جار التحميل...
الشارقة 24:
برعاية كريمة من قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، واصل المكتب الثقافي في مجلس الشارقة للأسرة والمجتمع، جلسات ملتقى الشارقة الثقافي بنسخته الثانية، الذي يعقد تحت عنوان "العصر العباسي.. حكاية وصل بين قرطاس وقلم".
وعزفت شيرين تهامي، مقطوعات موسيقية شرقية صاحبت قراءات شعرية للشاعر عبد الله الهدية، بينما انطلقت الجلسة الأولى من "مجالس الملتقى" تحت عنوان: "أبرز الملامح الثقافية في العصر العباسي، رموز ثقافية مؤثرة ..هارون الرشيد بين الواقع ورأي المستشرقين"، وأدارت الجلسة الإعلامية عائشة الرويمة، وقدمها عوض الدرمكي، والذي سلط الضوء على ضرورة العودة لتاريخنا المشرق والاستفادة ليس فقط من الكتب الحديثة، بل من الضروري قراءة التاريخ باستمرار لنتمكن من قراءة واقعنا والنهوض بثقافتنا وقيمنا الأصيلة، ولعل تجربة العصر العباسي من الجانب الثقافي من أكثر التجارب ثراء، حث شهد هذا العصر انطلاقاً لأنواع أدبية وثقافية وفنية جديدة ما زالت حاضرة معنا لليوم، ولنذكر على سبيل المثال تجربة "زرياب" الذي أضاف للعود وتراً خامساً ليغير في العزف تغييراً جذرياً، ووضع أصول الإتيكيت في تناول الطعام وارتداء الملابس حسب الوقت والمناسبة وغيرها.
وأوضح الدرمكي، أنه لا يمكننا الحديث عن العصر العباسي دون التوقف عند الخليفة العباسي هارون الرشيد، والذي صنع الثورة العلمية بعد أن أصدر قراراً بصناعة الورق، والذي كان يصنع حصراً في الصين وكانت نوعيته رديئة، والجيد كان باهظ الثمن، وبعدها انفجرت ظاهرة الكتابة، وانتشرت الحوانيت المختصة بالتدوين، وانتشر الأدباء والعلماء في مختلف المجالات، وظهرت أنواع جديدة من الأدب.
كما انطلقت جلسة بعنوان "أبرز الملامح الثقافية في العصر العباسي"، والتي أدارتها الأديبة عائشة العاجل، وشارك فيها د. محمد المزطوري، ود. حصة الكتبي، والأستاذ عيسى يوسف، ود. عاطف منصور.
وتحدث المزطوري عن بيت الحكمة والصالونات الثقافية، حيث قال: تأسس بيت الحكمة في العصر العباسي، وكان في البداية مهتماً بالترجمة، لحرص الناس في تلك الفترة على التعرف على ثقافات الشعوب الأخرى، كما أن بيت الحكمة، لم يكن مجرد مكتبة تضم الكتب والمخطوطات والمدونين والأدباء والشعراء، وتعتبر أكاديمية علمية وأدبية، بل كانت تعتبر مصدراً للثقافة والتدوين وتخليداً للمعارف ونقلاً للحضارات والصالونات الثقافية وتبادل الثقافات والأفكار، وعندما نقارنه ببيت الحكمة اليوم في الشارقة، نلمس حكمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي حرص على تأسيس بيت الحكمة ليكون بالفعل منارة للثقافة والترجمة والتأليف، وليؤدي رسالته الحضارية والثقافية.
بدورها، سلطت الدكتورة حصة الكتبي، الضوء على أثر الأدب العباسي على الأدب المعاصر، وقدمت عرضاً مميزاً تحت عنوان "في ظلال العباسيين" للعديد من الأدباء والشعراء الذين تأثروا بالأدباء والشعراء والمفكرين من العصر العباسي، وتحدثوا عن هذا من خلال كتاباتهم التي استعرضتها الكتبي، ومنهم الشاعر نزار قباني، والأديب طه حسين، وأوضحت أنه حين نتحدث عن الأدب العباسي، فنحن لا نتحدث عن فترة انقضت بل عن حالة ثقافية خالدة، هذه الفترة الخالدة شكلت وجدان الأمة، بل وجهت مسارات الإبداع العربي عبر قرون عديدة، وحين نطلع على ما كتب في العصر العباسي قبل أكثر من ألف عام من شعر ونثر، فإننا نكتشف أننا أمام أعمال أدبية لا زالت تقرأ لليوم بل وتحكى ويعاد إنتاجها في صور جديدة.
