جار التحميل...
الشارقة 24 - محمود سليم:
الأمثال والحكم مرآة للمجتمع تعكس ثقافة الشعوب وفكرها، فعندما يحدث موقف به عبرة، يحضر المثل الشعبي، ويكون عبارة قصيرة ذات معنى كبير، أو طابع فكاهي، لكنه يحتوي دائماً على معانٍ ثرية، يربط بها الماضي بالحاضر، والأمثال مرتبطة بالبيئة، وتمتاز بعمومها بقدر ما تحتفظ بخصوصيتها في اللغة واللهجة وارتباطها بالبيئة، كما أنها تجسد أفكار المجتمع، وتعتبر جزءاً مهماً من ثقافته وعاداته.
يوضح الدكتور محمد راشد النقبي، الباحث في التراث الإماراتي، أنه من هذا المنطلق سنتطرق إلى مجموعة من الأمثال المحلية المختلفة الأغراض والأهداف، خلال بودكاست "دفتر الزمان" - والذي يُنشر تباعاً على مدار شهر رمضان المبارك - مع شرحها معزّزة بالأمثلة من الواقع في الماضي والحاضر وذلك لترسيخ المعنى، وبالتالي إبراز الغايات والمضامين الحقيقية للمثل وليس فقط الشكل والرسم.
ويضيف النقبي، أنه ليس أدل على ذلك من قول المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي استلهم روح الماضي وما يحمله من قيم نبيلة في مقولته الشهيرة "من ليس له ماضٍ، ليس له حاضر ولا مستقبل".
ويستعرض البودكاست أمثال: "ادفرني بالوادي ولا تحرق لي فوادي"، ويعني هذا المثل ألقني في واد عميق لكن لا تعذب قلبي، ويدعو المثل إلى حفظ الود والوصل بين الأصدقاء والمُحبين، و"اللي يلدغه الغول يخاف من الحبل"، والغول يُقصد به هنا الثعبان، وهو مثل جرى على لسان أهل الإمارات بأكثر من طريقة، ويعني أن الشخص يكون حذراً من أبسط الأشياء إذا تعرض لأذى لدغة الثعبان فيتصور الحبل ثعباناً، وهنا مثل آخر أخذناه من أفواه كنوزنا الحية الرواة، وهو: "إذا بغيته يجنع طرشه يجلع"، ويجنع في المثل بمعنى يقتنع، ويجلع يقلع الشيء الذين يتحدثون عنه، ويضرب هذا المثل عندما تريد الشخص أن يقتنع ويرضى بشيء ما، دعه يُجرب بنفسه ويتأكد من معرفته وقدرته على فعل الشيء.
ويستكمل الدكتور محمد راشد النقبي، الحكم والأمثال: "إذا ما رضى بعصا موسى بيرضى بعصا فرعون"، ومعنى المثل أن الشخص الذي لا يقتنع بأمر أو بحاجة بطريقة لينة والمذكورة في المثل بعصا موسى، سوف يرضى بشيء أقوى منه بالشدة وهي عصا فرعون، ويوجد أيضاً مثل آخر: "أنا طبلك وأنا زمرك وعند الهزيمة ينهزم قبلك"، بمعنى الشخص الذي يسمعك الكلام الطيب المعسول في الرخاء، قد تراه يهرب ويختفي عنك في الشدة والحاجة ولن تلقى له أثراً، وأيضاً "اطلع باللحاف وادخل بالمهاف"، والمهاف هي مروحة تقليدية لتبريد الجسم، ويُقال هذا المثل عند تغير المواسم ما بين الصيف والشتاء، أي على الإنسان ألا يبقى على حال واحدة؛ بل عليه مواكبة التغيرات الحياتية والاجتماعية والمناخية.
ويُضيف النقبي الأمثال من كتابه "أمثال أهل الإمارات"، "قطع الله شيره ما تظلل على عرقها"، ويعني لا بارك الله في إنسان لا يرحم ويقف بجانب أهله وأقربائه، ومثل آخر يقول: "كلنا أهل قرية وكل عارف خيه"، ويطلق على المجموعة التي تعرف بعضها كون كل أفرادها من أهل المكان والقرية الواحدة فبذلك تجمعهم صفة واحدة، وهو أنهم يعرفون بعضهم بعضاً، وتقال أيضاً للشخص الذي يُريد أن يُخفي شيئاً ما عن أهله أو جماعته، فلا يستطيع ذلك لمعرفتهم وعلمهم به وبنواياه وأسراره.
