تحتفي جائزة إيكروم-الشارقة للممارسات الجيدة بحفظ وحماية التراث الثقافي في المنطقة العربية، بمرور 7 أعوام على انطلاقتها، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، داعية في الوقت نفسه، إلى المشاركة في النسخة الحالية من الجائزة التي تستقبل الترشيحات حتى 1 يونيو المقبل.
الشارقة 24:
يمثل التراث الثقافي ذاكرتنا الجماعية، ويعكس تنوع التجارب الإنسانية عبر العصور، ويشمل هذا المفهوم، التراث الملموس وغير الملموس، بما في ذلك الصروح التاريخية، والمواقع الأثرية، والمنتجات التقليدية اليدوية، والتقاليد المتوارثة، والموسيقى التراثية، والرقص الفلكلوري، وما إلى ذلك.
وضمن هذا السياق، أصبح الحفاظ على التراث الثقافي اليوم، أمراً حيوياً وأساسياً ضمن الجهود الرامية إلى تعزيز الشعور بالهوية والانتماء، والمساهمة في تعزيز التفاهم والتلاقي بين الثقافات، ونقل المعرفة إلى الأجيال القادمة، إضافة إلى المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، ناهيك عن دعم خطط الترويج السياحي والتنمية المستدامة ضمن المجتمع.
مع ذلك، يواجه التراث اليوم، وخاصة في المنطقة العربية، العديد من التحديات، مثل الكوارث، والحروب والنزاعات المسلحة، والتوجهات الحديثة نحو التحضر، وتغير المناخ، ناهيك عن أعمال السرقة والاتجار غير المشروع بالقطع الأثرية، وفي بعض الأحيان الإهمال أو افتقار المعرفة الكافية للحفاظ على هذا التراث.
وبالنظر إلى كل هذه التحديات والمخاطر التي تحيط بالتراث الثقافي في المنطقة العربية، ازدادت الحاجة لضرورة التعريف به، وتسليط الضوء على التجارب النموذجية الناجحة، والاحتفاء بالمشاريع الاستثنائية التي تهدف للحفاظ على هذا التراث وتتبنى الابتكار والاستدامة والمشاركة المجتمعية كمفاهيم أساسية في تنفيذها، والتي تزيد الوعي حول أهمية التراث وتأثيره على حياة الناس ورفاهيتهم، وتمثل هذه المشاريع، التي تتماشى مع المعايير الدولية، بالمحصلة مبادرات نموذجية مهمة يحتذى بها في المنطقة.
من هنا تبرز أهمية جائزة إيكروم-الشارقة للممارسات الجيدة في حفظ وحماية التراث الثقافي في المنطقة العربية، وهي الجائزة المرموقة والأولى من نوعها في المنطقة، والتي يرعاها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، كمنصة مهمة تعمل على تكريم المشاريع والأفراد الذين قدموا مساهمات ملحوظة في مجال صون وحماية التراث الثقافي في المنطقة العربية، ودعم التواصل بين الشبكات المخصصة للحفاظ على هذا التراث، وحشد جهود الأفراد والمجتمعات والمنظمات في سبيل الحفاظ على تراثنا الثقافي الغني.
وهذا ما تؤكده المديرة العامة لمنظمة "إيكروم" أرونا فرانشيسكا ماريا جوجرال، التي توضح في تصريح لها عن الجائزة، لقد تركت جائزة إيكروم الشارقة، أثراً دائماً في مجال الحفاظ على التراث الثقافي، ومن خلال تمكين الشبكات، وتعزيز التعاون الإقليمي، والمساهمة في التنمية المستدامة، أصبحت هذه الجائزة بمثابة منارة أمل لأولئك المعنيين بالحفاظ على تراثنا الثقافي المشترك وتحسين حياة المجتمعات المحلية، وتضيف تعتبر قصص النجاح للمشاريع التي تدعمها جائزة إيكروم الشارقة بمثابة مصدر إلهام وتحفيز للآخرين للانضمام إلى هذه المهمة، ومع استمرار الجائزة في النمو والتطور، سيكون إرثها الدائم هو الحفاظ على تراثنا الثقافي المتنوع للأجيال القادمة.
