جار التحميل...
الشارقة 24:
شهدت جمهورية مصر العربية، الثلاثاء، انطلاق أعمال الدورة الـ21 من ملتقى الشارقة للسرد تحت عنوان "الرواية والذكاء الصناعي"، برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ويشمل أربعة 4 للمقاربة والتحليل النقدي، يناقشها، على مدى يومين، أكثر من 60 مبدعاً من روائيين، وقاصّين، وأكاديميين، ونقّاد مصريين وعرب.
أُقيم حفل الافتتاح في دار الأوبرا في العاصمة المصرية القاهرة، بحضور سعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، ود. أشرف العزازي أمين عام المجلس الأعلى للثقافة في مصر، والاستاذ محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، مدير ملتقى الشارقة للسرد، وكوكبة من المثقفينَ، والجامعيين، والمهتمين بالكتابة السردية.
رافق حفل الافتتاح معرضٌ ضمّ مجموعة من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة، من بينها: مجلة الشارقة الثقافية، ومجلة الرافد، ومجلة القوافي، ومجلة المسرح، إضافةً إلى عدد من المؤلفات المتنوعة في الحقول الأدبية. وقد شهد المعرض إقبالاً لافتاً من الجمهور، الذين حرصوا على الاطلاع واقتناء هذه العناوين الثقافية الغنية.
ألقى سعادة عبد الله العويس كلمة قال في بدايتها: "يسرنا أن نلتقي اليوم في رحاب دار الأوبرا، لنحتفي معا بالكلمة والإبداع في ملتقى الشارقة للسرد، فقد أدركت الشارقة أن الأدب فن جمالي وجسر للتواصل، وذاكرة تحفظ الهوية، وأفق رحب للحوار والمدارسة".
وأشار إلى أهمية تنقّل ملتقى الشارقة للسرد بين مدن وعواصم عربية، قائلاً في هذا السياق: "من هنا جاءت مبادرة تنقّل ملتقى الشارقة للسرد بين الدول العربية، لتفتح مساحة يتلاقى فيها الكتاب والمبدعون والباحثون، يتبادلون الرؤى ويستشرفون آفاق مستقبل السرد بكافة أجناسه الأدبية".
ولفت العويس إلى أن انعقاد الملتقى في القاهرة يضفي عليه عمقاً ثقافياً بارزاً، مؤكداً تطلع الشارقة إلى توسيع التعاون الثقافي مع مصر عبر هذا الحدث، وقال في هذا الصدد: "إن انعقاده في القاهرة يمنحه بعدا خاصا، حيث تلتقي الأصالة المتجذرة بالحاضر المتجدد، ليشكلا معا رؤية أوسع لمستقبل السرد العربي، وليؤكدا أن الكلمة الصادقة النبيلة قادرة على صياغة الوعي وبناء الفكر، متطلعين أن يفتح هذا الملتقى آفاقا جديدة للتعاون الثقافي، وأن يكون خطوة أخرى في مسيرة دعم الأدب العربي وتعزيز مكانته عالميا".
وتضمنت كلمة العويس رسالة شكر إلى وزارة الثقافة، عرفاناً بدورها الريادي في التعاون من أجل رفعة الثقافة العربية، وقال: "أغتنم هذه المناسبة، لتقديم أسمى معاني الشكر والتقدير إلى وزارة الثقافة المصرية، على تعاونها الدائم من أجل الثقافة العربية، حيث أثمر هذا التعاون تنظيم العديد من الأنشطة الثقافية والأدبية المتنوعة، مما أكد أهمية حضور الأديب والكاتب والشاعر والناقد في المشهد الثقافي المصري والعربي، وهذا ما تحرص عليه القيادة الرشيدة في البلدين، لتؤكد على عمق العلاقات التاريخية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية".
ونقل رئيس دائرة الثقافة، تحيات صاحب السمو حاكم الشارقة للمشاركين في الملتقى، قائلاً: "أتشرف في هذا المقام بأن أنقل لكم تحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وتمنيّاته لكم بالنجاح والتوفيق".
من جانبه، رحّب العزازي بدايةً بالحضور، وأكّد في مستهل كلمته أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الداعم الأول للثقافة، وللفكر وللأدب، وصاحب رؤية ثقافية مستنيرة أسّست لمشروع ثقافي عربي وعالمي، وأشار إلى أن مصر تسعد دائماً بقدوم الشارقة إليها، ليفتحا معاً ذراعيهما لكل مثقف ومفكر وفنان ومبدع من كافة أرجاء الوطن العربي.
