جار التحميل...
الشارقة 24:
دشنت مكتبات الشارقة العامة النسخة المُحدَّثة من منصة "مكتبة المعرفة الذكية"، التي تقدم دورات مهنيّة وتقنيّة عن بعد يقدمها نخبة من أبرز الخبراء والمتخصصين، بتصميمٍ أكثر سلاسة يدعم التصفّح عبر الهواتف، ويقدّم مسارات تعليمية قصيرة باللغتين العربية والإنجليزية مع اختبارات تفاعلية وشهادات فورية، وإلى جانب محتواها المتنوّع في البرمجة وريادة الأعمال واللغات، تتيح المنصة تسجيلاً مؤتمتاً بخطوة واحدة، كما يُعرَض فيديو إرشادي موجز يوضِّح آلية الانتساب والاستفادة من الدورات.
وسط هذا المشهد برزت مكتبات الشارقة العامة كمثال عربي رائد في تبني الرقمنة، فخلال الإغلاق الذي فرضه كوفيد-19 فتحت أبوابها الافتراضية أمام الجمهور عبر أكثر من 15 مليون مصدر رقمي، وأطلقت عام 2021 منصّة "مكتبة المعرفة الذكية" لتوفير دورات مجانية في التطوير المهني والمهارات الرقمية، مؤكدة بذلك أن دور المكتبة يتجاوز الإعارة إلى بناء قدرات المجتمع.
على مدى السنوات الخمس الأخيرة، ارتفعت وتيرة الاعتماد على المنصّات الرقميّة في القراءة والتعلّم كما لم يحدث من قبل؛ فالسوق العالمي للتعلّم الإلكتروني، الذي قُدِّر بـ399.3 مليار دولار في 2022، يسير بمعدل نمو سنوي مركّب يبلغ 14% ليتخطّى حاجز التريليون دولار بحلول 2033، وينعكس هذا التحول أيضاً على المكتبات؛ إذ سجَّلت تقارير 2024 زيادة بنسبة 11% في استخدام المنصات الإلكترونية بين 2022 و2023، أي قفزة بواقع 40% عن مستويات ما قبل الجائحة، لتغدو المكتبة الافتراضية اليوم بوابة أولى للمعرفة لا تقل حضوراً عن رفوف الكتب التقليدية.
ولم يكن هذا التحرك منعزلاً عن الاتجاه العالمي نحو التعلّم الذاتي، فاليونيسكو ترى في الابتكار الرقمي مسرِّعاً لتحقيق هدف "التعليم للجميع"، بينما تُظهر أرقام "الدورات الجماعية المفتوحة عبر الإنترنت" أن ملايين الدارسين باتوا يحددون إيقاع تعلّمهم بعيداً عن مقاعد الدراسة التقليدية. في هذا السياق واصلت مكتبات الشارقة تنظيم ورش عمل ولقاءات افتراضية، موسِّعةً نطاق جمهورها من زوار القاعات إلى متصفحي الشاشة حول العالم.
ولا تنفصل منصة "مكتبة المعرفة الذكية" عن الرؤية الثقافية الشاملة لإمارة الشارقة، بل تأتي امتداداً طبيعياً لها، فهي تترجم عملياً توجه الإمارة نحو ترسيخ مكانتها مركزاً ثقافياً عالمياً يحتفي بالكتاب وبالقراءة ويعيد إنتاج المعرفة وتطويرها رقمياً، ومن خلال توفير محتوى تدريبي مرن ومتاح باللغتين، تساهم المنصة في تشجيع عادة القراءة والتعلّم الذاتي لدى مختلف الفئات العمرية، وتعزز من حضور الثقافة الرقمية بوصفها رافعةً لبناء مجتمع المعرفة.
كما تدعم "مكتبة المعرفة الذكية" الصناعات الثقافية من خلال تمكين الأفراد من اكتساب المهارات التي تؤهلهم لإنتاج محتوى معرفي عالي الجودة، سواء في النشر أو الترجمة أو الإعلام الرقمي، ما يجعل المنصة أداة استراتيجية في تعميق أثر مشروع الشارقة الثقافي محليًا وعالميًا، وتحقيق رؤيته في أن تكون الثقافة جزءًا من حياة الإنسان اليومية وليست مجرد فعل موسمي أو نخبوي.
وتتويجاً لمسيرة مئة عام على تأسيسها، تُدير مكتبات الشارقة ستة فروع موزّعة جغرافياً لتغطية المدن الساحلية والوسطى والجبلية، متيحة موارد بـ 33 لغة لزهاء 200 ألف قارئ سنوياً، في مزيج يجمع البنية التقليدية بالحلول الذكية ليصيغ نموذجاً مكتبياً يُحتذى به في المنطقة.
ومن خلال هذا الدمج السلس بين الورق والشاشة، ومن الحضور المادي إلى "النقر والتمرير"، تؤكد مكتبات الشارقة العامة أن مستقبل المعرفة يبدأ من قدرة المنصة الرقمية على تحويل الفضول الفردي إلى تعلّم مستمرّ، وأن المكتبة حين تعانق التقنية تصبح أكثر من مكان للقراءة، وتصير شريكاً دائمًا في رحلة بناء الذات والمجتمع.