منصة لتبادل المعرفة والتشبيك
وفي لقاء خاص مع المعمارية شيرين ساحوري مديرة مشاريع التنمية والتطوير في مركز إيكروم الإقليمي في الشارقة، بمناسبة الإعلان عن تمديد الموعد النهائي لاستلام الترشيحات للجائزة حتى الأول من شهر يونيو المقبل، تتحدث بإسهاب عن هذه الجائزة التي انطلقت للمرة الأولى قبل سبعة أعوام، وتستهل حديثها بالتأكيد بداية على أهمية الجائزة على الصعيدين المحلي والإقليمي، وأن هذه الجائزة هي الأولى من نوعها في المنطقة، وتستهدف التراث المادي وغير المادي في المنطقة العربية، في رسالة واضحة تؤكد على أهمية الحفاظ على هذا التراث وصونه للأجيال القادمة.
وتضيف ساحوري، من خلال عرض المبادرات الجيدة وتكريمها، تلهم الجائزة الجهات والمؤسسات المعنية بالحفاظ على الإرث الثقافي لتطبيق مقاربات مشابهة في بلدانهم، وتحفز الآخرين على اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تستجيب للاحتياجات الآنية والمستقبلية، مما يخلق تأثيراً مضاعفاً يعزز شبكة الأفراد والمنظمات المشاركة في الحفاظ على التراث الثقافي في المنطقة العربية.
وتتابع شيرين ساحوري قائلة: لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالجائزة تعمل أيضاً، من خلال الجمع بين الأطراف في المنطقة العربية كمنصة لتبادل المعرفة والتعاون، مما يمكّن المستفيدين من التعلم من تجارب بعضهم البعض والتعرف على أفضل الممارسات في المنطقة، ولا شك أن هذا النهج التعاوني يشجع على تبادل الموارد والخبرات والتقنيات، مما يؤدي إلى جهود حفظ أكثر فعالية واستدامة من جهة، وحافز كبير للاستمرار في العمل وتطبيق مشاريع جديدة أكثر امتداداُ وشموليةً في المنطقة.
ويتفق المهندس علاء الحبشي، أستاذ العمارة والحفاظ على التراث في جامعة المنوفية في جمهورية مصر العربية، وأحد الحاصلين على جائزة إيكروم الشارقة في دوراتها السابقة عن مشروع ترميم وإعادة تأهيل بيت يكن في القاهرة، مع ما تتحدث عنه المهندسة ساحوري، ويضيف في تصريح له حول أهمية الحصول على هذه الجائزة، بعد أن أرسينا المبادئ التي تعتمد على أهمية التراث كوسيلة لإرساء هوية معمارية وعمرانية بهدف تحقيق التنمية المستدامة، وطبقنا هذه المبادئ في مشروع ترميم وإعادة تأهيل بيت يكن في القاهرة، بدأنا نتلقى الجوائز، وواحدة من أهم هذه الجوائز كانت جائزة إيكروم الشارقة، التي حصلنا عليها بسبب استخدامنا للمواد البيئية في الموقع وتفاعلنا مع المجتمع، لقد دفعتنا هذه الجائزة للاستمرار في العطاء مع المجتمع وتفعيل نشاطات ومبادرات بيئية أخرى.
ومن نقاط القوة الرئيسة أيضاً لجائزة إيكروم-الشارقة، وفقاً للمهندسة ساحوري، هي قدرتها على تمكين الشبكات المعنية بالحفاظ على التراث الثقافي، فمن خلال الاعتراف بالمشاريع الاستثنائية ودعمها، لا توفر الجائزة منصة لعرض الإنجازات فحسب، بل تعمل أيضاً على تعزيز الروابط بين الأفراد والمنظمات ذات التفكير المماثل وتشكيل أساس لشبكة إقليمية تتجاوز الحدود والثقافات، مما يتيح التعاون وتبادل الأفكار.
وتضيف ضمن هذا الإطار، أنه من خلال هذه الشبكة، يمكن للأفراد والمنظمات تبادل المعرفة والخبرة والموارد، مما يخلق قوة جماعية تعمل على زيادة تأثير جهود الحفاظ على التراث، ومن خلال تمكين هذه الشبكات، تساهم جائزة إيكروم الشارقة في بناء مجتمع قوي ومرن مكرس لحماية تراثنا الثقافي المشترك.
7 أعوام من الاحتفاء بالتراث الثقافي
بالعودة إلى تاريخ الجائزة، فالبداية كانت في عام 2017، عندما أطلق مركز إيكروم الإقليمي في الشارقة، النسخة الأول من هذه الجائزة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إيكروم هي منظمة حكومية دولية، يقع مقرها الرئيس في العاصمة الإيطالية روما، وتعمل في خدمة الدول الأعضاء الـ137، على تعزيز عملية صون وإعادة التأهيل لكافة أنواع التراث في كل منطقة من العالم.