وقال: " يسعدني أن أرحب بحضراتكم في مصر قِبلة المثقفين والمبدعين العرب، حيث نلتقي اليوم معاً في افتتاح الدورة الحادية والعشرين من ملتقى الشارقة للسرد التي تشملها الرعاية الكريمة لصاحب السمو حاكم الشارقة. وتتوفر على إدارتها دائرة الثقافة بالشارقة بمتابعة عبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة".
وأشار العزازي إلى أن الملتقى يجمع نخبة من المبدعين والكتّاب والباحثين من مختلف أرجاء الوطن العربي، تحت راية الكلمة، وثراء السرد العربي المعاصر.
ولفت إلى أن الحدث السردي العربي لم يكن يوماً مجرد فعالية أدبية، بل هو منصّة للحوار الثقافي، ومساحة لتبادل الرؤى، وفرصة لتوثيق المشترك الإنساني الذي تعبّر عنه القصص والروايات والسير، بمختلف تجلياتها ومدارسها.
عُقد في اليوم الأول من الملتقى ثلاث جلسات؛ جاءت الأولى بمثابة المدخل الاستهلالي. أما الجلستان التاليتان فقد خُصصتا لمناقشة المحورين الأول والثاني.
وفي مدخل أعمال الملتقى "الرواية من الشفاهة إلى الذكاء الاصطناعي"، التي أدارها د. أبو اليزيد الشرقاوي، تحدث د. محمد هندي، استاذ الأدب الحديث المساعد بكلية الآداب، جامعة سوهاج، من ورقة حملت عنوان "الرواية من الشّفاهي إلى الذكاء الاصطناعي: (تحوّلات الرؤية الواقعيّة ومغامرات التّخييل السرديّ)، فيما قامت أ.د. بخيته حامد إبراهيم، أستاذ الأدب الحديث المساعد - جامعة جنوب الوادي بقنا، بالتعقيب على ورقة هندي.
وقدّمت ورقة د. هندي البحثية دراسة شاملة لاستكشاف ملامح الرواية من الشفاهة إلى التطورات التي مرت بها عبر عصورها المختلفة، وصولًا إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بطريقة منهجية واضحة ومناسبة لعناصر العرض التي حددها الباحث في محطات ثلاث رئيسية.
وقال إن هذا الاتساع الزمني الفكري الذي يحيلنا إليه عنوان: (الرواية من الشفاهي إلى الذكاء الاصطناعي) ــــــــــــ يُلزمنا التفكير مليّا في ضرورة الاتكاء على ركيزة، نستند إليها في التحاور مع ما يُفرزه هذا العنوان من رؤى وتصورات فكرية وجمالية، ليس لأجل تكرار ما قيل سلفًا من قضايا ومواقف تخص نشأة الرواية وتاريخها عربيا؛ إنما لأجل التوصل إلى صورة هذا الفن أولًا كما عايناه مع المجتمعات الافتراضيّة التي أتاحتها شبكة الإنترنت.
ولفت الباحث إلى أن المتتبّع لحركة الرواية عبر مسيرتها الطويلة وما تضمنته من قضايا وجودية غُلفت إلينا بغلاف الخيال؛ لا يداخله أدنى شك في أن النزعة الإنسانية هي من بين الأشياء المهمة التي تجعل القارئ ينغمس بكليَّته (الذهنيّة والوجدانيَّة) فيما يُعرض عليه من عوالم، قد تجعله يرى أشياء كثيرةً من شخصيته مبثوثةً بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ في الصورة الروائية المقروءة.
وفي خضم التشابك النقدي حول موضوع الذكاء الصناعي؛ طرح د. هندي العديد من التساؤلات، التي هي في أساسها جوهر موضوعه، فتساءل: "هل موضوع هذه الرواية سيقتصر فقط على الآلة، فغياب الإنسان عنها، يعني بداهة غياب واقعه المعيش؟ ما مستوى التخييل في هذه الرواية؟ وكيف تتشكل الجملة السردية في رواية الذكاء الاصطناعي؟ وما مصادرها؟ هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن ينتج لنا على سبيل المثال سردية تاريخية مثلا أو واقعية نقدية أو نفسية؟".
