الشارقة 24 – وام:
أوضح سعادة الدكتور عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، أن إطلاق معهد الشارقة للتراث "إدارة التراث سابقاً"، وهو معهد ثقافي أكاديمي، جاء بهدف توثيق التراث الإماراتي في مجال البحوث والدراسات، وتأهيل الكوادر للعمل في حقل التراث الثقافي، من خلال إلحاقهم بتخصصات معينة، وصولاً إلى حصولهم على دبلومات مهنية معتمدة رسمياً.
مؤكداً أن ما قدمته حكومة الشارقة في حفظ التراث الثقافي خلال الخمسين عاماً الماضية؛ كان له دور مؤسسي وأكاديمي وعلمي كبير، ساهم في الارتقاء بالذائقة العلمية وبالأدوات البحثية، من خلال إطلاق العديد من المبادرات للحفاظ على الإرث غير المادي للتراث الإماراتي؛ تمثل في جمع الأدب الشعبي والعادات والتقاليد والمعارف التقليدية في أرشيفات خاصة؛ وطرح إصدارات وموسوعات وقواميس شكلت ذخيرة تراثية كبيرة للباحثين والمهتمين والمتذوقين.
كما اهتم المعهد من خلال مبادراته بالكنوز البشرية الحية فمنذ سنوات طويلة جداً أولت الحكومة الرشيدة اهتماماً كبيراً بالعنصر البشري الحامل للتراث الثقافي، وتمثل ذلك في إطلاق ما يسمى "برنامج الرواة"، وصولاً إلى تنظيم "ملتقى الشارقة للراوي" الذي يعني بشريحة الرواة ومكافأتهم بشكل دائم، والاعتناء بهم وتسجيل ذخيرة ذاكرتهم، وتقديمهم لوسائل الإعلام والحياة العامة كعناصر هامة ومؤثرة حاملة للتراث الثقافي الإماراتي.
وأشار إلى أنه من أبز مبادرات حكومة الشارقة لحفظ التراث هو إطلاق فعالية "أيام الشارقة التراثية"، وهي فعالية تنظم سنوياً لمدة 3 أسابيع كل عام، وتكاد تكون مدرسة يتعايش خلالها الأجيال الصغار والناشئة والشباب والكبار، فهم يتلاقون في سياق طبيعي وليس سياق مصطنع فهناك البيئات الإماراتية المختلفة البرية والبحرية، والحرف الإماراتية والعديد من الورش والمشاغل هي أشبه ما تكون بالحقيقية إلى درجة كبيرة.
وقال إن هذه الأيام التي انطلقت منذ 18 عاماً؛ ساهمت في ترميم الذاكرة الشعبية الإماراتية فما كان قد نسي عاد مرة أخرى إلى الواجهة في "أيام الشارقة التراثية"، مشيراً إلى أن الأيام التراثية لم تقف إلى هذا الحد بل جلبت تراث الشعوب الأخرى سواء تراث عربي أو عالمي؛ قدموا مختلف صور تراثهم وتعرفوا على تراثنا ونقلوه إلى بلدانهم، مؤكداً أن الأيام التراثية كانت ولا تزال مدرسة تفاعلية حية صادقة في تقديم وتلقين وحفظ التراث الثقافي.
وأوضح رئيس معهد الشارقة للتراث أنه وبتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تم ترميم المناطق التراثية في الإمارة، التي بدأت من مدينة الشارقة "حي الغرب"، حيث تم ترميم معظم ما نراه في الشارقة القديمة في منطقة "الشويهين - حي الفنون حالياً وفريج السوق وفريج الشيوخ وفريج المريجة ومنطقة التراث" كما تم ترميم الأسواق وإعادة الحياة بها.
لافتاً إلى أن الدور الذي قدمته إدارة التراث "معهد الشارقة للتراث" كان كبيراً واحتذت به كثير من المناطق سواء داخل الدولة أو خارجها، حيث استقبل العديد من الوفود الزائرة من دول الخليج العربية للاطلاع على تجربة الإمارات، وصولاً إلى تنفيذهم العديد من المشاريع المماثلة في دولهم.
ونوه إلى أن الترميم امتد إلى مدن كلباء وخورفكان والذيد وفلي ودبا الحصن، فحتى خارج الإمارة كان للمعهد دوراً في إمارات أخرى في مجال الترميم والصيانة وإعادة إحياء المناطق التراثية القديمة، فالخبرة التي اكتسبها المعهد كان لها عدة أوجه، سواء من خلال استقدام خبراء فاعلين في هذا المجال أو الاطلاع على تجارب متقدمة، كاستضافة مركز "ايكروم- الشارقة".
مشيراً إلى أن الايكروم هي منظمة حكومية دولية تعمل في خدمة الدول الأعضاء على تعزيز عملية صون وإعادة التأهيل لكافة أنواع التراث الثقافي في كل منطقة من العالم، إلى جانب الاطلاع على تجارب ناجحة كثيرة حتى على صعيد العمالة المدربة، فعملية الترميم واستخدام مواد البناء في الدولة مشابهة لما يحدث في شرق أفريقيا.