وتعمل هذه المنظمة، وفقاً لموقعها الرسمي على الإنترنت، انطلاقاً من روح البيان العالمي لمنظمة اليونسكو في عام 2001 حول التنوع الثقافي، والذي ينص على احترام تنوع الثقافات، والتسامح، والحوار والتعاون، في جو من الثقة والتفاهم المتبادلين، وهي تعتبر من أهم الضمانات لاستتباب السلام والأمن في العالم.
أما مركز إيكروم الإقليمي في الشارقة، فقد فتح أبوابه رسمياً في عام 2012، بفضل الدعم الكبير والرعاية الكريمة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وأثبت المركز منذ ذلك الحين التزامه في إنجاز المهمة التي تضطلع بها المنظمة في المنطقة العربية، من خلال علاقته الوثيقة مع أصحاب المصلحة والمعنيين، والاستفادة من آليات التعاون الإقليمي والمشاركة المجتمعية في منطقة مليئة بالمخاطر، لكنها أيضاً مليئة بالفرص المهمة.
ووفقاً للموقع الرسمي للمركز، أصبح فرع المنظمة في دولة الإمارات العربية المتحدة، قوة مهمة للدفاع عن التراث الثقافي، وتقديم الدعم اللوجيستي والعملياتي المهم لعمل مركز إيكروم في المنطقة العربية.
ولا شك أن جائزة إيكروم-الشارقة، ومن خلال جهودها على مدى سبعة أعوام في تكريم المشاريع التي تهدف للحفاظ على التراث الثقافي في المنطقة العربية، تقدم دليلاً ملموساً على جديتها في الدفاع عن هذا التراث والاحتفاء به، ولا يختلف أحد على أن المنطقة العربية في حاجة ماسة لمثل هذه الجهود الجماعية والفعاليات التي تعطي كل ذي حق حقه، وتمنح شرف التكريم لأشخاص ومؤسسات لطالما عملوا وبذلوا جهوداً كبيرة في الدفاع عن التراث الثقافي دون أن يلاحظ عملهم أحد.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ إن الحفاظ على التراث الثقافي وفقاً للمديرة العامة لمنظمة إيكروم، أرونا فرانشيسكا ماريا جوجرال، هو مسعى عالمي يتطلب تعاوناً دولياً وإقليمياً متواصلاً، وضمن هذا الإطار تلعب جائزة إيكروم-الشارقة، كما تقول، دوراً حاسماً في تعزيز هذا التعاون من خلال الجمع بين الأفراد والمنظمات والحكومات من مختلف أنحاء العالم، ومن خلال الجوائز، تتاح للمتلقين الفرصة للتواصل مع الخبراء وصانعي السياسات والممولين الذين يمكنهم المساهمة في دعم مشاريعهم المستقبلية، ولا يؤدي هذا التعاون الدولي إلى تعزيز الموارد التقنية والمالية المتاحة فحسب، بل يعزز أيضاً التبادل الثقافي والتفاهم.
تراثنا مستقبلنا
يتفق الجميع اليوم، على أن الحفاظ على التراث الثقافي لا يقتصر فقط على حماية الماضي؛ بل يتعلق الأمر أيضاً بتشكيل المستقبل، ويبدو هذا الأمر أكثر وضوحاً وصراحةً في عمل منظمة إيكروم اليوم، بعد أن أطلقت منذ أيام حملة كبيرة للتعريف بالهوية البصرية والرؤية المستقبلية الجديدة للمنظمة، والتي حملت شعار "تراثنا مستقبلنا" كعنوان عريض ووجهة رئيسة للمنظمة خلال المرحلة المقبلة.
ولا تبتعد جائزة إيكروم-الشارقة بالأساس عن هذه الرؤية، إذ لطالما سلطت الجائزة الضوء على الصلة القوية بين الحفاظ على التراث الثقافي والتنمية المستدامة.
وتؤكد المديرة العامة للمنظمة، على هذه الرؤية بالقول: من خلال دعم المشاريع التي تدمج الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، تساهم الجائزة في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، فعلى سبيل المثال، تعمل المشاريع التي تعزز المشاركة المجتمعية وبناء القدرات على تمكين المجتمعات المحلية وخلق فرص للنمو الاقتصادي.