وفي الوقت الذي قال فيه إن الحديث عن دور الذكاء الاصطناعي في المجالات الهندسية والطبية وعلوم الفضاء، قد يتم القبول به، إلّا أن د. هندي بدا متحفّظاً على استخدامه في المجال الأدبي، قائلاً في هذا الصدد: "أما وأنّ الأدب الحقيقي هو أدب تُمليه النزعة الإنسانية، فإن علاقته بالذكاء الاصطناعي تحتاج إلى وقفة مُتأنية تُعيد السؤال مرة تلو الأخرى: من يُبدع النصّ؟ ما مصادره، ولمن يُوجَّه، وهل يمكن لنصّ الذكاء الاصطناعي أن يحقق لنا هذه الغاية الحياتية التي تشعرنا بقيمة وجودنا الإنساني؟".
بدورها، استهلت د. بخيته إبراهيم تعقيبها بالقول: "العنوان هو المؤشر الأول الذي يدخل القارئ في حوار مع نفسه، فيثير في نفسه نوعاً من الفضول لمعرفة واستكشاف مدلولاته، فأهميته نابعة من كونه المفتاح الإجرائي في تعامل الباحث مع النص، وعنوان الورقة البحثية (الرواية من الشفاهي إلى الذكاء الاصطناعي) هو بمثابة فكرة عامة وامتداد تاريخي لما بداخلها إذ قصد د. محمد هندي منذ البداية أن يحفز القارئ على مواصلة القراءة بشغف كي يدرك الرؤى والقضايا التي بداخلها من نشأة الرواية وتطورها عبر العصور وصولًا إلى المجتمعات الافتراضية التي أتاحتها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، أي من الماضي (الشفاهي) إلى المستقبل (الذكاء الاصطناعي)".
وتعمّقت د. بخيته في ورقة المتحدث، فأشارت قائلة: "ولعل في تذييله (تحولات الرؤية الواقعية ومغامرات التخييل السردي) ما يؤكد ما ذهبنا إليه، قاصدًا الكشف عن التغيرات التي طرأت على الرواية وتفاعلها مع السياقات المختلفة (الثقافية – الاجتماعية- السياسية - ...) واستقصاء هذه التحولات عبر مراحلها المختلفة، ثم عمد في قوله (مغامرات التخييل السردي) إلى تقنية يهدف من خلالها الروائي إلى استكشاف عوالم روائية، وإفراغ الحقائق الواقعية من أفكارها المعروفة، وصبغها بدلالات تتعداها، ومن ثم يتم استدعاء مجموعة من العناصر (الحدث- الشخصيات- الفضاء المكاني- اللغة- ...) تدعم التخييل السردي كوسيلة لنقل هذه العوالم والدلالات غير التقليدية إلى المتلقي والتأثير فيه. فراح يتنقل بقارئه من مرحلة إلى أخرى تجعله يتكشف من خلالها ما تتميز به كل مرحلة عن غيرها (ما قبل هيمنة الحاسوب/ الرواية الرقمية التفاعلية/ الإنسان الآلي)".
وأشارت المعقبة إلى أن خاتمة ورقة د. محمد هندي جاءت منسجمة مع بدايتها، فكما بدأت بأسئلة ختمت أيضًا بمجموعة من التساؤلات - علها تجد دافعاً عند الدارسين فيقومون بالإجابة عنها في دراسات مستقلة- مما أضفى عليها طابعًا منهجيًّا متماسكًا.
حمل المحور الأول عنوان "الرواية بين التخييل البشري والذكاء الاصطناعي"، تحدث فيه: د. محمود الضبع، ود. إبراهيم أردش، ود. محمد حسانين الضلع، ود. انتصار محمد، فيما قام د. أسامة السعيد بإدارة الجلسة.
قدّم الضبع ورقة بعنوان " الرواية بين التخييل البشري والذكاء الاصطناعي"، مؤكداً أن التقاطع بين التخييل البشري والذكاء الاصطناعي غدا واقعاً لا يمكن الفكاك منه، مشيراً إلى أنه إذا كانت هناك -اليوم- بعض الآراء الرافضة للإبداعات الروائية أو الشعرية أو الفنية عموما، والناتجة عن الذكاء الاصطناعي، فإن مبعث ذلك أن هذه الآراء قد نشأ أصحابها في سياق ثقافة الإبداع البشري.