وقال: " ذهبنا إلى مومباسا و زنجبار واطلعنا على تجاربهم في ترميم البيوت القديمة، ورأينا أنها متطابقة، لذا استقدمنا عمالة و فنيين للعمل في الشارقة حتى أعمال النجارة جلبنا عمالة متدربة من الهند لتنفيذها، ففي فترة التسعينيات من القرن الماضي كان كثير من المشرفين على العمل هم من المواطنين الإماراتيين حتى في أعمال البناء والنجارة، لذلك أرى أن تجربة الشارقة هي تجربة أصيلة و خالصة لها كثير من الأبعاد التي تجعل منها أحد أهم التجارب المحلية والعربية في مجال الترميم.
وأشار إلى أن صاحب السمو حاكم الشارقة له الدور الكبير والأوحد في هذا المجال، فلولا دعم سموه وتخطيطه لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه في الوقت الحاضر، قائلاً: "ما زلنا نحتفظ بالقصاصات التي خطت ورسمت بيد سموه؛ ترشدنا إلى الشخصيات المناسبة لتنفيذ أعمال الترميم، فقد كان سموه المرشد الأول لنا، فهو مدرسة نتعلم ونعمل من خلالها، ونحظى منه بدعم معنوي ومادي إلى جانب سن القوانين والتشريعات التي أسهمت في الحفاظ على التراث الثقافي.
وقال سعادة الدكتور عبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث: قبل سنة وبتوجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة؛ انتقلنا إلى مدينة خورفكان للعمل على ترميم المناطق القديمة، وبعد إنجاز الأعمال أصبحت هذه المواقع مزارات سياحية يقصدها الداني والبعيد، للاستمتاع بأجواء تحمل الكثير من الأصالة، والآن انتقلنا إلى مدن كلباء والذيد ودبا الحصن.
مؤكداً متابعة صاحب السمو حاكم الشارقة المستمرة؛ التي تكاد تكون بصفة أسبوعية للأعمال وسرعة الإنجاز، فهو لا يريد الناس أن تنتظر طويلاً يريد أن يحصل الناس على نتائج سريعة وبنفس الوقت ذات جودة عالية.
وأوضح أنه وبتوجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة؛ يتم الإعداد حالياً لإنشاء متحف رئيسي كبير على مستوى الدولة يقع في كلباء تحت مسمى "متحف كلباء التراثي"، هذا المتحف كبناء يشكل معلماً كبيراً ويحتوي على مجمل ما يسمى بالتراث الثقافي "الخط الاثنوغرافي" للثقافة الإماراتية، فهو يتناول كل ما يحيط بالإنسان في تلك المنطقة خلال القرون 20 و 19 و 18 وأجزاء من القرن الـ 17، من الحياة العامة والمهن والحرف والتراث والأدب الشعبي، مشيراً إلى أن المتحف سيكون من المعالم البارزة للإمارة تجذب الزوار من مختلف المناطق للاطلاع والاستمتاع بمحتوياته.
وأكد المسلم أن معهد الشارقة للتراث وفي سبيل حفاظه على الإرث التراثي الإماراتي؛ يعمل على إحياء العديد من الفعاليات الشعبية التراثية كمناسبة "ليلة النصف من شعبان" التي طواها الزمن، فتمت إعادتها منذ فترة التسعينيات وإحيائها من جديد تحت مسمى " احتفال النص من شعبان"، قائلاً: "ما زلنا نحيي هذه المناسبة ونحافظ عليها، وأرى الكثير من الجهات التي حذت حذونا، إلى جانب الاحتفال بقدوم فصل الصيف "القيظ" حيث يتم تنظيم فعالية "بشارة القيظ".
وأوضح أن المعهد ينظم طوال العام فعاليات أخرى كملتقى الحرف التقليدية وملتقى الألعاب الشعبية، إلى جانب عقد الكثير من الندوات والمحاضرات، وإحياء ذكرى رحيل عدد من الشعراء الإماراتيين على سبيل المثال ذكرى غياب الشاعر علي بن إرحمه الشامسي، وغيرهم من الشعراء الذين نعتبرهم رموزاً أضافوا للمفردات الإماراتية الكثير، سواء من إمارة الشارقة أو إمارة أخرى.
وقال: يطبع المعهد سنوياً 50 كتاباً ومجلتين الأولى علمية محكمة والأخرى ثقافية منوعة، وهذا الزخم يرفد الجانب الأكاديمي و العلمي للمعهد، إضافة إلى اعتمادنا كجهة رسمية من الجهات المعنية بالدولة كجهة تقدم دبلومات مهنية وعددها 5 دبلومات، كما لدينا ارتباطات مع العديد من الجامعات خارج الدولة في المغرب و إيطاليا وأرمينيا والصين ورومانيا، ولدينا برامج مشتركة مع تلك الدول تسهل للطلبة الالتحاق بهذه الجامعات والحصول على درجات الماجستير والدكتوراه، كما لدينا برنامجاً مفتوحاً مع المعهد الوطني للآثار و التراث في المغرب، من خلاله يسهل للطالب الحصول على درجة الماجستير في التعددية الثقافية .
