بعد خمس سنوات من التعاطف، يواجه أفراد أقلية الروهينغا الذين فروا من بورما، هرباً من الانتهاكات العسكرية، تزايد معاداة بنغلادش المضيفة لهم، ليجدوا أمامهم خياراً مراً يتمثل بعودة غير آمنة إلى الوطن، يرفضونه قبل منحهم حقوق المواطنة وضمانات أمنية.
الشارقة 24 – أ ف ب:
لقي اللاجئ الروهينغي نور كمال تعاطفاً كبيراً في بنغلادش حين لجأ إليها قبل خمس سنوات، هرباً من الانتهاكات العسكرية في قريته في بورما، غير أن العداء الذي بات يواجهه اليوم يضعه والروهينغا الآخرين، أمام خيار عودة غير آمنة إلى الوطن.
تغيّر الوضع كثيراً مذ فرّ، في العام 2017، هو ونحو 750 ألف من أقلية الروهينغا المسلمة من بورما إلى بنغلادش المحاذية ونجاتهم من حملة قمع وحشية تخضع الآن لتحقيق من قبل الأمم المتحدة.
حينها، توافد آلاف البنغاليين الغاضبين من أعمال العنف في حق المسلمين إلى الحدود، من أجل توزيع الأغذية والأدوية للوافدين من بورما.
مذّاك الوقت، يعيش الروهينغا في مخيمات مكتظة تفتقر إلى الظروف الصحية اللائقة، ويرفضون العودة إلى بورما قبل منحهم حقوق المواطنة وضمانات أمنية.
لذلك، ازداد تعاطي سكان بنغلادش قساوة مع اللاجئين بعد سنوات من الجهود غير المثمرة، للتفاوض بشأن عودة آمنة للروهينغا، بحيث تدين وسائل الإعلام والسياسيين بانتظام اللاجئين بوصفهم تجار مخدرات.
ويقول كمال من منزله في مخيمات اللاجئين الحدودية "هناك كراهية شديدة في صفوف السكان المحليين والصحافة هنا تثير قلقي، من احتمال نشوب أعمال عنف في أي وقت".
ويضيف "من الأفضل لنا أن نعود إلى ديارنا حتى لو يعني ذلك أن نواجه الرصاص، إذا متنا، سنُدفن على الأقلّ في وطننا الأم".
وعانت بنغلادش من أجل مساعدة العدد الهائل من اللاجئين بسبب تحديات إدارية ضخمة في استضافة مخيمات لاجئي الروهينغا، حتى مع المساعدة المالية التي تقدّمها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين ومنظمات إنسانية أخرى.
وأبعد الانقلاب العسكري في فبراير 2021 في بورما، كل احتمالات التوصل إلى اتفاق لعودة الروهينغا إلى وطنهم.
الشهر الماضي، أعلنت رئيسة الوزراء البنغالية الشيخة حسينة، أن مخيمات الروهينغا أصبحت عبئاً ثقيلاً على اقتصاد بلادها وتهديداً لاستقرارها السياسي.
وقالت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك "إذا استمرت المشكلة قد تؤثر على أمن واستقرار المنطقة بكاملها".
ينتشر الاستياء على نطاق واسع بين البنغاليين الذين يعيشون قرب مخيمات الروهينغا، إذ يعتبرون أنهم تجاوزوا مهلة بقائهم.
ويقول أياسر الرحمن الناطق باسم مجموعة محلية رافضة لتواجد الروهينغا: "إنهم يجلبون العار لبنغلادش".
ويضيف "يجب أن يرسلوا إلى بورما فوراً"، متهماً اللاجئين بـ "نهب وظائفنا وسرقة جوازاتنا".
وأصبح انتقاد الوضع الأمني في المخيمات والعبء الذي تلقي به على الموارد العامة، متداولاً على نطاق واسع في تقارير وسائل الإعلام المحلية.
في أغسطس، في الذكرى الخامسة لحملة القمع البورمية على الروهينغا، نشر موقع إخباري شعبي مقال رأي طرح السؤال التالي "إلى متى ستستمر معاقبة بنغلادش على مساعيها الخيرة؟".
وشبّهت وسيلة إعلام محلية أخرى، في أحد عناوينها، وجود الروهينغا بـ "ورم سرطاني".
لكن مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه حذّرت في أغسطس خلال جولة لها في بنغلادش في نهاية ولايتها من أن "شروط العودة غير متوافرة" في بورما التي تحكمها مجموعة عسكرية، على الرغم من طلبات بنغلادش المتكررة.
وأشارت إلى "ارتفاع حدة الخطاب المناهض للروهينغا، وتنميط صورتهم وجعلهم كبش فداء، واعتبارهم مصدر الجرائم والمشاكل الأخرى".
ويقرّ اللاجئون بوجود أنشطة عنفية وجرمية داخل مخيمات كوتوبالونغ، وبأن الروهينغا أنفسهم يقعون ضحايا ذلك في المقام الأول.
وسعت جماعة "جيش إنقاذ روهينغا أراكان"، وهي جماعة إسلامية متمرّدة تواجهت مع الجيش البورمي في الماضي، إلى بسط نفوذها على المخيمات، لدرجة أنها قتلت قادة من المجتمع المدني قد يكونون تحدّوا سلطتها.
ويُعد جنوب بنغلادش أيضاً مركزاً للاتجار بالميثامفيتامين في المنطقة والذي ينطلق في بورما، وغالباً ما يتم توظيف روهينغا لنقل مخدرات لصالح الزعماء المحليين المؤثرين، الذين يتحكمون بشبكات التوزيع.
وتسبق تجارة المخدرات توافد الروهينغا إلى بنغلادش في العام 2017، لكن يقول اللاجئون إنهم متهمون إلى حد كبير بانتشار المخدرات في بنغلادش.
ويقول اللاجئ عبد المنّان "من بين مليون شخص، هناك حفنة من التفاح الفاسد، لكن هذا لا يبرر وصف مجتمع اللاجئين بأكمله بالمجرمين".
ويضيف "الطريقة التي يتمّ توصيفنا وتصويرنا بها مؤلمة جداً".
وأرهق الاقتصاد المتدهور سكان بنغلادش مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة في مختلف أنحاء البلاد، ما أثار أحياناً احتجاجات عنيفة.
وعانت بنغلادش أيضاً من أسوأ فيضانات في التاريخ الحديث، منذ موسم الرياح الموسمية الأخيرة، إذ غمرت المياه ملايين المنازل.
وساهمت هذه الصعوبات في تراجع التعاطف لدى البنغاليين.
ويقول علي رياض، وهو أستاذ في العلوم السياسية في جامعة ولاية ايلينوي الأميركية كتب كثيراً عن أزمة الروهينغا، "تضاءل التعاطف الذي ظهر في العام 2017 والسنوات اللاحقة، وتم استبداله بخطاب معاد".
ويضيف، "إن الخوف والكراهية هما الملامح الرئيسية" لهذا الخطاب.