ويوضح الباحث في التراث الإماراتي، أنه يوجد الكثير من الأمثال الشعبية التي تحتوي ألفاظاً محلية، كالمثل التالي: "أم دلهم تدق العظم وتنشف الدم"، والمقصود هناك من البشر من تكون أفعالهم وأقوالهم لشدّتها لا يمكن أن يتحملها، كحال الحمى الشديدة عندما تصيب الإنسان، فالمقصود بأم دلهم أي الحمى، بالإضافة إلى أم "ارخيش يدت العذج كله"، وأم ارخيش هي طائر كبير من فصيلة النسور، والعذج: عذوق النخل، ويدت: أي قطعت عذق النخل بالكامل، ويُضرب هذا المثل للشخص الذي تطلب منه شيئاً بسيطاً أو حاجة قليلة، فتجده يأتي لك بشيء أكبر مما طلبت، لعدم إدراكه لما هو المطلوب بالضبط.
ويعرض البودكاست، أمثالاً أخرى، كـ"هذا الميدان يا حميدان"، وهذا المثل له قصة؛ يُقال إنه في السابق قد كان هناك ميدان في الخليج يتنافس فيه المتبارزون؛ فيعرف الشجاع من الجبان، ويُعرف الغالب من المغلوب، ويُضرب المثل في حال التحدي بين اثنين، أو بين جماعة وأخرى في أمر ما؛ فالميدان هو الحاسم للتحدي، وأيضاً "افتح بابك وتجمل وإلا صكه وتخمل"، وتخمل تأتي هنا بمعنى: اسكت ولا تنطق بكلمة، والمقصود من المثل هو أنك إذا فتحت بابك فتجمع أمام الجميع بالكرم والجود، ولكن إذا أغلقته فلا تنطق بأي كلمة، ومن الأفضل لك أن تصمت.
وأضاف النقبي، لدينا هنا أيضاً العديد من الأمثال الحكيمة، فيقول الرواة: "اتبع مبكياتك ولا تتبع مضحكاتك"، بمعنى أن الشخص الذي يبكيك أو تتأفف من نصحه لك مباشرة، أفضل من شخص يضحك بوجهك ولا يهمه بما تقوم به من أعمال، و"أم لحيول تيول"، والحيول هي الغوايش، ويقال المثل لإحدى النساء التي تلبس الغوايش وتظل تلف حتى تلفت النظر لما تلبس وتتجمل به من حلي وأساور، ويُضرب المثل للشخص الذي لا يثق بقدراته وإمكاناته، ويريد أن يلفت انتباه الغير له.
ويستمر الدكتور محمد راشد النقبي، في عرض الأمثال: "احضر على مالك ولا عشرة من عمالك"، ويعني عندما تكون مشرفاً على جميع أعمالك ومتابعاً لها بشكل مباشر يكون ذلك أفضل من أن يشرف عليها غيرك، وأيضاً المثل القائل: "أش لك على ركب اليمل ومراماته"، ومراماته هنا تعني تمايله، والمعنى: ليس لك من داع أن تتدخل في أمور لا تعني لك شيئاً، ولا حاجة للتدخل أو الخوض فيها، ومثل "اتيوع واتصوغ"، ويضرب هذا المثل للإشارة إلى الأشخاص الذين لا يمتلكون المال الكافي لإطعام نفسه لدرجة أنه يجوع، ولكنه يقوم بشراء الذهب والمجوهرات دون مراعاة لما هو عليه من حاجة، ويهدف هذا المثل لانتقاد هذه التصرفات، وحث الإنسان على معرفة الأولويات والضروريات، وأخيراً نختم حلقتنا بهذا المثل، "من سبق لبق ولبق"، أي نال ما يتمنى، ويضرب المثل للشخص الذي يكون سباقاً في شؤونه، فينجز مهمته ويحصل على ما يريد، وفيه حث على إنجاز العمل وعدم التأجيل.
ويختتم الدكتور محمد راشد مخلوف، الباحث في التراث الإماراتي، الحلقة الأولى، قائلاً: جاءت الأمثال الشعبية للدلالة على التميز والخصوصية التي عرف بها أبناء الإمارات، فالأمثال تحرّك وتنمي الدور الإيجابي لدى أبناء المجتمع، لذا فالأمثال تبقى مرتبطة بأفراد المجتمع في الماضي والحاضر والمستقبل، وللأمثال دور رئيس داخل الحياة الإماراتية والثقافات العربية على اختلافها.