الشارقة 24:
نظم منتدى السرد في النادي الثقافي العربي في الشارقة، يوم الخميس الماضي، جلسة نقاشية حول قصة "متقاعد في المدينة"، التي استخدم في كتابته الذكاء الاصطناعي، وقد قرأها الكاتب الناقد إسلام أبو شكير، وعلق عليها بقوله إنه هو شخصيا قدم تعليمات إلى برنامج "تشات جي بي تي" من أجل أن يكتب له قصة رجل متقاعد يسكن وحيدا في غرفة في دمشق أثناء الحرب يلتقي بصديق قديم جداً من أصدقائه، ويجالسه، وعندما تتصل به ابنته من دبي يحدثها عن لقائه بصديقه وفرحته بذلك اللقاء، فتقول له إن صديقه مات منذ عشرين سنة، فيصاب بالصدمة"، وقد أخذ البرنامج هذه الفكرة فطورها ووسعها، وكتب منها قصة من صفحتين، بما يقارب 400 كلمة، وجاءت قصة محكمة البناء بكل مقاييس القصة القصيرة، حتى إن البرنامج استخدم بعض التعبيرات البلاغية الجميلة، وأضاف بوشكير أن تلك النتيجة بهرته وزعزعت، وجعلته يطرح بعمق سؤال الذكاء الاصطناعي ومستقبل الإبداع الأدبي؟.
عبد الفتاح صبري الذي أدار الجلسة، قدم عدة أوجه من أوجه مضاهات الذكاء الاصطناعي للإنسان، ليس في الإبداع وحده بل في كل أوجه الحياة، حتى أصبح اليوم هناك ما يسمى بالعالم الافتراضي الموازي، الميتافرس، وهو عالم افتراضي بأبعاد ثلاثية تقوم فيه كل العلاقات والتعاملات البشرية التي توجد في الحياة الافتراضية، ويسعى إلى مطورو هذا العالم إلى جعله قادرا على أن يعوض العالم الحقيقي، بحيث يمكن للإنسان أن يمارس فيه كل نشاطاته اليومية، وتساءل عبد الفتاح عن مستقبل الأدب والنظريات الأدبية التي تعلمناها وتربينا عليها، في ظل وجود تقنيات يمكنها في لحظة من الثانية أن تمد الكاتب بنص أدبي محكم البناء؟.
واشترك في النقاش عدد من المثقفين الحاضرين للجلسة، فقال الدكتور عمر عبد العزيز إن الذكاء الاصطناعي هو ظاهرة حقيقية، ومرحلة من مراحل التطور التقني للحضارة الحديثة، وينبغي أن نتعلم كيف نتعايش معه، وكيف نستخدمه من أجل الإبداع، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن يلغي العقل البشري وقوة هذا العقل، لأنها هذه القوة هي التي تخلق هذا الذكاء وتسيطر وسيظل الإبداع البشري قائما وهو الأقوى والحقيقي نظرا لأن الإنسان يتمتع بشيء، لا يمكن أن تصل إليه الآلة ولا البرمجيات، وهو الخيال، والقدرة على تصور ما ليس موجودا.
أما الكاتب محمد ولد محمد سالم فقال إن تهديد الآلة أو التقنية للإبداع البشري ومضاهاتها له، ليس أمرا جديدا، فقد بدأ منذ أن ظهرت كاميرات التصوير الضوئي عام 1839، فقد أحس الإنسان أن هذه الآلة ضاهت، بل تجاوزته في قدرته على الرسم باعتبار الرسم كان في تلك الفترة محاكاة للواقع، ومن هنا بدأ الفنانون التشكيليون البحث عن عوالم فنية لا يمكن للآلة أن تضاهيهم فيها، فكانت نزعات الانطباعية والرمزية والسريالية وغيرها إلى ما نشاهده اليوم، حتى دخلت التنقية كل مجالات الإبداع البشري والأدب هو آخر مجال دخلته، وسيستمر هذا، وسيجد الأدباء أنفسهم في أزمة إبداع حقيقية، نظرا لأن البرمجيات عندما تستكمل كل الإبداع البشري السابق، بوضعه في الذاكرة البرمجية، ستكون قادرة على محاكاته بدقة شديدة، دقة قد لا يتسنى للمتخصصين الراسخين فيها بين إبداع إنساني وإبداع كومتيوتري، وسيظهر هذا في الجوائز مثلا؟، والقصة التي قدمها بوشكير دليل واضح على ذلك، فكيف يمكن أن يفرق المحكم بين الإنسان والكومبيوتر في هذا الأمر، وهل نعطي الجائزة لكومبيوتر، وختم بأنه رغم كل شيء فسوف يبقى الإنسان المدع قادرا بخياله على أن يرتاد عوالم جديدة لا تصل لها التقنية.
الفنان فواز سلامة، قال إنه مهما تطورت التقنية فسيبقى للإنسان قدرة على الإبداع، مفرقا بشكل دقيق بين الإبداع الذي هو مجرد محاكاة وانتخاب وتوليف بين عناصر إبداعية أدبية موجودة، وبين الإبداع الذي هو اختراع وخلق لعناصر فينة أو أدبية جديدة لم تكن موجودة، ولا يستطيع أن يصلها إلا العقل البشري وحده.
وقال الدكتور محمد الأمين السملالي: إن إشكالية المتيافيرس تظهر كيف أن البرمجيات والتقنية الحديثة عموما صارت تهدد الإنسان في أخص خصائصه، وهي الإنسانية فإن استمر تغول هذه البرمجيات فقد تقتل إنسانيتنا وإن علينا أن نتعلم كيف نحافظ على إنسانية، ونبحث عن السبل التربوية والتقنية التي تبقي عليها، فهي أهم ما في وجودنا وإن فقدناها فقدنا معنى الحياة.
الجلسة تلتها أمسية شعرية بعنوان "خيال القلب" أنعشتها فيها الشاعرتان السوريتان هبه شريقي وآيات محمد القاضي، وقدمتها الشاعرة السودانية منى حسن، التي عرفت بالشاعرتين وأشادت بإبداعهما، وكونهما مشغولتان بالوطن وهمومه والمرأة مشاعرها، وقد آيات القاضي قرأت عدة قصائد اعتمدت فيها على أسلوب سردي، تتخلله إشارات رمزية تظهر سعة اطلاعها الأدبي، وقدرتها على استخدام رموزه، كذلك قرأت الشاعرة هبة شريقي قصائد غلبت عليها المسحة الوجدانية وطبعهما الحزن خصوصا في القصائد الوطنية، وهي شاعرة لها قدرة على التقاط الأشياء الصغيرة والتفاصيل الدقيقة وتوليفها لصناعة مشهد شعري جميل.