جار التحميل...
يُقدم الدكتور محمد راشد النقبي، الباحث في التراث الإماراتي، خلال الحلقة الرابعة من بودكاست "دفتر الزمان.. حكم وأمثال أهل الإمارات"، مجموعة من الأمثال الجديدة في محاولة لاستكشاف الحكمة العميقة التي تمثل جوهر الثقافة الإماراتية، مشيراً إلى أنه في كل مثل نقدمه نقترب أكثر من روح شعبنا الذي عاش بين الصحراء والبحر، حيث كانت الأمثال مرشداً لهم للتعامل مع تحديات الحياة.
ويضيف النقبي: نقدم اليوم مجموعة أخرى من الأمثال تمثل جوانب مختلفة من الحياة اليومية، ونبدأ بهذا المثل، السح يبغى أخصافه والخبز يبغى أطرافه والريل يبغى لطافه، والسح هو التمر، وأخصافه نوع من السعفيات يخزن فيه التمر، والريل يقصد بها الزوج، ويضرب المثل في إعطاء كل أمر في الحياة ما يستوجب ويستحق من الأشياء الضرورية التي لا بد منها، حتى يحصل بالتالي على النتيجة المرجوة التي يتمناها المرء، وأيضاً مثل: ما يعرف كوعه من بوعه، والكوع: أطول عظمة في اليد التي تلي الإبهام، والبوع العظمة التي تلي إبهام القدم، والمقصود أن هناك أموراً كثيرة نعتقد أنها معروفة وسهلة، وقد نتفاجأ أنا لا نعرفها ونجهل مواقعها، وعلى الرغم من ذلك تكيل الفتاوى ونجتهد بالاجتهادات، وبعدها يتضح أننا لا نعرف شيئاً أي: لا نعرف كوعنا من بوعنا، للدلالة على جهل الشخص.
ويستكمل الأمثال، ما أدري وين طالع الهلال، ويقال للشخص حين يختفي ويظهر فجأة، وهذا المثل يقال لشخص عزيز التقى به صديقه بعد غياب طويل، أو بعد قطيعة بعيدة والعبارة تعتبر دليلاً على الشوق إلى رؤية من فقدناهم أو غابوا عنا زمنا، ومثل أخر يقول: من كل تمرة حمد أمره، بمعنى إن الشخص إذا ما منحه أحد من البشر شيئاً ما، فمن الواجب واللائق أن يشكره ويثني عليه جزاء ما قدم.
ويضيف الدكتور محمد راشد النقبي، مثل آخر: يود مينونك، لا يجيك أجن عنه، والمثل يقول: تمسك بمجنونك، حتى لا يأتيك ويدخل حياتك شيء أكبر من الذي عندك وتريد أن تمتلكه، ويسبب لك الجنون أكثر من الذي هربت منه، فالشر الذي تعرفه أفضل من الجديد الذي لا تعرف مخاطره، ومن كثرت هدرته قلت هيبته، وهدرته تعني كثرة كلامه، ويُضرب المثل في الشخص الذي يوجد غالباً في مجالس ومحافل الناس، ويكثر من الحديث والضحك، والقيل والقال فمن كان هذا طبعه وسيرته وسلوكه ينفر النّاس منه، ويبتعدون عنه، ولا يحبون وجوده أو حضوره بينهم.
ويستكمل النقبي، شرح الأمثال الشعبية لأهل الإمارات إذا بغيت الشي يهون خله ما يكون، بمعنى إذا أردت أن تحد من مشكلة ما تراها كبيرة، أو عويصة، فما عليك إلا أن تعتبرها غير موجودة، ويقال المثل عند مواساة شخص ما في مصيبة أو مشكلة والتهوين عليه، ومثل آخر "اسكن حول الماي ولا تسأل عن الرزق"، ويضرب المثل في أن السكان الذين يسكنون حول المياه العذبة والينابيع وعيون الماء الجارية يكونون سعداء فمنه يشربون ومنه يزرعون الكثير من المحاصيل والثمار لذا من سكن بالقرب من المياه فلا تسأله عن الرزق والخير الذي يحصل عليه، بالإضافة إلى مثل اللي يدور على الورد يصبر على الشوك، ويعني هذا المثل الشخص الذي يتطلع ويسعى للحصول على الشيء الثمين والغالي، أو المال الوفير، أو المنصب والدرجات العالية، فمن رغب في ذلك فعليه بذل الجهد المضاعف وعدم التسرع، حتى يحصل على مبتغاه، فمن يخطب الحسناء لم يغلها المهر.
