جار التحميل...
هي أصوات تأتيك من الماضي، لكنها لا تزال نابضة بالحياة، كأنها وليدة اليوم، فتطرق في النفوس على نواقيس الذكريات لتأخذك معها إلى زمان الأجداد، فتضعك تارة على قارب مبحر في أعماق البحر تاركة ورائها ذكريات المحبوب، ولهفة المشتاقين، أو إلى البوادي البعيدة، حيث الرمال الذهبية، وتلك الخيام التي لا تزال منصوبة في أعماق الضمير الإنساني المحلي.
كل هذه الصور تزدحم في ذهنك وأنت تتابع الحركات الرشيقة التي تؤديها فرقة "النوبان" الإماراتية التي يديرها طاهر إسماعيل ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية، والتي تختلط فيها أصواتهم بنغمات الآلات الشعبية الإيقاعية مثل "الراس، والواسط، والشيمبوّه"، ثم "المنجور" المصنوع من أظافر الماعز، الذي يرتديه أحد أعضاء الفرقة "على شكل تنورة"، فيحدث نغمة متميزة نتيجة حركته الاهتزازية المتناسقة.
"جبروني على الله يا ناس ما رحموني"، و"يامحبوبي سافر الموجة"، و"شاشا نوبا سرا بليل"، و"إي والله نوبا سرا بليل" هي بعض مجموعات الأغاني التي تؤديها الفرقة الشعبية الإماراتية، والتي تحكي بمجموعها مشاعر الحب، واللهفة، والحنين، والثقة بالنفس، والتوكل، ومواجهة الصعاب، والتحلي بالأمل، وهي صفات تميز الإنسان الإماراتي القديم، وتنقل بين الأجيال محبة وتواصلاً مع ماضيهم الجميل.
الحركات الإيقاعية التي تحاكي حركات البحارة أو "النواخذة" في اللهجة الشعبية المحلية الإماراتية، كان من أهم ما يميز الرقصات الفنية للفرقة، وقد أضاف اللباس الشعبي الرجالي والنسوي، رونقاً مضاعفاً للأداء، حتى جعلت الزائر لفعاليات أيام الشارقة التراثية يشعر أن هؤلاء الفنانين يحاكون الموج ليعرفوا أسراره، ويكتبون ذكرياتهم على أشرعة السفن، لتبقى شواهد حية على تاريخ كبير، وتراث متفرد.
من بعيد، يجتذبك إيقاع الطبل الذي يدوي في أرجاء ساحة فعاليات أيام الشارقة التراثية، ويتردد صداه طرباً بين الجمهور، ثم يأتي دور المزمار ليضيف لمسته الفنية التي لا تجدها في غير اللوحات الفنية المصرية الشهيرة، فيأخذك إلى أقاصي الأرياف والبوادي بكل تفاصيلها وشخوصها وثقافتها وبصمتها الفنية الشعبية المصرية المتفردة.
أزياء تراثية فضفاضة لا تزال شائعة إلى اليوم في الجنوب المصري هي ما يميز لباس أعضاء فرقة "ليالي محظوظ" التي يديرها صابر البنا، هذه الفرقة تضم تشكيلة يجمعها حب التراث، ويميز أعضائها تفاوت فئاتهم العمرية، وكأن عملها صنعة يحرص من يزاولها على أن يجعلها حية وقادرة على الانتقال بين الأجيال بكل موروثها الفني، ونمطها الثقافي الشعبي.
فقرات متنوعة أثارت حماس الجمهور الذي أحاط بمنصة عرض الفرقة الفنية المصرية التي أجادت تقديم فقراتها بحركاتها التي يمكن متابعتها من جميع جوانب المسرح دون الحاجة إلى الوقوف في الجهة المقابلة للمنصة، وكان لفقرة "الحصان" التراثية التي تستلزم قيام اثنين من أعضاء الفرقة بتأدية دوره الفني التراثي أثراً كبيراً في تفاعل الجميع، لا سيما الأطفال الزائرين الذين جروا وراء الحصان بعد نهاية الفقرة، لمعرفة سر من يختفي وراء بدلته الشهيرة.
فقرات أخرى اطلع عليها جمهور أيام الشارقة التراثية أعادتهم إلى أجواء المناسبات الشعبية المصرية العريقة، كفقرة "التنورة" التي تحاكي رقص الدروايش، وتسمى رقصة "المولوي" المعروفة شعبياً برقصة "الملوي" وهي الرقصة الأشهر في المناسبات الدينية لا سيما أيام الموالد، وتتطلب مهارة فائقة على التوازن والثبات وقدرة على تحريك "التنورة" خلال الحركة اللولبية المتسارعة التي يؤديها الفنان.
ولكي يكتمل المشهد الفني التراثي الشعبي كان لا بد من تنفيذ فقرتين أخريين، الأولى: "رقصة العصاية" التي ترمز الى الفتوة والقوة وتحاكي زمان الحارات الشعبية المصرية القديمة، ورقصة "الزفة" بالطبل والمزمار أو "الزمّار" كما يسمى في اللهجة الشعبية المصرية، حيث ألقيت مجموعة من الأناشيد الشعبية المرافقة التي نشرت الفرح والبهجة، وهو ما أسهم في منح الزائرين متعة مضاعفة وتجربة لا تنسى.