جار التحميل...
الشارقة 24:
تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، اختُتِمت أمس الأول، فعاليات الملتقى العربي الخامس للتراث الثقافي في الشارقة، بعد ثلاثة أيام من الحوار والتواصل والتخطيط الاستراتيجي، الذي يهدف إلى تعزيز دور المرأة والشباب في حماية التراث الثقافي في المنطقة العربية.
وأكد الملتقى الذي نظمه مركز "إيكروم" الإقليمي في الشارقة، على رسالته المتجددة في الحفاظ على التراث كأساس حيوي للهوية الثقافية، والمرونة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، واستقطب مجموعة من المسؤولين عن شؤون الثقافة والخبراء والأكاديميين والممارسين، موفراً منصة لتبادل الخبرات وعرض المشاريع المبتكرة ورسم مسارات التعاون المستقبلي.
وألقيت في اليوم الافتتاحي للملتقى، سلسلة من الكلمات التي أكدت الدور المحوري للمرأة بوصفها حاملة للتقاليد، وللشباب كمحركين للابتكار، مع توجيه دعوات قوية لضمان إشراكهم في صنع القرار وتطوير السياسات.
وتضمن البرنامج، كلمات رئيسة وجلسات حوارية، تناولت أدوار المرأة والشباب في مجال التراث، بالإضافة إلى دراسات حالة سلطت الضوء على مبادرات رائدة وأفضل الممارسات في حفظ التراث الثقافي.
وتميز اليوم الثاني من الملتقى، بسلسلة من جلسات النقاش والعروض التي تناولت دور المرأة والشباب والمجتمعات المحلية في تعزيز المرونة الثقافية، وقدمت دراسات عن حالة ملهمة من الإمارات وسلطنة عمان وسوريا والعراق، سلطت الضوء على كيفية ضمان استمرارية التراث وتجديده عبر المعرفة التقليدية والمبادرات المجتمعية، كما استعرضت جلسة أخرى، تجارب دولية، حيث قدم متحدثون من هولندا وموريتانيا، استراتيجيات للممارسات المتحفية التشاركية والحرف اليدوية والمشاريع المرتبطة بالتراث كأدوات للتمكين والشمول.
وركزت الجلسة الثانية لليوم من الملتقى، على رسالة أساسية مفادها بأن التراث لا يقتصر على حفظ الذكريات، بل يمكن أن يكون مصدراً لسبل عيش مستدامة، خصوصاً للمرأة، إذ يمثل مورداً ثميناً للفرص الاجتماعية والاقتصادية.
وبعد الانتهاء من قاعات الحوار وجلسات النقاش، زار المشاركون، موقع "الفاية" في الشارقة، الذي أُدرج حديثاً على قائمة التراث العالمي لليونسكو، ويعتبر من أقدم المستوطنات البشرية في شبه الجزيرة العربية، ونجحت هذه الزيارة في الربط بين المفاهيم النظرية والتطبيق العملي، مسلِّطة الضوء على أهمية الإدارة الفعالة لمواقع التراث.
وافتُتح اليوم الأخير من الملتقى، بجلسة خاصة بعنوان "عروض دراسات حالة مختارة"، قُدِّمت خلالها مبادرات ومشاريع رائدة من دول عربية عدة، والتي سلّطت الضوء على جهود فعّالة تشرك المرأة والشباب في الحفاظ المستدام على التراث، وتلت ذلك جلسة "الحوار بين الأجيال وتبادل المعارف"، والتي تضمنت مشاركة قيّمة قدمها سعادة أيمن عثمان الباروت الأمين العام للبرلمان العربي للطفل، والذي تحدث عن أهمية الحوار بين الأجيال كجسر يضمن نقل الخبرات وتعزيز الهوية، مُركِّزاً على مبادرات البرلمان العربي للطفل التي تعكس رؤية وتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
وعُقدت جلسة حوارية بعنوان "تطوير السياسات لحفظ التراث الشامل"، جمعت كبار صانعي السياسات وممثلي اليونسكو، والألكسو، والإيسيسكو، بالإضافة إلى خبراء التراث من المغرب وسوريا.
وناقش المشاركون، ضرورة مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، والتحديات العملية لحماية التراث في مناطق النزاع وما بعد النزاع، واختتمت الجلسة الختامية، بتلخيص التوصيات الرئيسة للملتقى، والتي ركزت على تمكين الشباب والنساء كمحركات رئيسة لحماية التراث.
وأكدت التوصيات، ضرورة دمج موضوعات التراث في المناهج الدراسية بجميع المراحل، وأهمية تطوير برامج تدريبية ومهنية متخصصة للشباب والنساء في مجالات الحفظ والتوثيق وريادة الأعمال الثقافية، بالإضافة إلى مجالات الإعلام والاتصال لتعزيز الخطاب التراثي والتواصل مع الجمهور.
ودعت التوصيات، إلى تعزيز الوعي المجتمعي العميق بالتراث عبر دور التعليم غير الرسمي والمتاحف والمكتبات، وإطلاق مبادرات تستهدف الأطفال والشباب لترسيخ الارتباط بين الأجيال والقيم التراثية.
