استرجع مقاتلون قدامى في حرب التحرير بالجزائر، ذكرياتهم بتأثر بالغ، مشاركتهم في الأول من يوليو 1962، بالاستفتاء على تقرير المصير في بلادهم الذي انتهى بموافقة 99.72 % من الجزائريين على الاستقلال.
الشارقة 24 – أ ف ب:
يتذكر إبراهيم ولد محمد (85 عاماً)، المقاتل السابق في حرب التحرير في الجزائر، بتأثر مشاركته في الأول من يوليو 1962، في الاستفتاء على تقرير المصير في بلاده الذي انتهى بموافقة 99.72 % من الجزائريين على الاستقلال.
وكان ولد محمد انضم إلى النضال من أجل استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي في قرية قلعة بني عبّاس في بجاية، إحدى مدن منطقة القبائل بشمال شرق الجزائر، والتي تعرضت للقصف في 1956 ثم في 1959 ما اضطره لمغادرتها مع عائلته نحو العاصمة.
وواصل ولد محمد القتال في حي الحراش بالضاحية الغربية للعاصمة، كمسبّل (جندي بالزي المدني) كان يجمع المال والسلاح للمقاتلين في الجبال، وذلك حنى إعلان وقف إطلاق النار ابتداءً من 19 مارس 1962 بعد التوقيع على اتفاقيات إيفيان التي مهدت لإعلان الاستقلال.
ونظمّت الحكومة الفرنسية، استفتاءً على تقرير مصير الجزائر، صوّت خلاله الفرنسيون على الاستقلال بنسبة 90 %، ثم جاء دور الجزائريين الذين أقروا الاستقلال بنسبة 99.72 %، ما أنهى 132 عاما من الاستعمار.
وأدلى إبراهيم ولد محمد بصوته في حي الحرّاش، حيث كان مكلفاً بمراقبة سير الانتخابات التي أشرفت عليها الهيئة التنفيذية المؤقتة المنبثقة عن اتفاقيات إيفيان.
ويقول لم يكن هناك أي احتمال بأن يصوّت الجزائريون بـلا، كنا مرتاحين تماماً، لم نكن حتى نحتاج لدعاية من أجل الاستفتاء على الاستقلال، فالجميع كان مجنداً للتصويت.
ويتابع كان التحدي كبيراً، لأن بعد سبع سنوات من الحرب (1954-1962)، كان وضعنا في كفة ويوم واحد من الاستفتاء في كفة أخرى، لماذا قبلنا هذه المقايضة؟ لأننا كنا متأكدين أن الشعب الذي عانى ويلات الاستعمار لا يمكن أن يختار البقاء تحت سلطته حتى ولو أكل الحشيش.
ويضيف أن الاستقلال بدأ باندلاع حرب التحرير في 1954، لأنه بمجرد إعلان الحرب على فرنسا، أعلننا رفض وجودها والاستقلال عنها، لذلك فالاستفتاء قدّم خدمة لفرنسا حتى تخرج من الجزائر بشرف لأنها تعلم أن الشعب عندما يثور لا يمكن أن يوقفه أحد.
وبإعلان نتيجة الاستفتاء في الثالث من يوليو 1962، أصبحت الجزائر دولة مستقلة، لكن تمّ اختيار تاريخ 5 يوليو الرمزي لإحياء ذكرى الاستقلال، لأنه يتوافق مع تسليم الداي حسين العثماني مدينة الجزائر في التاريخ نفسه من سنة 1830.
وبرأي ولد محمد، اختار الرئيس أحمد بن بلة أول رئيس للجزائر هذا التاريخ، فأضاف لنا يومين من الاستعمار.
من جهته، يوضح حسين الطاهر (84 سنة)، أن الاستقلال بدأ منذ رفع العلم الجزائري فوق مقر الهيئة التنفيذية المؤقتة برئاسة عبد الرحمان فارس في الصخرة السوداء (بومرداس حالياً التي تقع على بعد 45 كلم شرق العاصمة الجزائرية) بعد إعلان نتائج الاستفتاء.
ويتذكر هذا الجندي السابق في جيش التحرير في منطقة باليسترو (الأخضرية حالياً وتقع على بعد 70 كلم جنوب العاصمة) مشاركته في الخامس من يوليو 1962 في أول استعراض عسكري، بمشاركة 1200 جندي انطلاقاً من الملعب البلدي (20 أوت حاليا) حتى ساحة الحكومة (ساحة الشهداء حالياً).
في اليوم نفسه، تم تدمير النصب الذي وضعته فرنسا بمناسبة مرور 100 سنة على استعمار الجزائر في 1930، ورُفع العلم الوطني هناك على شاطئ سيدي فرج غرب العاصمة، من حيث بدا الغزو الفرنسي.
وبمناسبة الذكرى الستين للاستقلال، تم بناء نصب تذكاري في المكان نفسه.
ويروي عبد الله سيد أحمد (82 سنة)، الجندي السابق في جيش الحدود (في تونس) بقيادة العقيد هواري بومدين (وزير الدفاع ثم رئيس الجزائر بين 1965 و1978): نحن في الجبال لم نشارك في الاستفتاء، لكن سكان الجزائر كلهم صوتوا لصالح الاستقلال إذ لم يروا أي خير من الاستعمار رغم الدعاية الفرنسية حولنا بأننا قتلة وخارجون عن القانون.
ويعبّر عن سعادته للعيش في جزائر مستقلة "مهما كان وضعها"، لأن الخيار كان بين هذا أو البقاء في البؤس والفقر الذي أذاقنا إياه الاستعمار.
ويوضح إبراهيم ولد محمد، أنه طيلة حياته، لم ينتخب سوى مرتين، المرة الأولى صوّتت بنعم من أجل الحرية والاستقلال، والمرة الثانية بلا ضد انتخاب الرئيس أحمد بلة، ليس لشخصه، ولكن لأنني كنت أريد انتخابات تعددية، وكنت أحلم بجزائر أفضل على مستوى تضحيات الشعب.