ويستعرض بودكاست دفتر الزمان، أمثال: اللي ما يخسر ما يربح، ويضرب المثل للتاجر المبتدئ، والذي دخل السوق يريد الربح السريع، ويدعو المثل كل من يقدم على العمل في التجارة أن يتريث الربح، ويجب على الإنسان أن يتعلم من خسارته، ويضم أمثال: الثوب الطويل يتعب صاحبه، وهو مثل يضرب للشخص قليل الخبرة والمعرفة عندما يوضع في عمل أكبر من قدرته ومن حجمه أو معرفته، فيشتكي من صعوبة العمل وعدم القدرة على التكيف والتأقلم، وأيضاً الحزمة أقوى من العود، ويدل المثل على أن الاتحاد قوة ومنعة، وأن مشورة الإخوان والجماعة ورأي الأغلبية أولى وأفضل من رأي شخص واحد، فحزمة الحطب مجتمعة لا يستطيع فرد واحد كسرها.
ويشمل أمثال: حط عباس على دباس، ويُضرب المثل عند اختلاط الأمور والأفكار على الشخص، فلا يدري ماذا يقدم، أو عندما يضع الشيء في غير موضعه الحقيقي المناسب، ومثل آخر يقول من أصبح أفلح، الصباح دائماً فيه الخير والرزق والبركة، وهذا المثل شائع في الخليج فمن أتاه عمل في المساء يقول: "من أصبح أفلح"، أو الصباح رباح، فالصباح فيه سعة في الوقت وقوة في الجسد للعمل، وبالإضافة إلى مع الخيل يا شقرا، وضرب المثل للشخص البليد الذي لا يفكّر ولا يشغل عقله في تدبير الأمور واتخاذ القرارات، فهو دائماً ما يقلّد غيره في الكثير من الأمور سواء كانت سلبية أو إيجابية، وهو يتبع كل فرد في القول والفعل؛ أي: ليست لديه القدرة على اتخاذ قرار فردي وحده، لذا يقال عنه: "مع الخيل يا شقرا".
وتضم الحلقة الرابعة من البودكاست، أمثال: لي فات الفوت ما ينفع الصوت، ويضرب المثل عندما تقع مشكلة أو مصيبة أو فاجعة وتصبح حقيقة، فحينها لا فائدة من الندم والتحسر وكثرة الكلام بكيف وكيف، ولا يسع المرء إلا الرضوخ للواقع، وغالباً ما يتحسر عند فقد عزيز أو مال أو منصب، والذهب زينة وخزينة، وقديمك نديمك لو يديدك أغناك، ونديمك تعني ملازمك، ويقال المثل للحث على التمسك بالعادات والتقاليد الموروثة التي سار عليها الأجداد وتمسك بها الآباء عبر السنين.
ويضيف الدكتور محمد راشد النقبي، الباحث في التراث الإماراتي، أمثال: ما توقف الذبابة على خشمه، وهو مثل يقال للشخص المتعالي المُتكبر الذي يرى نفسه أفضل البشر، الذي قد أصابه الغرور وأعماه النظر إلى البسطاء، حتى إن الذبابة لا تجد لها طريقاً إلى أنفه لجبروته، ويستكمل منك الحركة وعلى الله البركة، ويضرب المثل ويقال عند المبادرة للبحث عن العمل وترك البركة على الله.
ويختتم النقبي حديثه بأمثال الزهوة على الشاة المربوطة، والزهوة تعني اللوم، ويُضرب المثل عندما لا يقدر شخص على إنجاز مهمة معينة فيرجع السبب في ذلك إلى شيء ليس له علاقة بالموضوع، وأيضاً مذهب القماط قبل الولد، مذهب تعني مجهز، والقماط: قطعة من القماش يُلف فيها المولود الجديد، ويحث المثل المرء على عدم استباق الأمور والأحداث قبل وقوعها، مضيفاً أن الأمثال الشعبية تعتبر مخزناً يحتوي داخله الكثير من العبر والحكم التي يمكن استخلاصها من كلماتها المختارة بعناية والاستعانة بها في كثير من المواقف الحياتية اليومية، وقد شكلت نبعاً نهل منه أجدادنا وآباؤنا ما طاب لهم منه، يستعينون به في توجيه وتربية أبنائهم وأفراد مجتمعهم.