قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)سور يوسف الآيات. (1-3)
موسى والمعلم
كانت السلالة الثامنة عشرة الفرعونية المصرية قد وصلت إلى مرحلة من الضعف، حتى إن أجزاء من الدولة المصرية قد تمّ احتلالها من قبل دول وأقوام آخرين.
ومن الدول التي احتلت الجزء الشرقي من مصر هي الدولة الحثيّة في آسيا الصغرى، المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وتعرف بالأناضول التركية، وكان مؤسس الدولة الحثية، هو الملك «شوبيلوليوما الأول» «Suppiluliuma I» حكم (1355 – 1320 ق.م).
وفي زمن الملك الثاني «مورشيلي الثاني» «Mursili II» حكم (1321-1295 ق.م)، قام ذلك الملك بغزو سوريا التابعة لمصر حتى وصل إلى ميناء إيلات على البحر الأحمر، وكان ذلك في زمن فرعون الذي تربى موسى في قصره، وهو في عام 1316 قبل الميلاد.
وحينما بلغ موسى أشده، في أن يرحل إلى مسافات طويلة، للبحث عن العلم الذي لم يجده في مصر، فقد أوحي إليه أن يرحل إلى مجمع البحرين، وهما بحر إيلات وبحر السويس، منطقة رأس محمد بشرم الشيخ، وعند مجمع بينهما (السويس وشرم الشيخ) عند الصخرة، وهي الطور، سيجد المعلم الذي سيعلمه.
وخرج موسى ومعه خادمه من قصر فرعون إلى السويس حيث بداية بحر السويس، ومن هناك بدأت قصة موسى مع المعلم.
قال الله سبحانه وتعالى:
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
سورة الكهف الآية (60)
الفتى: العبد أو الخادم.
مجمع البحرين: منطقة رأس محمد بشرم الشيخ.
بلغ: وصل.
أحقب: أركبه وراءه.
قال الله سبحانه وتعالى:
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)، سورة الكهف الآيات (61-64).
مجمع بينهما: في منتصف المسافة بين السويس وشرم الشيخ.
الحوت: سمكة، وفي وضع السمكة التي أمسك بها موسى وفتاه، فكانت من نوع القرموط، وهي شبيهة بالحية، وتخرج من البحر إلى اليابسة.
اتخذ سبيله في البحر سرباً: اندس تحت التراب إلى البحر.
فلما جاوزا: أي مرّا عن الصخرة، أي الطور.
ذلك ما كنا نبغ: كان موسى قد أوحى الله سبحانه وتعالى إليه أنه سيجد العلم عند الصخرة أي الطور، وذلك ما كان يبتغيه موسى.
قال الله سبحانه وتعالى:
فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74) ۞ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا (76) فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)، سورة الكهف الآيات (65-82) .
وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً: الملك هو مرشيلي الثاني، الذي كان مقيماً في إيلات، وأي سفينة تأتي من ناحية مصر، يأخذها غصباً.
لقد جئت شيئاً إمراً: أي أمراً عجيباً.
واستردت مصر إقليمها الشرقي على يد ابن سيتي، حفيد رعمسيس مؤسس السلالة التاسعة عشرة، نحو عام 1301 قبل الميلاد، حيث حارب الحثيين في سوريا، وكسرهم وأبعدهم عن سوريا.
تحقيق: الدكتور سلطان بن محمد القاسمي
نقلاً: عن صحيفة الخليج الإماراتية