وأضاف: يسعى المعهد خلال الخمسين عاماً القادمة إلى أن يصبح جهة أكاديمية تمنح شهادة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه بالتعاون مع الشركاء، فضلاً عن أن يكون مصدراً رئيسياً لنشر وطباعة التراث العربي وهي خطوة بدأنا بها منذ 7 أعوام، بأن نكون بنكاً لمعلومات التراث العربي من خلال إصدار "مكنز التراث العربي"، حيث أصدرنا حتى الآن 6 أجزاء كبيرة من المكنز وهي متوفرة في الجامعات العربية.
لافتاً إلى أن هذا المكنز سيتحول مستقبلاً إلى موقع إلكتروني متطور، يضم مختلف المفردات والمصطلحات التراثية العربية فهو أشبه ما يكون بـ "ويكيبيديا" مخصصة للتراث العربي" يرافقه أيضاً موقع للتراث الاثنوغرافي العربي، وسيكون متاحاً للجميع ومقصداً للطلبة والمدرسين والباحثين.
ونوه إلى أهمية التعاون مع الجهات المهتمة بالتراث في الدولة، وهو تعاون موجود فعلياً وكبير سواء كان مع دائرة السياحة والثقافة في أبوظبي، أو نادي تراث الإمارات، أو مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث في دبي، وغيرها من الجهات المتخصصة بالتراث، من حيث تبادل الخبرات و علاقات العمل، قائلاً: "اعتقد هذا ما يجب أن يكون بين الجهات ذات الاختصاص المشترك، فالعمل بشكل فردي يورث الازدواجية والتكرار، ولإكمال المسيرة على أكمل وجه لابد من النظرة التكاملية فنجاح التجربة الإماراتية الاتحادية أساسها التكامل و التنوع الشمولي".
وحول تواجد الكادر المواطن في معهد الشارقة للتراث؛ قال المسلم: بتوجهات صاحب السمو حاكم الشارقة؛ فإن دائرة الموارد البشرية بالشارقة تهتم برفد المعهد بكوادر إماراتية سواء ذات خبرة أو كوادر شابة، لكن الملفت للنظر أن العمل في مجال التراث يجذب العديد وهذا يعود للحنين الداخلي وحبهم للتراث.
موضحاً أن التراث قد يبدو عملاً سهلاً من النظرة الأولى؛ لكنه بالعكس هو عمل صعب ويحتاج لجهد وإتقان شديد؛ فالتعامل مع كبار السن ليس بالأمر السهل والحصول على معلومات خاصة بتجربتهم الثرية لن تكون سهلة المنال؛ فالأمر بحاجة لطريقة تعامل مختلفة تستند على الثقة، وقال: "من تجربتي الشخصية التي تتجاوز الـ 30 عاماً؛ فإن عبور جسر الثقة والتسلح بالمعرفة يحتاج الكثير من الجهد والمشقة".
ونوه المسلم إلى أن الإماراتيين يهوون التراث بدرجة كبيرة، فمنهم من أسس مواقع وحسابات إلكترونية تراثية على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنهم من أسس متاحف شخصية، وهي جهود طيبة ولكن لا تحمل فيها عمق باستثناء حساب أو حسابين، وهذا ينسحب أيضاً على المتاحف التي تصل إلى المئات ومعظمها يغلب عليها الكم وليس الكيف.
مشيراً إلى أن الكثير ممن حصلوا على شهادة الدبلوم من معهد الشارقة للتراث ولديهم متاحف شخصية؛ قرروا الاستغناء عن الكثير من مقتنيات متاحفهم، لأن ليس كل من وضع قطع قديمة أصبح لديه متحف، فالمتحف هو الذي يضم الناتج المحلي التي لديها علاقة بالثقافة المحلية وليس جمع التحف والانتيكات.
وأكد أن معهد الشارقة للتراث لديه حسابات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، فلابد من مجاراة الواقع وهو مهم، فشريحة كبيرة من الجمهور لا تقرأ الصحف بل تتابع الأخبار من هذه المواقع، والمعهد بدوره يحاول أن يتواجد من خلالها لعرض اخباره وأنشطته وفعالياته، وتقديم المسابقات لجذب أكبر عدد من المهتمين بالتراث الثقافي.
وفي ختام حديثه وجه الدكتور عبد العزيز المسلم الشكر والتقدير لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على دعمه فهو سبب وجود هذا الاهتمام الكبير بالتراث، وقال: "كما أوجه رسالة لمحبي التراث الثقافي والباحثين والعاملين؛ أن العمل في مجال الحفاظ على التراث يحتاج لنفس طويل لأن مردوده المعنوي أكثر من المادي، والفائز هو ذلك الجيل الذي سيأتي لاحقاً ويقول شكراً لمن سبقني لأنه احتفظ لي بهذه المعلومة وقدم لي هذه الصورة الجميلة والناصعة لتراثي الثقافي العريق".