جار التحميل...
الشارقة 24:
أكد سعادة الدكتورعبدالعزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، رئيس اللجنة العليا المنظمة لفعاليات الدورة الخامسة والعشرين لملتقى الشارقة الدولي للراوي، أن مواكبة الحداثة وملاحقة التطورات ضرورة ملحة لصون التراث ونقله للأجيال، مشيراً إلى أن رحالة وسائل التواصل الاجتماعي باتوا أكثر إقناعاً وتأثيراً، مما يجعل المزاوجة بين الأصالة والتقنيات الحديثة أمراً لا مفر منه.
جاء ذلك خلال الجلسة الحوارية التي أقيمت تحت عنوان «الراوي في يوبيله الفضي من المحلية إلى العالمية»،بمشاركة د.عائشة الحصان الشامسي،مديرمركزالتراث العربي، المنسق العام للملتقى، وسط حضور جماهيري واسع من مثقفين وباحثين وطلاب جامعات وجمهور مهتم بالسرد والحكاية الشعبية، والتي أدارتها الأستاذة هند خليفات.
أوضح المسلم أن ملتقى الشارقة للراوي منذ انطلاقته قبل ربع قرن شكل جسراً للتواصل بين الثقافات، من خلال استقطاب رواة من الخليج والعالم العربي ثم من دول أخرى، ليغدو منصة معرفية رائدة تعنى بالتراث غير المادي ، وأشار إلى جهود إمارة الشارقة في دعم الرواية الشعبية وتوثيقها، مؤكداً أن الثقافة بكل عناصرها، ومن ضمنها التراث، تمثل قاعدة أساسية لمكانة الإمارة العالمية في كل المجالات، لا سيما في الحقل الثقافي.
وتطرق دكتور المسلم إلى التحديات التي تواجه الرواة التقليديين أمام زخم منصات التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى أن بعض الرحالة الرقميين يتمتعون بجاذبية تقنع الجمهور رغم افتقارها للمصداقية أحياناً، في حين يعجز الرواة الأصليون عن استثمار هذه الوسائل الحديثة، وقال إن الذاكرة الشعبية مهددة بالنسيان إن لم تتجدد أدواتها، داعياً إلى تفعيل الشراكات وتوظيف التقنيات الحديثة لتقديم التراث بأسلوب يلائم اهتمامات الأجيال الجديدة.
أبان رئيس معهد الشارقة للتراث أن الملتقى لم يكتفِ بدور المنصة الحوارية، بل تحول إلى مشروع بحثي وتوثيقي متكامل عبر إصدارات علمية وموسوعات توثق الحكايات والرواة، إضافة إلى تنظيم ورش ودورات تدريبية تسعى لإعداد جيلٍ جديدٍ من الحكواتيين، موضحاً أن الملتقى لعب دوراً مهماً في إدخال مفاهيم التراث الشفهي ضمن حوارات اليونسكو حول صون التراث الثقافي غير المادي، مما عزز مكانته الدولية.
كما تطرق للدعم الكبير الذي يحظى به الرواة محلياً، إذ جرى تكريم الكثير منهم وتوفير الرعاية الاجتماعية والسكن لهم، تقديراً لإسهاماتهم في حفظ الذاكرة الشعبية، واعتبر المسلم أن شخصية الراوي لم تعد مجرد شاهد على الماضي، بل باتت رمزاً حياً للهوية، ويمكن أن تسهم في بناء خطاب ثقافي معاصر يوازن بين الأصالة والانفتاح.
من جانبها، قالت د. عائشة الحصان الشامسي:" إن الإبداع في السرد والحكاية ليس حكراً على جنس دون آخر، بل هو نتاج إنساني شامل، مشيرة إلى أن المرأة اليوم باتت قادرة على خوض تجارب الرحلات وتوثيقها بما يواكب العصر"، موضحةً أن الحكايات الشعبية تتكرر بصور متشابهة في مختلف الثقافات، ما يعكس وحدة التجربة الإنسانية، وضربت مثالاً بقصة «سندريلا» التي تتبدى في صياغات مختلفة بين مجتمع وآخر.
أكدت دكتورة عائشة أن الترجمة تلعب دوراً محورياً في نقل الحكايات الشعبية إلى العالم، شريطة أن يتولاها مترجمون يمتلكون شغفاً بالمادة التراثية حتى لا تفقد النصوص روحها الأصلية، وقالت إن الملتقى أسهم بشكل ملموس في إدخال ثقافة الحكاية إلى المدارس والمؤسسات التربوية، حيث أصبح بعض الرواة يزورون الفصول الدراسية لنقل الحكايات مباشرة إلى الناشئة، في تجربة ثرية تعزز من ارتباط الجيل الجديد بتراثه.
وتوقفت الشامسي عند مستقبل الملتقى، معتبرة أن الاستمرارية أمراً ضرورياً، مشيرةً إلى أهمية الاستفادة من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في أرشفة الحكايات وتحليلها، وصولاً إلى توظيف عناصر من الخيال العلمي في بعض العروض السردية التي تستقطب الشباب، مع التأكيد على ضرورة التمسك بجوهر الحكاية التراثية الأصيلة.
واختتمت بالقول:" إن ملتقى الشارقة الدولي للراوي يمثل لوحة فسيفسائية عالمية، حيث يجتمع الرواة من مختلف الثقافات لينسجوا تجربة إنسانية مشتركة تثري الحاضر وتؤسس لمستقبل أكثر إشراقاً للتراث السردي"، مؤكدة أن ما تحقق خلال خمسة وعشرين عاماً هو بداية لمسيرة أوسع نحو العالمية.