جار التحميل...
الشارقة 24:
حققت دار "واحات الرشد" التابعة لدائرة الخدمات الاجتماعية في الشارقة، إنجازات بارزة في رعاية وعلاج المرضى النفسيين والعقليين من الجنسين، ممن يتلقون الدعم في الدار.
ويُعد الدار من أوائل الجهات المتخصصة في الدولة منذ تأسيسها في عام 2007، حيث كرّست جهودها لتقديم الرعاية المتكاملة لهذه الفئة التي تتطلب اهتماماً خاصاً من مختصين في مجالي التأهيل والتدريب.
وقد نجحت الدار في إحداث تحوّلات إيجابية في حياة العديد من المنتسبين إليه، ممن واجهوا صعوبات مجتمعية وحتى أسرية، وأسهم في دمجهم تدريجياً في المجتمع وتعزيز جودة حياتهم.
استعرض خالد العبدولي، مدير دار واحات الرشد، أبرز التحديات التي يواجهها كل من المريض النفسي والأخصائي المعالج، مؤكداً في حديثه على الدور الحيوي للأسرة في دعم واحتضان المرضى النفسيين، لما لذلك من أثر كبير في تسريع تعافيهم وتعزيز فعالية الجهود العلاجية التي تبذلها "الواحات".
وأشار العبدولي إلى أن أبرز المشكلات التي يعاني منها المرضى النفسيون تتمثل في الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالمرض، وغياب التفهم المجتمعي لقدراتهم وإمكانياتهم، مما يؤدي إلى تهميشهم واستغلالهم أحياناً.
كما لفت إلى تحديات أخرى مثل فقدانهم لفرص العمل، وإهمال العلاج، إلى جانب نقص الوعي المجتمعي بطبيعة هذه الأمراض، وهو ما يُفاقم من معاناتهم ويؤخر اندماجهم في المجتمع.
وحول الأسلوب الأمثل في التعامل مع المريض النفسي، أوضح مدير الدار أن البداية تكون بمنحه الثقة والحب، وتقبّل حالته النفسية بتفهّم واحتواء، مع اتباع مبدأ التوازن في التعامل: "لا تكن صلباً فتكسر، ولا ليناً فتمضغ".
وأضاف أن بعض المواقف تتطلب الحزم، خصوصاً فيما يتعلق بالالتزام بتناول الأدوية النفسية، والتي لا ينبغي إيقافها إلا بتحسن ملحوظ في الحالة وبقرار طبي.
وأشار إلى أهمية الاستمرار في الجلسات العلاجية، وتجنّب الحماية المفرطة، مع العمل على شغل وقت فراغ المريض بأنشطة مفيدة، وتشجيعه على مواصلة دراسته أو الانخراط في العمل بحسب قدرته.
كما شدد على ضرورة تجنّب فرض الأوامر، واستبدالها بأسلوب الحوار المنطقي البنّاء، مع التنبيه على عدم الاستجابة لجميع رغباته بشكل دائم، حفاظاً على التوازن النفسي والسلوكي لديه.
وأفاد العبدولي: "في الواقع، هناك العديد من قصص النجاح الملهمة التي تحققت مع المرضى النفسيين المستفيدين من خدمات إدارات الدائرة المختلفة. وسأتطرق إلى نموذجين؛ أحدهما في مركز حماية الطفل والأسرة، والآخر في الدار واحات الرشد.
القصة الأولى تتعلق بطالب كان يعاني من الاكتئاب والوسواس القهري، وقد تم تحويل حالته من خلال قسم خط نجدة الطفل في دائرة الخدمات الاجتماعية، بعد الإبلاغ عن محاولة انتحار. وبالمتابعة، تبين أن لديه سوابق متعددة لمحاولات الانتحار. وبعد إجراء التقييم النفسي له، اتضح أنه يعاني من اضطرابين نفسيين، وبلغت درجته على مقياسي الاكتئاب والوسواس القهري 72 قبل بدء العلاج."