لكن د. الضبع، ومن جهة أخرى، قال إن الأجيال التي لم تنشأ في سياق الإبداع البشري وتجلياته، وإنما نشأت من الأساس في سياق الوعي بالإبداع المعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ سوف تتشكل ذائقتها على هذه الأنواع من الآداب، وربما ترى فيه الجمال، وتجد معه كل أشكال التواصل المتناسبة مع حياتهم المعتمدة من الآن على الوجود الافتراضي.
وخلصت ورقة د. إبراهيم أردش "التحليل النصيّ والدراسة التأويلية الشارحة"، إلى أن الكتابة الروائية باستخدام أدوات الذّكاء الاصطناعيّ أمرٌ واقع، لا ينبغي التعامل معه بهلع وخوف، أو اندهاش، أو تهوين وتهويل، بل على الكاتب أن يطور مهاراته ومعارفه؛ كي يستطيع الإفادة منه في تجويد إبداعه بأكبر قدر ممكن، وعلى الناقد أن يطور من أدواته؛ حتى يتمكن من التعامل مع هذا النمط الطارئ من الفن الكتابي.
ولفت أن العنصر البشري مؤلف مشارك مع الذّكاء الاصطناعيّ، حيث يمتلك السلطة الإبداعية الأكبر، فهو صاحب التخييل الأوليّ والقائم على إدارة الذّكاء الاصطناعيّ؛ فيقوم بإدخال البيانات إليه وتلقي المخرجات وتعديلها، ثم إعادة الصياغة الكلية وتطويع المنتج الروائي حسبما يرى.
ورصد د. حسانين الضلع في بحثه "التماثل والاختلاف بين التخييل السردي البشري واستنساخه بالذكاء الاصطناعي"، أوجه التماثل والاختلاف لعناصر البناء السردي بين النص البشري ونسخته بالذكاء الاصطناعي؛ لبيان الكفاءة ومداها في حقل الإبداع الراوئي، وعمد إلى كشف الجانب الشعوري بين إبداع الآلة والإنسان؛ فعينة الدراسة عن عالم الطير (الغربان)، مما يقيس الشعور الوجداني في النسختين.
وهدف بحث د. انتصار"الرواية من منظور الذكار الصناعي: نحو قراءة جديدة لفعل التخييل"، إلى تحليل العلاقة الجدلية بين الرواية والتخييل البشري، من خلال تناول مجموعة من القضايا المحورية، مثل: وما هي رهانات هذا التخيل في ضوء التحولات الثقافية والاجتماعية التي يشهدها العالم المعاصر؟، قائلة إن محاولة فهم الرواية من منظور التخيل البشري تقودنا إلى مساءلة الأسس المعرفية والجمالية لهذا الفن، والكشف عن الطاقات الرمزية التي يحملها، وعن دوره الحيوي في تطوير وعي الإنسان بذاته، وبالآخر، وبالعالم.
وأشارت إلى أن التفاعل بين الرواية والذكاء الاصطناعي بينهما ليست تنافسية، بل تكاملية. فالذكاء الاصطناعي يساعدنا في تعميق قراءتنا للنصوص، لكنّه لا يستطيع أن يحلّ محل التجربة البشرية التي تنتج الأدب. مؤكدة "ستبقى الرواية، طالما بقي الإنسان يكتب من قلب الألم والأمل، هي مرآة وجوده، مهما تطورت الآلات".
في ختام اليوم الأول من أعمال الملتقى، قدّم عدد من المبدعين شهادات أدبية حول تجاربهم الإبداعية، مستعرضين خلالها مساراتهم الفكرية والفنية، والصعوبات التي واجهوها، والطرق التي اعتمدوها لتطوير أعمالهم، وهم كتّاب الرواية: ناصر عراق، وأحمد قرني، وصبحي موسى، وإسراء محمد عبد الوهاب، فيما قام محمد عطية محمود بإدارة الجلسة.
ولفت المبدعون أن الكتابة فعل حياة، فبدونها يكون الإنسان منفيا في عالم أخر، سواء أكانت الشعر أو الرواية أو الصحافة أو البحث العلمي، مؤكدين أن الكتابة في حد ذاتها هي الروح الذي تنبع منه كل هذه التدفقات الإبداعية، مثلها مثل نهر النيل الذي يتهادى أحيانا، ويجري أحيانا، ويبطئ أحيانا أخرى، لكن يظل دائما حيا متدفقا لا يتوقف عن الحياة، دون أن يسأل نفسه يوما عما يجعل النهر نهرا، ولا الكاتب كاتبا.