وتضيف أنه علاوة على ذلك، فإن المشاريع التي تتضمن ممارسات مستدامة في الترميم والحفظ تساهم في الاستدامة البيئية وتخلق فرص عمل حالية ومستقبلية لسكان المنطقة المحيطة بالمشروع، أو حتى للمدينة أو البلد بشكل عام، وبالتالي فإن جائزة إيكروم-الشارقة، تعمل بمثابة حافز للتنمية المستدامة، مع التركيز على أهمية التراث الثقافي في تشكيل مستقبل أفضل للجميع.
ويمكن تلمس هذا الأمر ورؤية تأثير جائزة إيكروم-الشارقة على مستقبل التراث الثقافي في المنطقة، من خلال قصص نجاح المشاريع التي حصلت على التقدير والدعم بعد فوزها بالجائزة.
أحد هذه المشاريع على سبيل المثال، هو ترميم سوق السقطية في مدينة حلب التاريخية في سوريا، الذي تعرض لأضرار جسيمة نتيجة للصراع المدمر الذي شهدته المدينة، ومن خلال جائزة إيكروم-الشارقة، حصل المشروع على مساعدة مالية وخبرة فنية، وتم تسليط الضوء عليه بشكل مباشر على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ومكّن هذا الدعم، جهود الترميم من اكتساب الزخم، وجذب المزيد من الاهتمام والتمويل والخبرة كنتيجة طبيعية للتكريم الذي حصل عليه بعد الإعلان عن فوزه بالجائزة، وفقاً للمهندسة ساحوري، التي تضيف اليوم، يعد ترميم سوق السقطية في حلب بمثابة نموذج يحتذى به ورمز للأمل والصمود في مواجهة الدمار الذي يتعرض له التراث الثقافي في المنطقة، بل إن فوز المشروع بالجائزة تحول اليوم إلى حافز دفع مشاريع أخرى في البلد نفسه والمنطقة كلها للترشح للجائزة في دورتها الحالية أسوة بالنجاح الذي حققه، مما يدل على تأثير جائزة إيكروم-الشارقة، والقوة الناعمة التي بدأت تشكلها في دعم التراث الثقافي في المنطقة.
ومع استمرار جائزة إيكروم-الشارقة، في إحداث تأثير كبير على الحفاظ على التراث الثقافي، فإن المستقبل يحمل إمكانات هائلة لمزيد من التوسع والانتشار، وقد اكتسبت الجائزة بالفعل اعترافاً ودعماً دولياً وإقليمياً، حيث وصلت طلبات الترشح للجائزة، خلال دوراتها السابقة، من جميع أنحاء المنطقة العربية تقريباً.
ومع تزايد الوعي والتقدير للتراث الثقافي، تستعد جائزة إيكروم-الشارقة لتصبح المنصة الإقليمية الرائدة في المنطقة التي تحتفي وتدعم المشاريع والأفراد المتميزين، ولن يؤدي هذا التوسع إلى تعزيز شبكة الحفاظ على التراث الثقافي فحسب، بل سيعزز أيضاً المزيد من التعاون والابتكار في هذا المجال.
وتختم المهندسة شيرين ساحوري حوارها، بالتأكيد على أهمية المشاركة في النسخة الحالية من الجائزة، قائلة: بينما نقترب من الوصول إلى الموعد النهائي لاستلام الترشيحات للدورة الحالية من جائزة إيكروم-الشارقة للممارسات الجيدة في حفظ وحماية التراث الثقافي في المنطقة العربية، أدعو جميع المؤسسات والجهات والأفراد العاملين في مجال صون وحماية التراث الثقافي للمسارعة بالمشاركة في الجائزة واستكمال جميع المعلومات والوثائق المطلوبة وإرسالها للمركز الإقليمي لمنظمة إيكروم في الشارقة، نظراً لأهمية هذه المشاركة، وأهمية الحصول على هذه الجائزة للتعريف بإنجازاتهم ومشاريعهم الاستثنائية في المنطقة.
وبعد مرور سبعة أعوام على انطلاقها في عام 2017، تحولت جائزة إيكروم-الشارقة اليوم، وهي منشغلة في استقبال الترشيحات للدورة الرابعة منها، إلى قبلة مهمة وتقدير استثنائي يتطلع للحصول عليه كل العاملين والمعنيين بالحفاظ على التراث الثقافي في كل أنحاء المنطقة العربية، ومن خلال تأثيرها على تمكين الشبكات، وتعزيز التعاون الدولي، والمساهمة في التنمية المستدامة، وضعت هذه الجائزة بصمة لا تمحى ضمن الجهود الرامية لحماية تراثنا الثقافي المشترك والحفاظ عليه للأجيال القادمة في المستقبل.