يشكل الخيال أحد أهم عوامل الإبداع في شخصية الطفل الأدبية، وينبع هذا الخيال من أسس عدة، أبرزها الإرث الشعبي المتمثل في الحكايات التي كان يسمعها من الشخصيات المحيطة به، أو التي كان يصوغها بنفسه خلال أوقات لهوه، فيتفاعل بها مع محيطه، ويلهم بها أدباء عصره، ومن هذا الموضوع انطلقت صفحة جديدة من الصفحات الثقافية لمهرجان أيام الشارقة التراثية الذي يستمر لغاية 3 من مارس المقبل.
الشارقة 24:
على ضفاف خور الشارقة، وفي ظل أنسام شتوية منسابة بعذوبة على متن سفينة القاسمية "البغلة" -أحد أجمل الشواهد التراثية البحرية في الإمارات-، أقامت المدرسة الدولية للحكاية، ضمن مشاركتها في مهرجان أيام الشارقة التراثية؛ جلسة حوارية بعنوان "حكايات من عالم آخر" شارك فيها كل من سعادة الدكتور عبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث، والشاعر الناقد علي العبدان، والكاتبة الفتية ريمان عبد الله، وأدارت الجلسة الشاعرة شيخة المطيري.
وفي إجابة له حول أهمية الحكاية في تكوين شخصية الطفل الأدبية أجاب سعادة الدكتور عبد العزيز المسلم: "كل طفل في بداية حياته يحاول أن يصنع لنفسه كهفاً صغيراً يكون بمثابة عالمه الموازي، يقص فيه الحكايات، ويتفاعل مع الشخصيات سمع عنها، أو التي يكونها بنفسه، أو التي يمتزج بها بين الاثنين، ومن هنا ينطلق إلى عالم الإبداع الأدبي، وإذا انتهت هذه الجزئية من حياته، فقد انتهى الإبداع، لذلك لا بد أن نحرص على استمرارية الحكاية، وتدفقها، لاسيما من قبل الجدات اللواتي كن منظومة تراثية معرفية شعبية فائقة الروعة والجمال، لكنها لم تأخذ بدورها المستحق في الوقت الحاضر".
وأضاف المسلم: "كان لكل حكاية نسمعها قيمة وجدانية، إذ لم تكن مجرد حكايات، فقد كانت حكايات الأطفال دروساً تدفعهم باتجاه السلوك الحسن، والأخلاق الفاضلة، بل كانت تهم حتى الكبار، وما قصة بابا درياه، وخطاف الأطفال التي كانت تروى للبحارة إلا خطوة في هذا الاتجاه، إذ كانت تروى لتحذيرهم من الغفلة كي ينجو الجميع من مخاطر البحر، ومن هذا الأثر حرصت الشعوب على تدوين حكاياتها بالكتابة، لأن الحكاية هي المورد الحقيقي لثقافات الشعوب".
وحول تأثير الحكايات في الأعمال الفنية قال الشاعر علي العبدان: "إن الأجواء التي كنا نسمع فيها الحكايات في السبعينيات كانت عاملا مساعدة في تكوين خيالي الفني، فقد كان لكل جو حكايته الخاصة، كالحر والبرد، والضوء والظلام، والشخصيات الحقيقية والخرافية، وكل هذه العوامل شكلت عاملاً مساعداً لي للتعايش مع الحكايات؛ وبالتالي قدرتي على التأليف فيها بشكل ناجح".
الكاتبة الفتية ريمان عبد الله لها إصداران في مجال الحكاية الخرافية "الخراريف" أكدت أن السبب في ظهور هذه المؤلفات هو ما كانت تسمعه من الحكايات التراثية، فاختزنتها في ذاكرتها، ثم قامت بنقلها على الأوراق، وأضافت لها ما كانت تشعر به في التفاعل معها، ومن هناك بدأت فكرة كتابتها التراثية التي أبدعت فيها وحازت على جائزة أدبية مرموقة، مثمنة دور معهد الشارقة للتراث في ذلك.
وتضمنت الجلسة مناقشة موضوعات أخرى دارت حول تحديات اختراع التلفزيون قديماً، ووسائل التواصل الاجتماعي حديثاً في الحد من خيال الطفل، وأكد الحاضرون على أن إعداد البرامج المناسبة من قبل المتخصصين، والمشاركة المجتمعية الفاعلة، ستجعل من استخدام هذه الوسائل فرصة لتنمية خيال الطفل ونقله من عالم التلقي المجرد إلى عالم المشاركة والتفاعل والإبداع.