وفيما يتعلق بالتمكين والشمولية، طالبت التوصيات، بضمان تكافؤ الفرص للنساء والشباب في المشاركة والقيادة وصنع القرار، وتوثيق المساهمات المهنية للمرأة في حفظ التراث، ودعت أيضاً إلى إدماج الفئات المهمشة والنازحين في السياسات التراثية، باعتبار التراث أداة للسلام والتماسك الاجتماعي، مع تشجيع مبادرات الحوار بين الأجيال وتأسيس منصات للشباب تتيح المشاركة والتبادل المعرفي.
فيما يتعلق بالمبادرات والابتكار الرقمي، أوصى الملتقى، بضرورة دعم المبادرات الشبابية والنسائية عبر توفير منح تأسيسية، وتعزيز مهارات التسويق والابتكار الثقافي بهدف تحويل التراث إلى مصدر اقتصادي مستدام.
وشملت التوصيات، تشجيع السرد القصصي والإبداع في استراتيجيات الترويج، والتأكيد على دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في مناصرة قضايا التراث، وأكدت أهمية إشراك الشباب والنساء في الفعاليات الوطنية والدولية لإبراز الهوية والانتماء.
وفي مجال التوثيق والابتكار الرقمي، دعا المشاركون، إلى إنشاء أرشيفات ومكتبات إلكترونية إقليمية موحدة، وتوظيف التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والتوثيق المكاني وفق معايير أخلاقية دقيقة، وأكدوا أهمية إعداد تقارير دورية عن حالة التراث وتوثيق المبادرات الثقافية الناشئة، والجمع بين خبرات الشباب المتمرسين في التكنولوجيا ومعارف الخبراء العاملين في مجال التراث لتعزيز الابتكار وتطوير أدوات رقمية فاعلة.
أما على صعيد الشراكات والسياسات المستقبلية، فدعت التوصيات، إلى تطوير سياسات ثقافية شاملة تعزز المشاركة المجتمعية، وتُسهم في ربط قضايا التراث بأهداف التنمية المستدامة، واعتماد آليات تمويل مستدامة ووضع خطط طوارئ تلبي احتياجات المنطقة العربية في أوقات النزاعات والكوارث، وتعزيز التعاون العربي والإقليمي وتبادل الخبرات، والانفتاح على إقامة شراكات مع المنظمات الدولية والقطاع الخاص، مع ضرورة تقدير المبادرات المجتمعية ودعمها مادياً لضمان استمراريتها.
أما بالنسبة للملتقيات المقبلة، أوصى المشاركون، بتوسيع إشراك الجامعات والمعاهد، وإنشاء أرشيف إلكتروني خاص بالملتقى، وإنتاج محتوى موجه للشباب مثل "البودكاست"، واقترحوا تنظيم جلسات أكثر تعمقاً لتقديم حلول إبداعية، ودعوة قطاعات متنوعة خارج مجال التراث، بما في ذلك القطاع الخاص وأصحاب رؤوس الأموال، للمشاركة في الملتقيات وإثراء النقاشات ودعم المبادرات مالياً، واقتُرح كذلك إطلاق جائزة خاصة بالمبادرات الشبابية والنسائية تتضمن دعماً مالياً لتعزيز استدامتها، مما يعكس التزام الملتقى بترسيخ دور التراث في الحاضر والمستقبل.
في كلمته الختامية، أكد ناصر الدرمكي نائب مدير مركز "إيكروم" الإقليمي بالشارقة، أهمية الملتقى، قائلاً: لقد أثبت هذا الملتقى دور التراث كجسر يربط بين الأجيال ومصدر للمرونة في أوقات التغيير، وأن الأفكار والتوصيات التي جرى تبادلها خلال الأيام الثلاثة تذكّرنا بأن حماية التراث مسؤولية جماعية تتجاوز الحدود.
ودعا الدرمكي، جميع المشاركين والمنظمات والمؤسسات إلى مواصلة الحوار، وتعزيز قنوات التواصل، وتوسيع نطاق تبادل المعرفة والخبرات، لضمان أن يبقى التراث الثقافي مصدراً حياً للإلهام والمرونة والهوية للأجيال المقبلة.
واختتم الملتقى العربي الخامس للتراث الثقافي، بإحساس متجدد بالهدف المشترك ودعوة قوية للعمل، إذ أكد المشاركون، أن الحفاظ على التراث يتجاوز مجرد حماية ذاكرة الماضي، بل يتعلق بتمكين المجتمعات من تشكيل مستقبل مستدام ونابض بالحياة.
وأكد الملتقى أيضاً، الدور الفعّال للمرأة والشباب بوصفهم محركات رئيسة للإبداع والابتكار والمرونة، وحث على إشراكهم لضمان بقاء التراث ذا صلة وحيوية في عالم سريع التغير.
ومن خلال وضع المرأة والشباب في صميم الاستراتيجيات الثقافية، أبرز الملتقى، أن حماية التراث عملية حية وشاملة تعزز التماسك الاجتماعي، وتشجع على الحوار، وتخلق فرصاً للتنمية المستدامة.