جار التحميل...
الشارقة 24 - محمود سليم:
أوضح الدكتور محمد راشد النقبي، الباحث في التراث الإماراتي، أن الحلقة الثالثة من بودكاست "دفتر الزمان.. حكم وأمثال أهل الإمارات"، تواصل استكشاف كنوز الحكمة التي تركها لنا الأجداد عبر أمثالهم الشعبية، والتي نستطيع من خلالها أن نرى كيف صاغت القيم الإماراتية أسلوب الحياة قديماً، واتخذوا من الكلمات سلاحاً يعكس تجاربهم، ويعبرون بها عن أفراحهم وأحزانهم، واكتشاف أسرار القوة التي تسكن روح المجتمع الإماراتي عبر التاريخ من خلال أمثالهم الشعبية.
ويقدم البودكاست: أمثال "شل قفه فوق الراس ولا حاجة الناس"، والقفه وعاء دائري تقليدي يصنع من سعف النخيل، ويُضرب المثل للشخص الذي لا يعتمد على غيره؛ بل يشمر عن ساعده ويدخل ميدان الحياة كي يحقق ما يصبو إليه دون أن يمد يده لأحد من الناس، ولو استدعى الأمر أن يبيع ولو قفة من السعف؛ أي حاجة بسيطة بدلاً من أن يمد يده لغيره، ومثل آخر يقول: "شنيوب غرق يمل"، وشنيوب هو السلطعون أو سرطان البحر، ويُضرب به المثل من باب التهكم، فقد تضطر الظروف أن يسقط الشخص الكبير العارف في أمر لا أهمية له، لذلك تنطبق هذه الصفات على الشنيوب - سرطان البحر – الصغير، فكيف له أن يخدع الجمل الكبير ويقوده للهلاك غرقاً في البحر.
ويستكمل بمثل آخر "صبرك على نفسك ولا صبر الناس عليك"، والمعنى أن يصبر المرء على الحاجة ومر العيش، خير له من أن يأخذ شيئاً على حساب الناس أو يسألهم، فيصبح ذليلاً لهم، لذا قيل: اصبر على مر الحياة وكدرها، فإن ربي بالصابرين رحيم، وننتقل إلى مثل آخر يقول: "صبحت قيطون"، وقيطون اسم امرأة اشتهرت قديماً بالدهاء والمكر والخداع، ويقال هذا المثل في الشخص الذي يشتهر بهذه الصفات ويحذر الناس منه.
ويضيف الباحث في التراث الإماراتي، يوجد أيضاً مثل "صرقعابة الصيف"، والصرقعابة حشرة خفيفة تخرج في موسم الصيف، ويقال المثل للشخص غير المتزن الذي لا يتحكم في تصرفاته، فهو كحشرة الصرقعابة الصغيرة التي تنتقل من مكان لآخر دون هدف أو معرفة لحاجتها أو غايتها، وأيضاً "الحايه تكسر البضاعة"، ويضرب المثل عندما يبيع شخص سلعته بثمن بخس بسبب الظروف الطارئة التي يمر بها، ويقال عندما تضطر الظروف إنساناً ببيع أو تنازل أو رهن شيء ثمين يملكه نتيجة حاجة أو ظرف ما يمر به، ويستكمل الأمثال "طبعان ومسمر على لوح"، والطبعان هو الغريق، ومسمر أي يسير بلا هدف، ومسمر تطلق على القارب أو السباح الذي يحمله الموج أو التيار دون جهة معلومة، ويعني المثل الشخص الذي قد يتعرّض للغرق قد يُمسك ولو بقطعة بسيطة من الخشب لا تساوي شيئاً تضمن له النجاة والسلامة.
ويوضح الدكتور محمد راشد النقبي، أن الأمثال الشعبية تنوعت في القصر والطول، ولكن خير الكلام ما قل ودل كما يقال، فيقول الرواة هذا المثل في كلمتين: "طام ورام"، وطام أي كثر، ورام متروك مكانه، وتقال للدلالة على أنه كلما فاض الشيء وكُثر تُرك وأهمل وبقي في مكانه، ومثل آخر يقول "ظاهر من الخب وطاح في الطوي"، وهو مثل يضرب للدلالة على الشخص تعيس الحظ والذي كلما خرج من مشكلة وقع في أخرى أدهى منها وأشد، كمن خرج من البئر ووقع في حفرة الخب الملاصقة للبئر، والخب حفرة بطول 8 إلى 10 أمتار وعمق 1.5 متر، وتكون قريباً من الطويان (الآبار في المزارع، يزرع فيها غالباً الموز والفيفاي "البابايا") لحمايتها من الرياح الشديدة، ولحاجتها إلى الكثير من الماء، كما يطلق الخبّ على الحفرة الطويلة التي يدخلها الثور وقت السقاية.
ويضيف النقبي، "عرق يبهتك ودسم شاربك"، ودسم شاربك: كناية عن أطايب الطعام التي تدخل جوفك وخاصة الدسمة، ويقال هذا المثل للشخص "أعمل في حياتك بجد واجتهاد، وستنال ما تتمنى من السعادة والرفاهية"، فلا شيء يحصل عليه أو يناله المرء دون جهد وتعب وكد، وخير الكسب هو الذي يأتي من عرق الجبين، بالإضافة إلى مثل "عطاه الخيط والمخيط"، والمخيط هو الإبرة، ويعني من سلم أمره أو ما يملك لشخص وتركه يتصرف في الشيء كيفما يشاء، ويضرب للحث على الحرص على متابعة الإنسان لشؤون حياته بنفسه، وعدم ترك إدارة الأمور الشخصية للغير من دون متابعة ومحاسبة.
ويضم البودكاست أيضاً، مجموعة من الأمثال، "غراب ويقلد مشية حمامة وصار يتنطط"، بمعنى عندما يحاول فرد تقليد تصرفات شخص آخر وبشكل أعمى حتى في مشيته، فإنه يصبح إنساناً لا شخصية له، و"غنى لمغني وكل من سار بيته"، ويعني أن الناس الذين حضروا كي يواسوك في العزاء أو الفاجعة وشاطروك الحزن والألم كل سيذهب إلى بيته، وستبقى لوحدك تتذكر من رحل عنك، و"طاحت انخله وسلمنا من حتاتها"، وحتاتها: تساقط ثمرها، ويقال المثل في بعض الأشخاص الذين لا نرغب أو لا نستسيغ تواجدهم في حياتنا، فكلما ذهب من حول الشخص أحد من هؤلاء، يشعر بالارتياح، فيشبهونه بالنخيل حين تموت ينتهي ثمرها ولا يتساقط منها شيء يحتاج إلى الحمل أو القطف.
ويختتم النقبي بمثل، "لا حنيس ولا ونيس"، ويضرب المثل بالشخص الذي يعيش أو اعتاد العيش وحيداً، فهو لا يتحدث أو يتواصل مع أحد أو لا يسكن بالقرب من أحد، و"الزين يعجبني لكن النجد يغلبني"، والنجد هو النقود، بمعنى أن المرء قد تكون له رغبة وحاجة في شراء واقتناء أشياء كثيرة، لكن بسبب قلة المال لا يُقدر ولا يستطيع أن يقتني أو يمتلك شيئاً.
ويضيف الباحث في التراث الإماراتي، من خلال أمثالنا، نجد أنفسنا على مفترق طرق بين الماضي والحاضر، نستشرف بها ملامح المستقبل، عبر دروس أخذناها من مرونة الأجداد وحكمتهم التي لا تنقضي.