الشارقة 24:
استضاف النادي الثقافي العربي في الشارقة، مساء السبت، الدكتور أمحمد صافي المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية في الشارقة، في محاضرة ثقافية رمضاينة بعنوان "من أسرار آيات الصيام في القرآن الكريم"، أدارها الباحث اللغوي د. محمد الأمين السملالي، الذي قال إن الدكتور المستغانمي معروف بتخصصه في دراسة أسلوب القرآن وبتأملاته الثاقبة في أنساقه العجيبة ولغته المعجزة، وذلك عبر دراساته والبرامج التي يقدمها في تلفزيون الشارقة على مدى سنوات.
وقال د. أ محمد صافي إن حدثيه سوف ينصب على دلالات آيات الصيام من سورة البقرة، وأشار إلى أنه لا بد في دراسة أي آيات من القرآن أن ننظر إلى سياقها الذي وردت فيه، فلا يمكن فهم دلالة آية أو آيات وارتباطاتها المختلفة وأوجه إعجازها ما لم ننظر إليها في سياقها، وبناء على ذلك فإن آيات الصيام الواردة البقرة وهي:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)).
هذه الآيات وردت في سياق خاص بين مجموعة من الآيات التي ركزت على مقاصد الشريعة الخمس وهي "حفظ الدين وحفظ العقل وحفظ النفس وحفظ المال وحفظ النسب"، فسبقتها آية البر (ليْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)) التي تتعلق بحفظ الدين، ثم آية القصاص (كتب عليكم القصاص في القتلى) التي تتعلق بحفظ النفس، ثم آية الوصية (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) التي تتعلق بحفظ المال ثم رجع مع آيات الصوم إلى حفظ الدين لقوله "لعلكم تتقون".
وأضاف المستغانمي أن آيات الصوم جاءت بأسلوب قصد به التخفيف والتيسير، فاستهلت بـ (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)، ليفهم المسلمون أنهم لم يكون وحدهم هم الذين فرض عليهم الصوم، بل كل الأمم التي سبقتهم فرض عليها، ثم ذكرت (أيام معدودات) ولم يذكر "شهر" على سبيل تبسيطها، ثم ذكر أصحاب الأعذار الذين يجوز لهم الإفطار تخفيفاً عليهم، ثم أعقب ذلك بقوله (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، وهكذا تسير الآيات على هذا النمط من التخفيف إلى آخرها، حتى يكتمل الفرض ويستقر في عقل المسلم على أنها عبادة خفيفة أريد بها بلوغ المؤمن أقصى مراتب الإيمان وهي التقوى.
وخلص المستغانمي إلى أن أمر التخفيف والتيسير لا يقتصر فقط على فريضة الصيام وآياتها، بل إن كل شريعة الإسلام منية على أمر التخفيف والتيسير على المسلم، ومأخوذ فيها بالرفق والوسع، (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، فكل ما يجهد الإنسان ويبلغه أقصى طاقته لا يكلف به المؤمن، فالشريعة كلها رحمة ونعمة، وذلك من يمكن أن نستشفه بوضوح من التأمل في القرآن والحديث، وفي أحكام قصر الصلاة ووضع الزكاة عمن لا يبلغ ماله النصاب والحج عمن لا يستطيعه.
وختم المستغانمي بدعوة الجمهور إلى قراءة القرآن وتأمل آياته ففيه العجب والإعجاز فهو "لا يَخلَقُ عن كثرةِ الرَّدِّ، ولا تنقضي عجائبُه، ولا يَشبعُ منه العلماءُ".