الشارقة 24:
ضمن نشاط منتدى الثلاثاء، نظَّم "بيت الشعر" بدائرة الثقافة في الشارقة، الثلاثاء، 18/ أكتوبر، أمسية شعرية حافلة برؤى الجمال والإبداع المتميز، احتفت بالشعراء: منيار العيسى من سوريا، شيماء حسن من مصر، وعبد الله أبوبكر من الأردن.
جاء ذلك بحضور مدير البيت محمد عبد الله البريكي، وقدمها الإعلامي د. نبيل صافية، الذي حيا الحاضرين، وأشاد بروعة التنظيم والأسماء المشاركة، كما أثنى على نشاطات البيت واحتفائه الدائم بالشعر وأهله.
وامتلأت ساحة البيت بحضور حاشد حريصٍ على مواكبة فعاليات البيت بكل محبة وتوق.
وتنوعت المواضيع التي تناولها الشعراء في قصائدهم، بين أدب الغربة، وتشظياته، والتحاور مع الذات وما حولها، وتقلبات الحياة وخساراتها، والاحتفاء بالأمومة كقيمة سامية، إضافةً للحب وتجلياته وأحواله، والذي ظل يتصدر دوماً مواضيع الشعراء، ويسمو بقصائدهم.
افتتح القراءات الشاعر منيار العيسى الذي سافر في عوالم اللغة، مقتنصاً دهشة صورها وبلاغة معانيها، ومن تلك الغصون الوارفة غنى لها بمشاعر تفيض عذوبة وألقا، ومما قرأ:
هناك، خلف حنيني، تسبحُ اللغة
لا أستطيعُ فهذا الشوق ينفلتُ
مني ويجعلني طفلاً ومشكلتي
أن الحروفَ أمامي الآن تأتأةُ
أنسابُ من شفتي نهراً وبي عطشٌ
زيدي انسكابي هياماً بعدُ يا شفةُ
أحتاجُ عاشقةً من ماء ضحكتها
تُروى الحقولُ التي في القلب يابسةُ
كما اتخذ منيار أغنيات بلاده مهرباً من نشاز العالم، الذي يقاومه بالحب والغناء، يقول:
وعمّا قريبْ سأكسرُ هذا النشازَ
بإيقاع أغنيةٍ من بلادي
وعمّا قريبْ سأصعدُ فوق البناءِ
وأشربُ كأساً من الحبِّ
سوفَ أغني نشيداً طويلاً
ولن أتأثرَ بالعرَقِ المتدلي على جبهتي
فجَبينيَ (نعناعةٌ) والحياةُ تسيرُ ببطءٍ عليه كقطر الندى
ثم واصل مقلباً في دفاتره: مستذكراً ملامح الرحيل نحو الغربة التي تسرق يسمة الأمهات، واصفاً لحظة وصوله محملاً بحقائب الذكريات، ثم ختم بقصيدة وجدانية حث فيها محبوبته على تذكره من خلال رؤيته في كل ما حولها من أحداث وأشياء في محاولة للبقاء معها والإبقاء عليها.
تلته الشاعرة شيماء حسن، التي افتتحت قراءتها بقصيدة تحتفي بتجربة الأمومة الأولى، وتصف شعورها تجاه طفلها "مجد"، الذي ترى فيه عمرها الذي لم تعشه من قبله، تقول:
لا لست أشعر مثل أم أنجبت
طفلا فجاء حنينها تلقائي
هو كل عمر لم أعِشه وجاءني
متفردا في عشقه استثنائي
الشمس في عينيه كل كواكبي
ما دام في هذا الجبين سمائي
ما دام لي وطن بكل براءة
يغفو على صدري ففيه شفائي
فالحمد لله الذي بالمجد جمّلني
وأرجعني إلى شيمائي
ثم قرأت نصّاً مخاطبةً فيه من أيقظ الأشواق بقلبها، وجاء حضوره مؤكداً على رؤيتها لجمال الحياة، قائلةً:
أيقظتَ كل الشوقِ حين أتيتني
وأنا أمزقُ دفتر الأشواقِ
باغتّني.. بحديقة تواقةٍ
تُروى بماء العشق ُمن أحداقي
وملأت كأسكَ... واستعرت مقولتي
ما كانت الدنيا بلا عشاقِ
فالصبر معجزة نصادق عهدها
وجهان يلتقيان بعد فراقِ
الليل يلهو كالمشاكس حولنا
بمحبة المشتاق للمشتاقِ
ثم صورت في نص "قيود من ذهب"، الذي يشي عنوانه بما يواجه العشاق من قيود، وصراع نفسي يضعهم أمام خيارات ينتصر فيها الحب غالباً.
واختتم الأمسية الشاعر عبد الله أبوبكر الذي افتتح قراءته بعبارات منسوجة من الضوء، تباهى من خلالها بلغته الشعرية التي احتفى بها، فقلدته أجمل الأوسمة، يقول من قصيدة "الشاعر":
ألقى على ظهر الرؤى أحلامهُ
ومضى يعدّ بكفهِ أقلامَهُ
وينيرُ شمعتَه بنارٍ تقتفي
أثر الخيالِ ليستهلّ كلامهُ
بالشعرِ، يقطفُ من خيوط الشمسِ ما
يهبُ العبارةَ ضوءَها وهيامهُ
هو حارسُ اللغةِ التي أهدتهُ إكـ
ـــليل النهارِ وقلّدتهُ وسامهُ
في دفتر المغنى يخاتل صوتهُ
ويسوق في سقف الحنينِ غَمامَهُ
ثم قرأ قصيدة جسدت فكرة الشعر في أمه، شجرة البيت وارفة الظلال، التي قاسمته القصيدة، وأبصر نهار المعاني على آفاقها المشمسة، يقول:
تلك أمي التي.. علّمتني الكلامَ
وصارت تقاسِمُني فكرةَ الشّعرِ...
تحملُ فوق عيوني المعاني لأبصرَها
ثم تُخْبِرُني.. أن أقودَ النهارَ أمامي
وأحملَهُ في الورقْ
ثم لخص سيرته الذاتية في مقاطع تحاور فيها ذاته نفسها حول ما جنته من الحياة ممثلاً في: الكلمات/ النساء/ الصلاة /البلاد/ السؤال، وتطرح إجابات تعبر عن رضا الشاعر عن ذاته التي شكلت الكلمات عائلتها، والنساء مرآتها، والصلاة طريقها للسماء.
وختم بتعداد خساراته التي رآها " تتمدّدُ أمامه كخيطٍ طويلٍ من النملِ لا يتقطّع".
ولاقت قصائد الشعراء تفاعلاً كبيراً من المستمعين المستمتعين ببهاء القصيد.
وفي الختام كرَّم محمد عبد الله البريكي الشعراء ومقدم الأمسية.