أكد أكاديميون ومتخصصون بالشؤون التراثية والفنية أن التراث هو الركيزة الأساسية في التواصل الدولي والإنساني عبر العصور، فمن خلاله تتقارب وجهات النظر، وتمتد جسور المعرفة والتعارف، ويسود الوئام البشري والسلام العالمي. جاء ذلك خلال جلستين ثقافيتين تم عقدهما على هامش فعاليات الدورة 21 من أيام الشارقة التراثية.
الشارقة 24:
على هامش فعاليات الدورة 21 من أيام الشارقة التراثية، عقدت جلستان ثقافيتان، حملت الأولى التي أدارها أحمد سالم البيرق، مدير إدارة الاتصال المؤسسي في معهد الشارقة للتراث، عنوان "التراث والتواصل الدولي"، فيما أقيمت الجلسة الثانية تحت عنوان "التراث وسيلة التواصل الإنساني"، وذلك بحضور نخبة من الباحثين والمهتمين والإعلاميين المحليين والعرب.
كان للتواصل أثره الفعال في حماية التراث المادي في سوريا خلال الأزمات الماضية، بهذه الكلمات استهل د. مأمون عبد الكريم الأستاذ في قسم التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعة الشارقة حديثه مضيفاً: "انطلقنا في التواصل بداية مع أبناء البلد باعتباره مفتاح التواصل مع العالم، ثم انطلقنا إلى العالم، وقد أسفر ذلك عن دعم ومساندة عالمية كبيرة أنقذت بجهود الجميع نحو 97% من القطع الأثرية التي كان يضمها 10 آلاف موقع أثري، و34 متحفاً منتشراً في البلاد من أخطار الحروب".
وصحح عبد القادر بدور معلومات تاريخية عن نشأة فن القدود بأنه ظهر في القرن 16 ق.م في أوغاريت وليس قبل نحو 100 عام، مبينا أنه فن يقوم على الاحتفاظ باللحن والإيقاع مع تغيير الكلمات، كما يمكن الانتقال في مضمونها من قد ديني إلى قد شعبي وغيرها، وعن دور حلب في شهرة هذا الفن أكد بدور أن القدود أعيد إنتاج الكثير منها وصياغتها في حلب، ومنها إلى العالم في حلقة تواصلية لافتة، حتى بات يُعرف اليوم بفن القدود الحربية، ولهذا الفن مشاهير كثيرين معروفون في الوطن العربي والعالم.
ودعا الدكتور مسعود إدريس إلى التعرف على الحضارة الإسلامية في البلقان التي لا تقل أهمية وشهرة عن الحضارة الأندلسية باعتبارها حلقة تواصلية عالمية مهمة اهتمت أوروبا بالتعرف إليها منذ مدة طويلة، وتطرق إدريس إلى الفلسفة الإسلامية العمرانية في بناء الجسور في البلقان مع المحاريب قبل إنشاء المساجد التي شيدت بعدها بنحو 100 عام، ودعا إلى الحفاظ على هذه الجسور باعتبارها حلقات تراثية تواصلية مهمة في ظل بقاء 5 جسور من أصل 50 تعرضت إلى الاندثار والزوال عبر التاريخ.
وأدار الدكتور صابر يحيى الجلسة الثانية "التراث وسيلة التواصل الإنساني" التي استهلها الدكتور أحمد بهاء الدين بأن الوصول إلى ما ينتجه البشر لن يتم من دون تعزيز وسائل الاتصال وتنميتها، مؤكداً أن هذا العامل هو أساس دور التراث، ومن خلاله تكتسب نتاجات الشعوب القدرة على البقاء والانتشار والتوسع، مشددا على أن التواصل الاجتماعي أوصل الإنسان بالإنسان، إلا أنه لم يوصل الإنسان بالتراث والحضارة، إذ لا يتم ذلك إلا من خلال اللقاء المباشر والمثمر بين مُلقٍ ومتلق.
وعن فلسفة التواصل في نقل التراث المادي لا نستطيع ادعاء معرفة كل ما كان في الماضي من تراث -على حد قول الدكتور عمر عبد العزيز - مضيفاً أن التعامل مع التراث لابد أن يتم بأدوات معرفية وذوقية حيث انبثقت منه كل العلوم والمعارف، ومع أنه مرتبط بالقديم، وغاب عنا منه الكثير، فإن كل جديد في العالم يحمل بين طياته شيئا من التراث، وأن التواصل يعيد ما انقطع منه عبر العصور لعوامل المرونة والقوة التي يتمتع بها، وأهلته للبقاء كل هذا المدى الطويل من التاريخ.