بدأنا بتقديم دعم نفسي متكامل للحالة، مع التركيز على تعديل أفكاره ومعتقداته السلبية تجاه نفسه وتحسين علاقته المنقطعة بوالده. تزامن ذلك مع عقد جلسات توجيه وإرشاد للأسرة، لتعزيز قدرتهم على التعامل معه بطريقة تدعم استقراره النفسي. كما تم إقناع الابن ووالده بأهمية العرض على الطبيب النفسي، والالتزام بالخطة العلاجية الدوائية.
ونتيجة لجودة وتكامل الخدمة العلاجية المقدمة، تحققت نتائج إيجابية ملموسة، حيث تخلص الأبن من أعراض الاكتئاب وأظهر تحسناً ملحوظاً في نظرته للحياة. وقد انعكس ذلك على نتيجة اختبار الاكتئاب التي سجل فيها (58) درجة، ما يدل على انخفاض الأعراض بشكل كبير، كما تراجعت أعراض الوسواس القهري لديه، حيث سجل (62) درجة في مقياس الوسواس، وهي أيضاً دلالة على تحسن واضح في حالته النفسية.
وعلى جانب آخر، عاد الطالب إلى مدرسته بعد فترة من الغيابات المتكررة، ليس فقط ليتابع تعليمه، بل ليتفوّق في المرحلة الثانوية، ويحصل على منحة دراسية لمتابعة دراسته الجامعية، حيث يواصل تعليمه حالياً. كما شهدت حالته الصحية تحسناً ملحوظاً، ما أدى إلى إيقاف العلاج النفسي نتيجة لاستقرار حالته. والأبرز من ذلك، تحسن علاقته بوالده التي كانت تُعد من الأمور المستحيلة سابقاً، نتيجة معاناته من أفكار وسواسية قهرية تجاهه، والتي تلاشت تدريجياً خلال فترة العلاج. وقد تحقق هذا التقدّم في وقت قياسي، رغم تعقّد حالته وتعدد التحديات التي كانت تشير إلى حاجة لوقت أطول للعلاج.
الحالة الثانية لطالبة في المرحلة الثانوية؛ كانت قد أصيبت بمرض الفصام، حيث خضعت للتقييم والتشخيص وتلقت العلاج في دار "واحات الرشد" حتى استقرت حالتها وتحسنت الأعراض الذهانية لديها. واستمرت في العلاج النفسي، وتمت إعادة دمجها مع أسرتها، كما قرر الفريق المختص في المركز دعم عودتها إلى مقاعد الدراسة، حفاظاً على دافع الأمل في حياتها.
وأوضح العبدولي أن هذا القرار كان له الأثر الإيجابي الكبير، إذ استطاعت الفتاة تجاوز أزمتها النفسية وتفوقت دراسياً، حيث أنهت المرحلة الثانوية بنجاح والتحقت بالجامعة، وواصلت دراستها العليا. وخلال هذه الرحلة، تم تقديم الإرشاد المستمر لأسرتها لتمكينهم من فهم طبيعة المرض والتعامل معه بوعي، خاصة في أوقات الأزمات.
والجدير بالذكر، أن دار "واحات الرشد" يستقطب العديد من الحالات عبر قنوات متعددة، سواء من خلال التبليغ عنها أو عبر توجه الأسر مباشرة إلى مقر الدار لطلب الدعم والرعاية، وذلك للأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 59 عاماً.
وتعمل الدار على إعادة دمج هؤلاء الأفراد في المجتمع بعد تأهيلهم وتقديم برامج تدريبية مخصصة.
ويُشكل المصابون بمرض "الفصام" النسبة الأكبر من الحالات؛ وهو اضطراب نفسي يؤثر في التفكير والعاطفة والسلوك، ما يؤدي إلى عزلة المصاب عن أسرته وأصدقائه ومحيطه الدراسي أو الوظيفي. وتوفر الدار خدمات متنوعة تشمل الإيواء الكامل والاستضافة النهارية، ضمن مباني منفصلة للذكور والإناث.