداعية الراقية، هم: مصعب بيروتية، وشيخة المطيري، ويزن عيسى، وأدارها الإعلامي عبد اللطيف محجوب.
وفي مقدمة بارعة باذخة بتمجيد الشعر والشعراء، أوضح محجوب، أن الشعراء يمكن أن يصوموا عن كل شيء إلا الشعر، فهو دماؤهم التي تسري في عروقهم ونفسهم الذي يتنفسونه صباحاً ومساءً، وصوم الشعراء كصوم الناس جميعاً، لكن أرواحهم الرقيقة تصبح شفّافة أكثر حتى كأنها تتلألأ نوراً وضياءً، فيسكبون ذلك الضياء شعراً آسراً جميلاً.
وكان بداية القراءات الشعرية مع الشاعرة المبدعة شيخة المطيري التي قرأت عدة قصائد استهلتها بقصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، عبرت فيها روح تقيم في حدائق النور الربانية، قد شفّها الوجد، فيترأى لها من العلو نور سيد الخلق فتتبعه أبداً، ولا تريد عنه تحولا.
وتمتاز شيخة المطيري في شعرها، بالقدرة على خلق أفق درامي متنام على شكل صور بديعة تتظلل وتتآلف إلى أن تكون صورة واحدة كبيرة هي استعارة عن غربة الشاعرة عندما تستعصي أمامها الأحلام الجميلة، وتأبى أن تتحقق أو عندما تقف أمام مشهد إنساني مؤثر يترك جرحاً في نفسها الرقيقة، فلا تستريح حتى تبدعه على تلك الطريقة الجميلة، لذلك تكثر في شعرها الأساليب الدرامية خاصة أسلوب الحوار، مع اللغة الرقيقة الشفافة، تقول المطيري، من قصيدة من "وحي الزجاج":
سماؤك آياتٌ وعيناك مذهبُ فأسرِ بقلب في هواك يُعذب
يراك عصي الوصل شيمتك الجفا وكل طريق نحو عينيك يصعب
يقولون ليلى في العراق وها أنا بكل سماوات الهوى أتقلب
وقفت على المرآة أرقب حزننا متى يا مرايا شبه عينيّ تُعرَب
وأسمع في المرآة ناياً لغربتي أنا لحن من غابوا فمن بي سيطرب
وأرسم في المرآة ريح قميصه ليبصر قلبٌ هدّه الشوق متعب
وأرسم في المرآة عين خليلنا وأشرب من جذر الهيام وتشربُ
وأكتب من وحي الزجاج قصيدة أغالب فيها الشوق والشوق أغلب
القراءة الثانية، كانت من نصيب مصعب بيروتية، الذي استهلها بدوره بقصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، عبر فيها عن سمو النفس وانعتاق الروح حين ترتقي بمحبتها إلى آفاق النور المحمدي.
وبيروتية شاعر متمكن ذو تجربة شعرية رسخها عبر عطاء متواصل، صنع له حضوراً عربياً مشهوداً، وهو مشدود في كثير أشعاره إلى مراتع طفولته وشبابه وصور تلك الأيام الجميلة وخيالات تلك العوالم التي لا تبرح تزوره، فيفصل منها بروداً وأردية رائعة يتقي بها صقيع وحميم غربته، وكأنه لا يزال ذلك الطفل الراتع في ملاعب الشام الجميلة، يقول بيروتية:
ولم تزلْ تذكرُ الأحلامَ إذ رحلتْ
وغايةً كِدتَ تنساها.. ولم تقلِ !
طفلٌ تعلّقَ بالغيماتِ ..
فامتزجتْ على يديهِ رمالُ البوْحِ بالبلَلِ
طفلٌ يُخضّب فرشاةَ الرُّؤى ..
بصدىً منَ الحنين.. وشيءٍ من صَدى الأَمَلِ
أغفى على شاطئِ الذِّكرى طفولتهُ
وصُحبةً.. مِثلَهُم لم يلقَ من بدلِ
مرّوا شمُوسَاً.. على عينيهِ.. وانطَفؤُوا
وفجأةً.. أوقدوا نارَاً لمرتحلِ
غابوا مع الرّيحِ.. إذ تعوي ..
وضجَّ بهمْ صوتُ الغيابِ.. وصوتٌ من صَدى الأجلِ
وعلى شاكلة زميليه، كانت ليزن عيسى وقفة في رحاب سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، هي وقفة المحب الحائر الذي بهره ذلك النور الساطع من كل الجهات، فيحاول أن يدرك كنهه وهو يدري أنه لا يستطيع، فيكتفي بأن يترك نفسه تهيم فيه متخفّفة من أعباء الجسد ومتاعب المادة إلى عالم من الصفاء اللانهائي.
ويزن عيسى شاعر شاب استطاع أن يجعل لنفسه صوتاً شعرياً متميزاً بقدرة الرائعة على تركيب الصور التي تفجر المعاني تفجيراً، فتصنع من شتات الرموز والعبارات والمواقف والإشارات المختلفة توليفة قابلة للتأويل في اتجاهات دلالية جديدة، وهو بذلك منخرط كلياً في الحداثة الشعرية، يقول يزن:
أريقُ حواسي دمعةً تلوَ دمعةٍ
ومِنْ حيثُ تخضرُّ المواقيتُ أقصدُ
كأنّيَ -ما قالَ الظلامُ- إشارةٌ
إلى قمرٍ في وحشةِ الكونِ يولدُ
كأنّيَ -ما شاءت ليَ الريحُ- نخلةٌ
طوى جذعها الباكي حنينٌ مؤبّدُ
كأنّيَ أرنو الآنَ من كلِّ حيرةٍ
تحاولُ معنى الضّوءِ وهوَ مجرّدُ
أطلُّ على الأسماءِ قابَ ازدحامها
وأُمعنُ، لا أمسٌ يلوحُ ولا غدُ
أرى غيمةً تغشى الزمانَ بأسرهِ
ويكتُبُها في خاطرِ الرّملِ سيِّدُ
ملامحهُ ماءُ الجمالِ، وخطوُهُ
إلى الغارِ، نقشٌ في المكانِ مخلّدُ
وحيثُ تنامُ الأرضُ، يخضرُّ صمتهُ
ويغشاهُ من غيبِ النبوّةِ سرمَدُ
وفي خطوهِ الأشياءُ تنطُقُ ذاتَها
"سلاماً" وأنوارُ السماواتِ سُجَّدُ
وحيدٌ، لهُ في بكرةِ الحبِّ أمّةٌ
تشقُّ ظلامَ العالَمينَ و"تشهدُ"