يعتبر الأذان في المساجد التركية، من أهم المظاهر الدينية التي تجمع بين الفن والسياسة، إذ تنظم مسابقات لأفضل مؤذن في العديد من مساجد ومدن البلاد، التي بات فيها النداء إلى الصلاة يأخذ أحياناً بعداً سياسياً.
الشارقة 24 – أ ف ب:
في يوم صيفي، يتنافس خمسة مؤذّنين في داخل المسجد القديم الذي أُنجز بناؤه سنة 1414 بمدينة أدرنة التركية، للوصول إلى نهائيات مسابقة لأفضل مؤذن، في بلد بات فيه النداء إلى الصلاة يأخذ أحياناً بعداً سياسياً.
ويتقدم أحد المنافسين نحو المذياع، مرتدياً لباساً أسود ومعتمراً عمامة بيضاء ليطلق ببطء التكبير، وهو يضع يديه على أذنيه، فيما يثبّت مرفقيه ليؤدي الصلاة في المسجد التاريخي.
ويدوّن أعضاء لجنة التحكيم ملاحظاتهم وهم جالسين أمام المرشحين، ومن وسط المسجد، يعلن المفتي ألتين بوزكرت الذي يمثل أعلى سلطة دينية في المنطقة، بعد نحو ساعة اسم المؤذن الذي قدّم أفضل أداء.
ويوضح الفائز عبد الله عمر أردوغان (25 سنة)، بدأت في تأدية الأذان عندما كنت في العاشرة من عمري خلال دروس صيفية كان يقدمها المسجد، مشيراً إلى إيلائه اهتماماً بصحة أوتاره الصوتية، من خلال عدم التعرض للبرد وشرب المياه الفاترة وتجنب بعض وضعيات النوم.
وفي حال تمكّن من الفوز في المرحلة التالية من المسابقة المنوي تنظيمها في نهاية يوليو، سيشارك المؤذن الشاب الذي يضع جهاز تقويم أسنان ويتمتع بلحية مقلّمة، في المسابقة الوطنية المُنتظرة في 17 أغسطس، والتي تكرّس أجمل صوت مؤذن من بين مئات شاركوا في مسابقات في مختلف أنحاء البلاد كانت انطلقت منذ بداية يونيو الماضي.
وفي إبريل، حصد مؤذنان تركيان، أحدهما كان يصلي في مدينة أدرنة القديمة، المركزين الأول والثاني في مسابقة مماثلة بُثت عبر التلفزيون ونُظمّت في السعودية بمشاركة مؤذنين من 80 دولة.
ويظهر في مقطع فيديو نشره الفائز في اليوم الذي أعقب إعلان نتائج المسابقة، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهو يهنئ الفائز قائلاً له "ليحمِك الله".
ومنذ وصوله إلى السلطة عام 2003 كرئيس وزراء بدايةً، شُيّد نحو 15 ألف مسجد جديد في مختلف أنحاء تركيا، أحدها في ساحة تقسيم الشهيرة بأسطنبول التي تمثل رمزاً لتركيا العلمانية.
وأعطى أردوغان، الذي بنى كذلك أكبر مسجد في تركيا على تلة تشامليجا في أسطنبول، وحوّل كنيسة أيا صوفيا السابقة إلى مسجد عام 2020، بعداً سياسياً بارزاً للصلاة.
وفي ليلة 16 يوليو 2016، التي جرت فيها محاولة للانقلاب على السلطة، حضّ أئمة ومؤذنون من نحو 90 ألف مسجد في تركيا عبر مكبرات الصوت الخاصة بالمآذن، المسلمين المؤمنين على صد الانقلابيين، في خطوة تلت ظهوراً للرئيس التركي عبر تطبيق "فايس تايم".
ويوضح مفتي أدرنة، أدركنا في تلك الليلة القوة التي تتمتع بها الأذان، فبفضلها دعينا الشعب للنزول إلى الشوارع وأنقذنا البلاد من محاولة الانقلاب.
ويتهم أردوغان، الذي سيسعى لإعادة انتخابه رئيساً في يونيو 2023، خصومه برغبتهم في إسكات المساجد.
وفي تركيا التي تضم سكاناً غالبيتهم الساحقة من المسلمين فيما تعتمد نظاماً علمانياً، ساهم إضفاء الطابع السياسي للأذان في جعلها مزعجة للبعض.
ويشير إرول كويمن، وهو طالب ما بعد الدكتوراه في علم موسيقى الشعوب في جامعة شيكاغو، إلى شعور سائد لدى العلمانيين بأنّ مستوى صوت الأذان ارتفع منذ محاولة الانقلاب.
وداخل مسجد أدرنة القديم، يعرب المفتي ألتين بوزكرت عن استيائه من إرادة البعض إسكات المساجد، ويشدد على أنّ الأذان حق شرعي وينبغي أن يتمكّن المسلمون من الاستماع إليه.