في جلسة نقاشية بعنوان "هوية المدينة" نظمتها هيئة الشارقة للكتاب ضمن برنامج فعاليات "الشارقة ضيف شرف معرض سالونيك الدولي للكتاب 2024"، أكد الشيخ سلطان بن سعود القاسمي، عضو لجنة المحافظة على التراث في الإمارات، وعضو مجلس أمناء الجامعة الأميركية في الشارقة، أن هوية المدينة لا تقتصر على الجوانب التي تعكس التراث والثقافة والعمارة والمعالم الأثرية والدينية والثقافية فحسب، وإنما تشمل الذاكرة الجمعية للمكان المرتبطة بهوية الإنسان وثقافته.
الشارقة 24:
أكد الشيخ سلطان بن سعود القاسمي، عضو لجنة المحافظة على التراث في الإمارات، وعضو مجلس أمناء الجامعة الأميركية في الشارقة، أن هوية المدينة لا تقتصر على الجوانب التي تعكس التراث والثقافة والعمارة والمعالم الأثرية والدينية والثقافية فحسب، وإنما تشمل الذاكرة الجمعية للمكان المرتبطة بهوية الإنسان وثقافته.
جاء ذلك في جلسة نقاشية بعنوان "هوية المدينة" نظمتها "هيئة الشارقة للكتاب" ضمن برنامج فعاليات "الشارقة ضيف شرف معرض سالونيك الدولي للكتاب 2024" في جناح الإمارة المشارك في المعرض، تحدث خلالها نيكوس فاتوبولوس، أستاذ بجامعة سالونيك، ومهندس نقل ورئيس مجلس مدينة سالونيك، وأدارتها كاترينا تسابيكيذو، مديرة هيئة العلاقات الخارجية بسالونيك في وزارة الخارجية اليونانية.
وحول الأسباب التي ألهمته لتأليف كتاب "بناء الشارقة"، قال الشيخ سلطان بن سعود القاسمي:" أردت أن أتحدث عن تاريخ إمارة الشارقة، لأنني أجد في الشارقة تركيزاً وتكثيفاً لتاريخ منطقة الخليج، فالكثير من أوائل الأشياء بدأت في الشارقة منها الصحافة، والمباني البلدية، والمطار، والبريد، وغيرها، واستغرق مشروع هذا الكتاب 5 سنوات من العمل، وذلك لأن الشارقة شهدت الكثير من المهاجرين الأوائل، وما يزيد الأمر تعقيداً وصعوبة هو أن كُلّاً منهم كان يأخذ وثائقه وصوره وبياناته معه، حين يرحل من الشارقة، ومع هذا استطعت الحصول على مجموعة من الصور والوثائق التي تُعرض للمرة الأول في هذا الكتاب".
وأضاف: "يشكّل هذا الكتاب ثمرة لجهود 17 كاتباً، ويوثّق لـ 16 مشروعاً بنائياً في الشارقة، منها مبنى للسينما في الشارقة، الذي كان يضم مطعماً صينياً، بما يعكس التنوع الثقافي الحي في الشارقة منذ ستينيات القرن الماضي، ويتضمن مجموعة من الصور التي تطلّبت منا السفر إلى دول بعيدة في جميع قارات العالم للحصول عليها، منها صورة للطبق الطائر، التي حصلت عليها من أستراليا، وكانت من شخص عمل في صيانة المبنى، مع أن الصورة بحد ذاتها لم تكن هدفنا، ولم نرد أن نعرض صورة الطبق الطائر في المقام الأول، ولكن أردنا أن نروي حكايته، ولهذا استعنا بكاتب متخصص بالروايات الخيالية، وطلبنا منه أن يكتب رواية خيالية حول مبنى الطبق الطائر، وبهذه الطريقة أحيينا هذا المبنى، لنصبح أول من استخدم الحكاية الفانتازية في توثيق المباني العمرانية".
وعرض القاسمي صورة لمبنى بريد الشارقة، مشيراً إلى أن شركة "دار الهندسة" اللبنانية، هي التي صممت مبنى البريد في الشارقة، وجاء تصميمها بصورة جميلة حيث احتوى المبنى على تجسيدات معمارية على شكل طائر، وفي الوقت نفسه قدّم الهوية الإسلامية للمبنى.
