أقام النادي الثقافي العربي في الشارقة، مساء أمس الأول محاضرة ثقافية بعنوان "السلم الخماسي بين الكلمة والنغم"، ألقاها الناقد الموسيقي الدكتور نزار غانم، وأدارها خبير المسرح محمد سيد أحمد.
الشارقة 24:
نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة، مساء أمس الأول محاضرة ثقافية بعنوان "السلم الخماسي بين الكلمة والنغم"، ألقاها الناقد الموسيقي الدكتور نزار غانم، وأدارها خبير المسرح محمد سيد أحمد، الذي عرف د. نزار غانم بأنه مثقف وشاعر وموسيقي يمني، وهو جسر من جسور التلاقي والأخوة بين اليمن والسودان رمز من رموز المحبة بينهما، من خلال كتاباته التي يحتفي فيها بالروابط الثقافية بين الشعبين، وأوجه التشابه والتأثر والتأثير بينهما.
وأضاف سيد أحمد أن الموسيقا إحدى أكثر المجالات التي تلاقى فيها اليمن والسودان، ولذلك فالحديث عن السلم الخماسي عنده لا بد أن يمر بهذه العلاقة، ويمر بالروافد الأفريقية للموسيقا العربية، باعتبار السلم الخماسي هو النمط الموسيقي السائد في السودان ومجاله الجغرافي الثقافي.
د. نزار غانم استهل محاضرته بالقول إنه في عصر التخصص العلمي الدقيق، الذي يقطع الصلة بين الأفراد والمجتمعات لا بد للبشرية من قدر التثاقف الذي يحفظ لها التواصل الطبيعي بينها، حتى تظل الإنسانية بخير، وهذا هو سر اهتمامي بالموسيقا وبالتواصل السوداني اليمني، ومن هذه الزاوية فإن السلم الخماسي في الموسيقا هو فاتحة لمعرفة الأفق الثقافي وطرق التواصل والتأثير بين عدة مجتمعات بشرية، لأنه يحتل جغرافياً النصف الجنوبي من الكرة الأرضية تقريباً.
وأضاف د. غانم أن السلم الموسيقي الذي ساد العالم الحديث هو السلم الموسيقي الغربي، الذي يتألف من سبع نغمات، لكن السلم الخماسي يختلف عنه في أن نغماته خمس فقط، ونظراً للسيطرة الاستعمارية على العالم فقد حاول الغرب القضاء على كل الأشكال الموسيقية غير السباعية، واعتبروا كل ما لا يتلاءم معها لا قيمة له، وفي المنطقة العربية سادت تلك النظرة الاستعمارية، ونشأ عنها تحول الموسيقيين نحو السلم الغربي، وكاد الإرث الموسيقي العربي يندثر، رغم أنه تراث موسيقي عريق متنوع غني يتكئ على مجموعة من المقامات التي تشهد بعبقرية الموسيقيين العرب، وكانت الحواضر العربية العربية القديمة مثل بغداد دمشق والقاهرة وتونس وغيرها، مجالاً لإنتاج موسيقي رائع، وأنتجت فيها كتب عن الموسيقا، وهو ما تؤكد أن الفكر الموسيقي العربي كان حاضراً في نهضة الحضارة العربية، وشكل وجهاً من أوجه التثاقف بين العرب وغيرهم من الأمم التي انضوت تحت سلطة الحضارة العربية الإسلامية.
وأشار د. غانم إلى أن أول إشارة إلى السلم الخماسي جاءت على لسان إسماعيل بن جامع مغني الرشيد، وهو أحد الثلاثة الذين جمعوا المائة صوت، التي دونها أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني، وهو رجل من قريش أمه يمنية، ويشير ذلك إلى قدم وجود هذا السلم في المجال العربي، واعتمادها في بعض مجالاتها الجغرافية عليه.
أما عن الاهتمام الحديث بالسلم الخماسي، فقال المحاضر إنه نشأ بعد الفترة الاستعمارية، مع باحثين ألمان من بينهم الألماني هانز هولفريتز، صاحب كتاب اليمن من الباب الخلفي، الذي كتب عن الموسيقى العربية وأن لها نظرية غير مكتملة فيها مقامات وسلم خماسي، ثم تطور ذلك إلى بحوث حول هذا السلم في مؤتمرات عالمية، ثم كان ثم جاء التأثير للموسيقا الأفريقية في الموسيقا الأميركية في السبعينات، دافعاً للتزايد الاهتمام بهذا السلم، باعتبار الموسيقا الإفريقية قائمة في أغلب تجلياتها على هذا السلم، وشيئاً فشيئاً اكتشف العالم أن السلم الخماسي هو نظرية موسيقية قائمة بذاته تختلف عن النظرية الموسيقية الغربية، وأن النظرية الأحادية الغربية التي بنيت عليها أسس الموسيقا الحديثة ليست صحيحة، ففي العالم نظريات موسيقية أخرى، وتنوع وإبداع ليس بالضرورة تابعاً للمجال الفني الغربي.
وعن المجال الجغرافي الثقافي للسلم الخماسي، قال المحاضر إنه ينتشر في السودان وشرق إفريقيا ووسطها والمغرب العربي واليمن، وله تجليات عديدة في مصر والخليج والمنطقة العربية بشكل عام، كما أن له وجود في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والصين وآسيا الشرقية، وفي إسبانيا وبعض الجيوب الأوروبية الأخرى، مما يؤكد سعة انتشاره، وعراقة وجوده في المجتمعات، وأنه انتشر في هذه المجالات بفعل الهجرات البشرية، والتبادل الثقافي بين الأمم منذ آماد طويلة.
وقال إن بعض النظريات ترجح أن السلم الخماسي نشأ في أفريقيا باعتبارها مهد الإنسان، وانتشر في الحزام السوداني الذي تمثله المنطقة الممتدة أفقياً من المحيط الأطلنطي غرباً إلى وادي النيل والبحر الأحمر حتى هضاب الحبشة شرقاً، بشكل خاص، ومن هناك انتقل مع الهجرات البشرية عن طريق بوابة اليمن إلى الجزيرة العربية التي انتشر منها إلى أنحاء عديدة من العالم.
وختم د. نزار غانم حديثه بأن الدراسات حول السلم الخماسي ومجاله الجغرافي والثقافي وتنقلاته وتجلياته وأشكال التلوين الثقافي التي يأخذها في مناطقه المختلفة، لا تزال في بداياتها، وفي فيما يخص الحزام السوداني والمنطقة العربية فإن هناك ضرورة ملحة لدراسات معمقة حول هذا السلم، يمكن أن تكشف عن قوة تأثير الثقافة والفنون العربية ومدى انتشارها وتأثيرها في العالم.