جار التحميل...
الأمثال هي حصيلة تجارب تعايشت معها أجيال متعاقبة ضمنتها المعاناة والفلسفة في الحياة، وهي امتداد جاري عبر اللغة والمفاهيم والتصورات العامة، كما يوضحها الدكتور محمد راشد النقبي، الباحث في التراث الإماراتي، مشيراً إلى أنه يحاول نقل هذا الموروث وشرح معانيه بطريقة بسيطة، خلال حلقات البودكاست، ويبدأ بمثل: بفرك فرة الحابول في الشتا، والحابول هو الحبل الذي يتحزم به الشخص عند صعود النخل، ويعني سأرميك وأتخلى عنك كما يُرمى الحابول الذي يرقى به أو ثمار النخيل ويترك في موسم الشتاء، حيث لا يستعمل إلا في وقت الصيف.
ويضيف النقبي: بوصيك لا تنقد على الناس عيبها يخصونك بالعداوة ولو أنت لهم صديق، وتنقد بمعنى دائم الانتقاد، ويدعو هذا المثل إلى البعد عن انتقاد الناس وذكر عيوبهم وعدم التدخل في شؤونهم، فالذي يفعل ذلك لا يأمن من عداوتهم وانتقادهم له ولو كان صديقاً مقرباً، وينتقل إلى أحد الأمثال الاجتماعية، بو لسان عديم إحسان، ويعني أن الشخص الذي يتكلم كثيراً عن إحسانه للناس فهو لا يعرف للإحسان طريقاً، فحديثه وثرثرته محت ما قدمه من خير.
ويستكمل بودكاست "دفتر الزمان" في سرد الأمثال الحياتية، حيث يقول المثل: تعلم كل مهرة واتركها جود الزمان يحوجك لها، والمهرة أي صنعة وحرفة، ويضرب المثل للحث على تعلم كل الأعمال المُفيدة النافعة في حياتك وإن لم تكن مطلوبة في حينها، فلربما يأتي اليوم الذي يمكنك أن تحتاج إليها وتنفعك في وقتها، ومثل أيضاً تحطه في الثبان يلدغك باللسان، والثبان ما تثنيه من طرف ثوبك فتضع فيه شيئاً تحمل، ويشير هذا المثل إلى الشخص الذي تقوم بإكرامه وتقديم الخير له قد يكون من يسبب لك الأذى والضرر ويلدغك بقوله في حقك.
وينتقل إلى مثل أخر يستعمل في المعاملات التجارية، قائلاً: "جان ما عندك حباصي نهي ولا تصدع لي راسي"، والحباصي هي النقود، بمعنى: إذا لم توجد لديك نقود تشتري بها من عندي فاذهب ولا تعد ولا توجع الرأس بالطلبات بدون فائدة، ومن التجارة إلى البحر، يقول المثل: جعيدة بيت ولا سفر بنغاله، والبنغاله: هو اسم لإحدى السفن التي يسافر عليها البحارة، ويعني أن الإنسان يجلس في بيته ويرضى بالمكسب القليل بين أهله، أفضل من تحمل عناء السفر في البحر.
ويقدم الدكتور محمد راشد النقبي مجموعة من الأمثال الأخرى، جنها ام الهيلان، والهيلان هو اسم خيالي بمعنى: المرأة أو الفتاة التي تتكلم بأشياء لم تحدث، وتجعل من شخصيتها أكبر من السن الذي هي عليه، وتروي وتنقل الأخبار والحكايات كأنها عجوز متمرسة في أمور الدنيا يقال لها أم الهيلان، ومثل أخر يقول خذ من البصل بما حصل، وخذ من لرويد عويد، وكل من الثوم ما تروم، والعويد هو أعواد الورق، ويعني المثل كل من الفجل القليل، ومن البصل بما وجد، ومن الثوم على قد ما تقدر لأن به الفائدة، وهو دعوه لأن يأخذ الإنسان من الشيء على قدر منفعته فقط.
ويضيف مثل أخر لي ما عندها بنية، تموت وعلاتها غبية، وغبية أي مكتومة ومخفية، والمثل يقال للأم التي لم ترزق ببنت، ففي حال مرضها وتعبها لا تجد أحد بجوارها يخفف عنها ويساعدها، وأيضاً دملج يخطب ولا يملج، ودملج: اسم شخصية وهمية، ويملج: يتم عقد الزواج، ويقال هذا المثل للشخص الذي يبدأ في أمر مهم ولكن دون أن يتمه ويتركه معلق، كالشخص الذي يخطب لمدة طويلة ولا يستطيع أن يكتب كتابه أي يتم عقد الزواج.
ويستكمل البودكاست عرض الأمثال المحلية الإماراتية بمثل: دردميس ما تعرف الجمعة من الخميس، ودردميس: يقصد بالمثل اختلاط الأشياء وتشابهها في الحياة نتيجة سرعة حركتها، ويضرب المثل لتشابه الأيام والأوقات فلا تشعر بها أو بسرعتها وفواتها نتيجة حركة الحياة وسرعتها، فأصبح الشخص لا يميز الخميس من الجمعة، وأيضاً ريحته ولا جميحته، وجميحته تعني عدم وجوده، ويقال هذا المثل عندما يحصل الشخص على ما يريد ولكن ليس بالشيء الذي يرضيه ويقنعه، فيقول إن هذا أفضل من عدم وجوده على الإطلاق.
ويختتم الدكتور محمد راشد النقبي، الباحث في التراث الإماراتي، حديثه بمثل أخر مرتبط بالنخلة والرطب، رخص الفرض ودينوه، والفرض هو نوع من التمر، بمعنى: متى ما نزلت قيمة الفرض وقل ثمنه أصبح يباع بالرخص وبغير نقد بل بالدين، ويضرب المثل في تغير معاملة الشخص كأنك هنت عليه وأصبحت رخيصاً، وأخيراً زايد الهرموز ملح، والهرموز قطعة كبيرة من الملح، ويعني الشخص الذي يأتي بتصرفات غريبة فيزيد الطين بله، فهذا كمن يزيد الملح ملحاً فيخرب كل شيء، مشيراً إلى أن هذه الحلقة كانت رحلة عبر كلمات الأجداد التي حملت في داخلها معاني عميقة تتجاوز الزمن، وتظل مصدر إلهام لنا، مهما طال الزمن.