قدم أحمد إسلمُ أبي، الباحث في الدراسات اللغوية وتاريخ الثقافة، أمسية ثقافية بعنوان "اللهجات العربية بين الحاضر والماضي"، وأوضح أبي في الأمسية التي عقدت في النادي الثقافي العربي في الشارقة، أن استمرار اللهجات في البيئات العربية منذ الجاهلية إلى اليوم يظهر أن اللهجات العربية ظلت حية، ومنتقلة بين البيئات العربية ومتفاعلة مع الفصحى، وأنها لم تنقطع عبر تاريخها الطويل.
الشارقة 24:
نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة، أمسية ثقافية بعنوان "اللهجات العربية بين الحاضر والماضي"، قدمها أحمد إسلمُ أبي، الباحث في الدراسات اللغوية وتاريخ الثقافة، وأدارها يوسف الغضبان، وذلك بحضور الدكتور عمر عبد العزيز رئيس مجلس إدارة النادي، وعدد من الباحثين والمهتمين بمجال اللغة والثقافة.
وفي افتتاحه للجلسة قال يوسف الغضبان إن اللهجات العربية شكلت على مر تاريخ العرب روافد لا تنضب للغة العربية الفصحى، فكانت ترفدها بالكلمات والعبارات والاشتقاقات التي تجدد دماءها وتبعث فيها الروح وترتقي بها، مضيفاً أنها تحتاج إلى دراسات معمقة تقف على مجالات رفد تلك اللهجات للغة الفصحى، وأوضح أن الباحث أحمد إسلم أبي حاصل على الماجستير في الدراسات اللغوية ويحضّر للدكتوراه في مجال اللغويات، وكذلك حاصل إجازات وشهادات عليا في عدة مجالات ثقافية، وهو كاتب صحافي في عدة صحف ومواقع موريتانية.
استهل الباحث أحمد إسلمُ أبي حديثه عن "اللهجات العربية بين الحاضر والماضي" بالتعريف باللهجة بأنها "مجموعه من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة، وتكون جزء من فضاء لغوي أوسع يضم عدة بيئات لغوية، لكل منها خصائصها"، والمثال على ذلك أن لكل بيئة عربية صفات لغوية خصوصية، فلأهل الشام صفاتهم اللغوية الخاصة، ولأهل العراق كذلك، ولأهل المغرب، لكنّ هذه البيئات جميعاً تشترك في فضاء أكبر هو اللغة العربية الفصحى، موضحاً أن مصطلح اللهجة هو مصطلح حديث، فقد كان اللغويون القدماء يطلقون عليها مصطلح "لغة"، فيقولون: لغة قريش، ولغة تميم، ولغة هذيل ولغة طيء، ويعنون بذلك اللهجة، بينما أطلق على اللغة الجامعة مصطلح "اللسان" لسان العرب، ولسان الروم، ولسان الفرس.
وبيّن أحمد أبي أن اللهجات العربية ليست وليدة اليوم، ولكنّها قديمة قدم العربية نفسها، وتزخر المعاجم العربية القديمة بإشارات إليها، لكن الجديد هو تناول هذه اللهجات بالدرس، حيث أن اللغويين القدماء لم يدرسوها ولم يهتموا بها إلا بالمقدار الذي يحفظ اللغة الفصحى، التي هي في الأصل لغة قريش وأهل الحجاز، والتي تعممت في الجاهلية، وأصبحت هي المستوى الأعلى من اللغة بسبب المكانة الاقتصادية والسياسية والروحية لقريش، ومع ذلك فقد بقيت كل بيئة تتحدث لغتها أو لهجتها، ولكل بيئة صفات أشار إليها اللغويون قديما منها "الاستنطاء مثل: انطيني بدل أعطني" ولا تزال توجد هذه الصفة تتردد في لهجات الشام والعراق، والتلتلة وهي كسر حرف المضارع مثل: تِركب، تِسمع، تِعرف"، ولا تزال تستعمل في مصر وأهل بادية الشام، و"الكشكشة: وهي جعل الكاف شينا، مثل: لبيش اللهم لبيش" ولا تزال تستخدم في العراق والخليج، و"العنعنة، وهي إبدال الهمزة عيناً مثل قولهم: أشهد عنك رسول الله، وكانت تتحدثها قديماً تميم وقيس، ولا تزال تستخدم في بعض مناطق المغرب وموريتانيا واليمن".
وختم الباحث حديثه بأن استمرار تلك اللهجات في البيئات العربية منذ الجاهلية إلى اليوم يظهر أن اللهجات العربية ظلت حية، ومنتقلة بين البيئات العربية ومتفاعلة مع الفصحى، وأنها لم تنقطع عبر تاريخها الطويل، ويظهر ثانياً وحدة الفضاء العربي وترابطه وغناه، كما تظهر ثالثاً الحاجة الملحة إلى دراسات لغوية وثقافية معمقة لهذه اللهجات في بيناتها وسياقاتها وتاريخها ودلالاتها الثقافية والاجتماعية واربتاطاتها بالفصحى، والإمكانات التي يمكن أن تقدمها للمجتمع العربي اليوم.