تسحب الشمس برفق آخر خيوط ضوئها البرتقالي المُنعكس على بحيرة خالد، تأفل المياه رويداً لكنها سرعان ما تتلألأ من جديد بشروق مهرجان أضواء الشارقة، مُقدماً إبداعاته في 10 أماكن بالإمارة، تعكس لنا أصداء من مستقبل لا حدود له، يقف معتمداً على جذور راسخة تقبض على تراثها كبوصلة تُرشده إلى بر الأمان.. من هنا تبدأ الرحلة.
الشارقة 24 - محمود سليم:
"التراث، والمستقبل، والإنسان"... أطراف معادلة تبنتها الشارقة على مدار 50 عاماً من حُكم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة؛ تظهر بوضوح في أعمال الدورة الـ 11 من مهرجان أضواء الشارقة، الذي تُنظمه هيئة الإنماء التجاري والسياحي بالإمارة.
محطات في المدينة
"الفن لغة الكون"... حديث تُتقنه أعمال مهرجان الأضواء في مختلف مدن ومناطق الإمارة، يصحبنا معه في رحلة النور، هنا حيث يقف الجميع في واجهة المجاز المائية ليشاهد العمل الفني "رواق المهرجان"، أشكال هندسية مُثلثة تَعرض صوراً للمناطق السياحية والثقافية في الإمارة، وكأنها الموناليزا أينما نظرت إليها بادلتك النظرات بصورة في مسيرة الخمسين، تزيدها الموسيقا جمالاً في رحلة سمعية بصرية عبر الزمن.
على بُعد أمتار من "رواق المهرجان" يقف مسجد النور في تناغم مع العروض الضوئية بمقومات وأصالة الفن الإسلامي، ما أن يبدأ العرض حتى ترى التناغم والانسجام بين علوم: الهندسة المعمارية، والفيزياء، والرياضيات، والفلسفة، في محاولة لاستكشاف مكانة الفن في المستقبل.
أيادي أفراد الجمهور مُعلقة بهواتفهم، وأعينهم لا تخطأ جمال العروض، يحاولون تسجيل هذه اللحظات، في نجاح لهيئة الإنماء التجاري والسياحي بالشارقة بجمع هذا العدد من الجنسيات في مكان واحد.
تأخذك الرحلة لمحطتها الثالثة، صوت ترتيل القرآن مع انعكاس الزخارف الإسلامية على مبنى مجمع القرآن الكريم، يدخلان أعماق نفسك، تشعر بروحانية المكان، ولا تتردد قدماك بالتحرك حول المبنى لمشاهدة تساؤلات الفنان حول مستقبل هذه الزخارف والخط العربي والأرابيسك، ثم تجد الإجابة حيثما أنت في المدينة الجامعية مصنع الإنسان.
صروح كبيرة تليق بمكانة إمارة الشارقة وتُصنف ضمن أفضل جامعات دولة الإمارات والوطن العربي.. هذه هي المدينة الجامعة، المكان المناسب لعرض "دوامة الضوء" في قاعة المدينة، حيث خُصص مدرج للزوار لمشاهدة قصص الشارقة بداية من البحر ورحلات الغوص، ثم دور المكتبة، وينتقل بنا إلى حاضر الإمارة وإنجازاتها في التعليم، والفنون، والفلك، ويتجسد خلاله دور الإنسان والعائلة في رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة للخمسين عاماً المقبلة.
وفي الجانب المقابل لقاعة المدينة الجامعية يقف 30 من أصحاب المشاريع الوطنية الصغيرة، يستقبلون الزوار ويقدمون لهم مختلف الأطعمة في كرنفال مُصاحب للمهرجان، يُعزز من نجاحه واستقطابه للجمهور.
محطة أخيرة في مدينة الشارقة تُركز على جمال الهندسة المعمارية لمسجد الشارقة، يتناغم فيها الشكل الخارجي للمسجد مع الزخارف الإسلامية، وتنقسم العروض على ثلاث مراحل تمثل الماضي والحاضر والمستقبل، وهم محور العمل في الإمارة، حيث تصور الأضواء القلب الذي ينبض وسط الرمال ويخرج مكوناً لوحة إبداعية هي ما عليه الشارقة الآن، ثم الضوء القادم من المستقبل ينسجم مع هذا الصرح.
الضوء نحو الشرق
"رحلة عبر التراث" يرويها الضوء على جدران مبنى بلدية منطقة الحمرية، يأخذنا في آلة الزمن إلى الساحل حيث البداية، ويستمر معناً لخمسة عقود من النمو الاقتصادي والصناعي، مؤكدة على أن التراث هو بوصله المستقبل في الشارقة.
ومن المنطقة الوسطى نحو الشرق إلى أحضان الجبال التي طوعها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في خدمة أهالي المنطقة، وافتتح سموه سد الرفيصة ليكون شاهداً لأول مرة على العرض الضوئي "الحلم بالمستحيل"، ينطق خلالها الحجر ليروي معجزة الشارقة من خلال صبي حالم يسعى للوصول إلى القمر متحدياً ما واجهه الآباء والأجداد ليتغلبوا على المستحيل، وتبقى منارة الشارقة تبث شعاع الثقافة والفنون إلى جميع أقطار الوطن العربي.
وفي دبا الحصن حيث يقع مسجد الشيخ راشد بن أحمد القاسمي، نجد الضوء يُبرز مثلث "الإسلام، والعمارة، والتراث"، ليؤكد على أصالة الفكرة، متمسكاً باللغة العربية وتراكيب الحروف التي تشعل ذهن الجمهور المستمتع بالقيم التي تسطرها إمارة الشارقة وتغرسها كهوية غير قابلة للاقتلاع.
ننهي رحلتنا التي استمرت على مدار يومين في رحاب الضوء، بمشاهدة العروض الضوئية التي تُزين واجهة المباني الحكومية في مدينة كلباء: والتي تشمل دائرة الموارد البشرية، والإسكان، وهيئة الطرق والمواصلات، والتخطيط والمساحة، والأشغال العامة؛ تُركز على موطن القوة الحقيقي لدى الشارقة وهو الإنسان، بعرض "الطاقة البشرية من خلال التراث والتاريخ"، يعكس شكل الحياة قديماً من خلال "المشربيات" - وهي أشكال النوافذ التي كانت منتشرة في الإمارات وبعض الدول العربية قديماً وتتميز بأشكالها المزركشة - ويمزج بين الفن الحديث والأصالة في مثال نجحت فيه الشارقة على مر العقود.
الإنسان معجزة الشارقة
أضواء أنارت لنا طريق المستقبل على مدار أيام، تنتهي الأحد، شكَّلت لوحة ضوئية زادت الإمارة جمالاً، وأكدت على رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة، في الاستثمار في الإنسان، موطن الحلم والقوة، وأساس التنمية، وأصل الحكاية ومنتهاها، انتهت رحلة مهرجان الأضواء ولكن قصة الإنسان لن يُكتب فيها الفصل الأخير أبداً.