وسلط كل من عيسى يوسف ود. عاطف منصور، الضوء على هذا العصر من خلال قراءة في كتاب العصر العباسي المبكر في إمارة الشارقة، وهذا الكتاب هو جهد بحثي عظيم ودقيق ومتشعب، فهو لا يكتفي بالسرد التاريخي وحده بل يقوم على بنية بحثية متكاملة ومعززة بشواهد العمل الميداني وبالصورة التوثيقية الثمينة في مضمونها، وبلمساتها الزخرفية والفنية والمرجعية الإسلامية والتي كانت سائدة في العصر العباسي، وسلطا الضوء كذلك، على اللقى الحجرية والخزفية والأوزان التجارية والمسكوكات النقدية التي عثر عليها في مناطق مختلفة من إمارة الشارقة.
وشهد اليوم الثاني من الملتقى، جلستين ثقافيتين، في مجلس الحيرة الأدبي، الأولى كانت بعنوان "ازدهار العلوم الإنسانية في العصر العباسي"، وأدارها د. محمد بن جرش، وشارك فيها الشاعر د. شهاب غانم، والكاتب والروائي غيث الحوسني.
وتحدث د. شهاب غانم، عن ترجمة الشعر في عصر الازدهار العلمي، حيث قال: تعتبر ترجمة الشعر مهمة جداً لأن الشعر ينقل لنا روح الأمة، فإذا أردت التعرف على أمة عليك أن تقرأ شعرها، ولهذا حرصت على ترجمة مختلف النصوص الشعرية، ويفضل عادة ترجمة الشعر إلى شعر، وليس إلى نثر، ولهذا يفضل أن يقوم الشعراء بمهمة ترجمة الشعر.
وأكد شهاب، أن ترجمة الشعر خلال العصر العباسي كانت تعتمد على الجهود الفردية، ولم تكن عملاً جماعياً منظماً، وربما لهذا لم تتم ترجمة الشعر بشكل كبير، بل كانت ترجمة لبعض الأبيات الشعرية التي ترجمت لنثر، ووصلت إلينا لتكون بمثابة الحكم والمواعظ، لأنها لم تترجم إلى قصائد شعرية، مثل حكمة "الصديق وقت الضيق" على سبيل المثال.
بدوره، تحدث غيث الحوسني، عن الفلسفة في العصر العباسي وتأثرها بالثقافة اليونانية، حيث أوضح قائلاً: لم يتأثر العرب بالثقافة اليونانية فحسب، بل أعادوا تشكيلها، حيث ترجمت الأعمال الأدبية والفلسفية بروح عربية وإسلامية وكانت الثقافة العربية في العصر العباسي بمثابة شعاع النور الذي أضاء ظلام الجهل في العالم، وأضاف جاء ديننا الإسلامي بظاهرة لم تأت بها الأمم من قبل، وهي ضرورة طلب العلم، وكان الاهتمام بطلاب العلم ملفتاً للنظر في العصر العباسي ومنه انبثق شعاع ازدهار الأدب والفكر والفنون بمختلف أنواعها وانتشرت ظاهرة التدوين، وتابع يتفرد صاحب السمو حاكم الشارقة، بالفكر الخلاق الذي جعله ينقل تجربة بيت الحكمة من العصر العباسي إلى وقتنا الحالي، مدركاً أهمية الكتاب كمصدر للفكر وللثقافة.
ومن ثم قدم العازف عبد الرحمن البلوشي، مقطوعات موسيقية مستوحاة من العصر العباسي، لتأتي بعدها الجلسة الثانية بعنوان "الفنون في العصر العباسي"، وأدار الحوار الأديبة فاطمة الهديدي، وشارك فيها كل من الشاعرة حمدة العوضي، والخطاط عدنان الشريفي.
وتحدثت العوضي، عن فن المقامة الذي ازدهر في العصر العباسي، وأوضحت يعتبر فن المقامة من أهم الفنون الأدبية التي انتشرت خلال العصر العباسي، وكان يعتمد على الفكاهة والسخرية والهجاء، ويستخدم لنقد خلق أو سلوك سلبي ويعتمد على الحيلة، ولكنه لم يكن قائماً على التفاهة أو اللغة الضعيفة، بل بالعكس عرف ببلاغة الأسلوب واللغة الأنيقة والأساليب البديعية، وخلدت الكثير من هذه المقامات حتى وصلت لنا اليوم، بينما تحدث الخطاط الشريفي، عن أهمية الخط العربي، والذي شهد تطوراً كبيراً خلال العصر العباسي، وكان للخطاطين مكانة مميزة، وتم ابتكار خطوط جديدة مثل خط الثلث، وأسهم الخط العربي في نقل الكثير من العلوم والآداب، خاصة مع انتشار ظاهرة التدوين، وأضاف نشهد اليوم للأسف تراجعاً في الاهتمام بهذا الفن العربي العريق، ولا بد من اعتماد الخط العربي كمادة تدرس في المدارس والجامعات.