نظم بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة، أمس الثلاثاء، أمسية شعرية، شهدت حضوراً حاشداً من محبّي الشعر والأدب والثقافة، وأحياها عمر المقدي، ويوسف الديك، وياسر سعيد، بحضور مدير البيت الشاعر محمد عبد الله البريكي، وقدمتها الشاعرة الدكتورة حنين عمر.
الشارقة 24:
ضمن نشاط منتدى الثلاثاء، وتواصلاً مع اكتشاف الأسماء الجديدة، أقام بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة، أمس الثلاثاء، أمسية شعرية، شهدت حضوراً حاشداً من محبّي الشعر والأدب والثقافة، وأحياها عمر المقدي، ويوسف الديك، وياسر سعيد، بحضور مدير البيت الشاعر محمد عبد الله البريكي، وقدمتها الشاعرة الدكتورة حنين عمر، التي أثنت على جهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في دعم الأدب، وشكرت بيت الشعر بدائرة الثقافة، على مواصلة تقديم أسماء جديدة للمشهد الشعري.
وحلق الشعراء باللغة الخالدة في سماء الدهشة، واستطاعوا أن يطلقوا عصافير مغردة في قاعة بيت الشعر، التي رقصت فيها قلوب الحاضرين محبي "ديوان العرب"، وتطرقت مضامينهم إلى الوطن والذات والوجود، في معزوفاتٍ أنيقة لاقت الإعجاب والتفاعل الحار مع القصيدة.
الشاعر عمر المقدي، بدأ بلغة أنيقة رشيقة وهو يخاطب حروفها وظلال معانيها من خلال قصيدة "كن"، وكأنه يدعو إلى المحافظة على هذه اللغة القادرة على التعبير والإدهاش، ومن قصيدته:
أَحْيِ الـحُـرُوفَ فَـقَدْ قُتِلْتَ مُـوَلَّـها
وَاكْـتُبْ إِلَى لُـغَـةِ الـخُـلُودِ لَعَلَّها
قَدْ طَالَ بِالزَّمَنِ الـوُقُوفُ هُنَا وكمْ
أَجْرَى النَّـوَى أَحْقَابـَـهُ وَأَهَلَّها
صُوَرُ الغِيَابِ تَـئِنُّ شَوْقًا وَالتَّـهَ
شُّمُ مَـرَّ فِـي الـمِرْآةِ كَي يَسْتَلَّها
وَلِّ الفُـؤَادَ إِلَـى الـحَبِيبِ فَإِنَّهُ
إِنْ حُـرِّمَتْ بِدَعُ الغَـرَامِ أَحَلَّها
ثم سافر بالجمهور في عوالم اللغة والقصيدة العربية الأصيلة، وقرأ للذات المتسائلة المتصالحة في آن، وهو يخاطب من طاردها بحروفه عابراً الغيم مع الريح، ملوْحاً للشجر والحياة وهو يقول:
لَـكِ أَنْ تَـكُونِـي ظَالِـمًـا نَـهِمًـا وَلِي
أَنْ لَا أَقُـولَ بِبَعْضِ صَمْتِي: أَنْـصِـفِـي
لَـكِ أَنْ تُـدِيـرِي ثَـرْوَةً عُظْمَى وَلِي
مِلْءَ احْـتِـيَـاجِـي أَنْ أَزِيدَ تَـعَـفُّـفِـي
لَكِ أَنْ تَـكُونِـي غَيْمَةً حُـبْـلَـى وَلِي
أَنْ أُقْنِعَ الأَشْجَـارَ كَي لَا تَـنْـزِفِـي
لَـكِ أَنْ تَـبُـثِّـي الرِّيحَ مِنْ حَوْلِي وَلِي
أَنْ أَسْتَضِيفَكِ فِـي خِـيَـامِ تَـخَـوُّفِـي
الشاعر يوسف الديك، االعائد من السفر وهو يحمل في حقيبته الذكريات ونبض بوحه، طاف بمقطوعات موسيقية عالية النغم أجواء الخيال، وقرأ للحبيبة في مفتتح تجلياته قطعة تسللت بهدوء إلى الذائقة وهو يقول:
يدكِ التي ربتَتْ على كتِفي
أحسستُها طيرًا سماويًا
أوسعتُها شكرًا، ولثمتُها عِطًرًا
سكنَتْ أصابعُها، فيضًا من التّرفِ
وشفاهكِ الحَرَّى فصولُ جوىً
تسعى لتحرقني، تمضي إلى تَلَفي
ثم واصل الإبحار في الذاكرة وهو يقلب دولاب الزمن، ليستخرج من كنوزه ذكرياته الغالية التي باح بها في نصه، ومما قرأ:
عشرون عامًا لم أمشّط شعرَ أمّي
هي لم تغِب،
أنا من دفنت العمرَ،
أحملُ غربتي كالماء في سَلَّة.
الموتُ أسرع من كتابةِ همزةٍ أخرى
على ألف الأسى وأوابد العلّة.
ما عادت الطرقات تفضي بي
إلى روما،
فروما لم تعُدْ منذُ الحريقِ
جميلةً كصبيةٍ عذراءْ
اختتم القراءات الشعرية الشاعر ياسر سعيد دحي بمفردات عالية منتقاة، وبإلقاء شد إليه الحضور، وهو يفتتح القصيدة بلمسة وفاء عالية من نفسٍ بارة، وكان الدعاء لوالده انطلاقته الأولى في البوح:
علّمني كَلماتٍ أَسْكُنُ فيها
تعصمني من هذا الكون الأطرشْ
تجعلني ريحاً تتعطشْ
تَسْكُنُ في كل جَديد
يا سكني ضِدَّ الأوحَشْ في هذا العالَمْ
لا لا تنس ابناً يَتَوَضّأ من شُعْلةْ
يَهوي بين جُفونِكَ قِبْلَهْ.
وواصل ياسر دحي "المليء بالرمل والمرايا"، قراءاته متنقلاً بين مجموعتين شعريتين، ليختار منهما ما خف وأطرب، منساباً كالماء بشعره في "ذات مياهْ":
ذات مياهْ.. ترك البرق الضوء بداخلنا يتجوّل،
حين رأيناه وحيداً مكسور جناحٍ،
فرتقناه بأحلام تتجولُ في هذا البندر.
ذات مياهْ.. قلّم هذا البرقُ أظافرنا بالماء، وقلمناه
بنهارٍ منتظرٍ في العتبات وفي الطرقات وفي كل مساء.
وفي الختام، كرَّم الشاعر محمد عبد الله البريكي، الشعراء المشاركين ومُقدمة الأمسية.