وعرض صورة لمبنى تجاري وسكني في شارع إبراهيم المدفع في الشارقة جاء تصميمه على يد المهندس اليوناني الكساندرويس تومبادس، مؤكداً أن هذا المبنى وغيره يشكّل تجسيداً للعلاقات بين الشارقة واليونان، ونوه بأن "شركة آركادينيون" اليونانية عملت على تطوير "ميناء الشارقة".
كيف يمكن البناء في الصحراء؟
وحول فكرة البناء في الصحراء، قال القاسمي: "هنالك فكرة سائدة أن الشارقة صحراوية بالكامل، وهذا غير صحيح، فالشارقة تضم مناطق واحات، ومناطق جبلية، بالإضافة إلى الصحراء، وهذا يجعل من عملية البناء مختلفة حسب المكان، ويشكّل الميناء أحد مراكز المدينة، وتتوزع على امتداده المباني التجارية والسكنية، حيث شُيِّدَت مبان سكنية باستخدام المرجان قبل 300 و400 سنة، أما في المناطق الجبلية، فكانوا يستخدمون الحجر والصخر، وبفضل التجارة، اُسْتُورِد خشب التيك البورمي الذي يعرف باسم خشب الساج، وهذا الخشب يتميز بمتانته وصلابته وطول عمر استخدامه، حيث يمكن توارثه لأجيال".
وأشار الشيخ سلطان إلى أن الشارقة تحتوي أقدم مطار في دولة الإمارات، والذي أنشأه الإنجليز في العشرينيات من القرن الماضي، وهو المبنى الأول الذي يحتوي على عدة مواد من البناء، مثل الطين والمرجان، بالإضافة إلى الإسمنت والألمنيوم والزجاج، وربما هو المبنى الأول في الخليج الذي يستخدم كل هذه المواد معاً، لافتاً إلى تحويله إلى "متحف المحطة".
وفي إشارة إلى التزام القيادة الرشيدة في الارتقاء بمسيرة التنمية مع الحفاظ على الهوية والتراث الثقافي والإرث العمراني، أكد أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، عمل شخصياً على رسم وتصميم "مطار الشارقة الدولي" الحالي، الذي طُوِّر بالتعاون مع شركة "هاليكرو" البريطانية.
من جانبه، نوّه نيكوس فاتوبولوس، مؤلف كتاب "السير في أثينا"، إلى أن ارتباط النشاط الأدبي بالسرديات الأوسع لأثينا الحديثة، وطابعها الحضري الذي جُمِّع من خلال طبقات ثقافية متعددة، ينعكس في هذا الكتاب، موجهاً دعوة إلى التآخي بين الشارقة وسالونيك، وأشار إلى ضرورة التواصل والتعاون مع الإمارة في مختلف المجالات.
وأضاف: "تقود الشارقة جهود بناء العلاقات الإماراتية والعربية مع اليونان، وذلك من خلال العمارة والفن والأدب والثقافة، ويجدر التنويه بأن مدينة سالونيك اليونانية كانت تستضيف الكثير من الثقافات، وأنها تحررت من الاحتلال العثماني منذ قرن تقريباً، ومنذ ذلك الوقت ظلت تبحث عن هويتها الثقافية، لكن التنوع الثقافي للمجتمع شكّل ما يشبه الفسيفساء في هوية المدينة على مختلف المستويات".
واستعرض نيكوس فاتوبولوس بعض المحطات التاريخية التي مرت بها مدينة سالونيك، والتي شكّلت معالم من الصورة العمرانية للمدينة، مشيراً إلى أنها عاصمة السينما في اليونان، وسلط الضوء على عدد من التحديات المتعلقة ببناء شبكة المترو والحفريات، وذلك عائد إلى طبقات التراث العمراني المدفون في أرض سالونيك، فهناك الطبقة العثمانية، والبيزنطية، والرومانية، وغيرها من آثار الحضارات التي مرت على المدينة، وشكّلت جزءاً من هويتها.
وحول البيئة الطبيعية ودورها في تشكيل هوية المدن، أشار إلى الصحراء في إمارة الشارقة وما تمثله من مصدر للتأمل والهدوء، وما تشكله من منطلق للمبدعين والفنانين والمعماريين، وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على هوية المدن، لافتاً إلى أن حضور الشارقة العالمي الكبير على المستوى الثقافي يجعل منها عاصمة الثقافة في دولة الإمارات والعالم العربي.