يفضل المهاجرون غير الشرعيين في الجزائر، أو ما يطلق عليهم محلياً تسمية "الحراقة"، الموت غرقاً في مياه البحر المتوسط على البقاء في بلادهم، على أمل تحسين ظروفهم المعيشية، بعد الوصول إلى أوروبا وخاصة فرنسا، في رحلة محفوفة بالمخاطر.
الشارقة 24 – أ ف ب:
يشق خمسون قارباً وعلى متنه "الحراقة"، طريقهم وسط البحر المتوسط، الذي كان هادئاً وطيعاً في هذا اليوم من شهر أكتوبر الجاري، حيث يتزايد عدد هؤلاء الجزائريين الساعين للوصول إلى إسبانيا، معرضين حياتهم للخطر من أجل غد أفضل.
بوجه متعب وعينين مرهقتين، يوضح خالد ديه، أفضل الموت في البحر على البقاء في الجزائر، لدى وصوله شاطئ المرية في جنوب إسبانيا، بعد رحلة ليلية استمرت لست ساعات قطع فيها نحو 200 كم، قادماً من وهران في شمال غرب الجزائر.
وأضاف خالد، الذي يهوى الملاكمة ومن المعجبين بفرقة الراب "بي إن إل" الفرنسية، وهو يوضب تسريحة شعره، لا يوجد شيء في البلد، لا عمل.
واختار خالد، يوم عيد ميلاده الحادي والعشرين لمغادرة الجزائر مثل الآلاف من "الحراقة"، وهي التسمية الجزائرية للمهاجرين غير القانونيين، الذين غالباً ما يحرقون وثائقهم لتجنب الكشف عن هويتهم وإعادتهم إلى الجزائر، في رحلة محفوفة بالمخاطر.
ولقي 309 مهاجرين على الأقل، بينهم 13 طفلاً، حتفهم في غرب البحر المتوسط منذ بداية العام، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
ويروي خالد، كيف كان القارب يتأرجح وهو يهز جسده مقلداً، وأضاف لا يمكنك فعل أي شيء أو الشرب أو الأكل، وكنت أفكر في أهلي وأصدقائي في هذا الطقس البارد.
أمام المحطة، حيث كان يجلس مقاوماً النعاس بعد ثلاث ليالٍ من الأرق منذ مغادرته مسقط رأسه، عنابة إلى وهران التي تبعد 900 كم غرباً، في رحلة كلفته 4500 يورو، أي ما يعادل أجره لعدة أشهر.
ينتظر خالد حافلة لتقله إلى برشلونة، ومن هناك سيحاول الذهاب إلى فرنسا، على غرار غالبية الحراقة، وأوضح أنا لا أتحدث الإسبانية لدي عائلة وأصدقاء في فرنسا، لذلك لا يمكنني البقاء هنا بمفردي.
وارتفع عدد الجزائريين الوافدين على سواحل جنوب شرق إسبانيا، أو جزر البليار في الأشهر الأخيرة، إذ دخل 9664 جزائرياً بشكل غير قانوني إسبانيا منذ بداية العام، أي بزيادة 20% عن العام الماضي، بحسب وثيقة داخلية صادرة عن السلطات الإسبانية.
وبحسب الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس"، فإنهم يتصدرون قائمة المهاجرين الذين يدخلون إسبانيا بشكل غير قانوني، وفي المرتبة الثالثة إلى أوروبا.
على الجانب الجزائري، تم اعتراض 4704 من الحراقة في عام 2021، أكثر من نصفهم في سبتمبر، بحسب وزارة الدفاع الجزائرية.
وبرزت ظاهرة جديدة، تتمثل في تزايد عدد النساء والأطفال الذين يخاطرون بحياتهم للعبور.
أوضح سعيد صالحي نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن ظاهرة جديدة برزت، وأن الحراقة العائلية، تشمل النساء والأطفال والحوامل وذوي الإعاقة والتي تكشف لنا عن مدى اليأس في الجزائر.
وأكدت منظمة "سيف ذي شيلدرن" (أنقذوا الأطفال)، أنها اعتنت بأكثر من مئة طفل وصلوا في سبتمبر الماضي سواحل الأندلس، وهي المنطقة التي تقع فيها المرية.
وعلى الجانب الآخر من البحر المتوسط، يعاني أسر الحراقة من القلق الشديد، بحسب فرانشيسكو خوسيه كليمنتي مارتن، وهو من سكان المرية والبالغ من العمر 24 عاماً، وعضو في أحد المنظمات الإنسانية، ويتواصل يومياً مع عائلات المهاجرين، ويرسل لهم أحياناً صور الجثث للتعرف عليهم.
وأشار إلى أن المكالمات كانت تتسم بصرخات ودموع، لينتهي الأمر بالعديد من الأمهات بدخول المستشفى بسبب التوتر.
ووصل أحمد بن صفية، المتحدر من تيبازا، وهو من الحراقة يبلغ من العمر 28 عاماً إلى المرية قبل عام، دون أن يخبر عائلته برحيله حتى لا يقلقهم، واوضح أنه ليس لديه خيار آخر، لأن الراتب منخفض للغاية في الجزائر، ويوم عمل لا يضمن لك تناول وجبة في المساء، لكنه، بعد فوات الأوان، ينصح مواطنيه بعدم المخاطرة بحياتهم كما فعل.
وإذا تمكنوا من تفادي الوقوع بأيدي الشرطة الإسبانية، فلا يزال يتعين على المهاجرين الجزائريين سلوك طريق طويل محفوف بالمخاطر إلى فرنسا.
وفي مطلع أكتوبر الجاري، دهس قطار بالقرب من سان جان دي لوز، ثلاثة منهم بينما كانوا ممددين على القضبان لأخذ قسط من الراحة.
لكن بعد يومين من مغادرته المرية، لم يكن لدى خالد ديه كلمة يتفوه بها عند عبور الحدود الفرنسية سوى "أنا مرتاح".