احتضن المقهى الثقافي لمهرجان "أيام الشارقة التراثية"، جلسة أكدت أن التراث الإماراتي يمتلك المقومات اللازمة، ويحمل المفاتيح الضرورية التي تمكنه من تحقيق متطلبات التطوير والاستدامة اللازمة لضمان الانتقال إلى المستقبل والوفاء باستحقاقاته المختلفة.
الشارقة 24:
أكد الدكتور نجيب عبد الله الشامسي وفاطمة المغني، أن التراث الإماراتي يمتلك المقومات اللازمة، ويحمل المفاتيح الضرورية التي تمكنه من تحقيق متطلبات التطوير والاستدامة اللازمة لضمان الانتقال إلى المستقبل والوفاء باستحقاقاته المختلفة.
جاء ذلك، خلال جلسة "التراث الإماراتي.. التطوير والاستدامة وأفق المستقبل"، ضمن سلسلة الجلسات الثقافية والفكرية التي يحتضنها المقهى الثقافي لمهرجان "أيام الشارقة التراثية"، في دورتها الـ19 والتي تنظم خلال الفترة 10 - 28 مارس الجاري في ساحة التراث بمنطقة قلب الشارقة، وبمشاركة 33 دولة عربية وأجنبية و28 جهة حكومية اتحادية ومحلية، فضلاً عن 12 منظمة دولية مشاركة في هذا الحدث السنوي الذي تتلألأ نجوم فعالياته أيضاً في كل من الذيد وكلباء وخورفكان ودبا الحصن والحمرية.
استهل الدكتور نجيب الشامسي الجلسة، التي أدارها محمد حمدان من إدارة المحتوى والنشر في معهد الشارقة للتراث، بالحديث عن التراث وعلاقته بالهوية وتجلياته في الأنساق الحياتية الحديثة، وكيفية تقييم حضوره في عالم اليوم، وأثار تساؤلات عن آفاق الاستفادة من التراث الإماراتي بشقيه المادي واللامادي، وعن أنجع الطرق لجعله مواكبًا لسيرورة الحياة اليومية ومتطلبات المستقبل مع الحفاظ على خصوصيته وطابعه المميز.
وجاءت مقاربة الشامسي، لموضوع الجلسة من منظور اقتصادي، انطلاقًا من العلاقة الوثيقة والمتبادلة بين الثقافة ومكوناته مع الاقتصاد واحتياجاته، وهو ما أدركه العديد من دول العالم المتقدمة باعتمادها على الثقافة أو التراث تحديداً كمنتج حضاري يجلب عائدات اقتصادية كبيرة لها ويعزز من عناصر تنميتها الشاملة، وذلك بالاعتماد على مزايا الثراء والعمق في بيئاتها المحلية.
وأضاف أن الموروث الشعبي الإماراتي، هو وعاء غني من أوعية الثقافة ينطلق منه الفرد المواطن للحفاظ على هويته الذاتية وشخصيته المتميزة، ولترسيخ إدراكه ووعيه إزاء مسؤولياته أمام المجتمع وأفراده.
وأشار الشامسي، إلى أن السائح والزائر لأي دولة دائماً يبحث عن عناصر الجديد والنادر والخاص غير الموجود في بلده الأصلي أو البلاد الأخرى، فنجده ينقب عن روح وأصالة المكان أو المبنى الذي يزوره، وهذا ما جعل العديد من العواصم العالمية تنجح في تحقيق شهرتها ونهضتها من خلال إبراز خصوصيتها التراثية.
وأكد الشامسي، أن الاهتمام بالمناطق التراثية وترميمها وصيانتها، بالإضافة إلى ما يعززه من تكريس للهوية وحفاظ على الانتماء، يخلق حركية اقتصادية، تخدم في المقام الأول سكان ذلك المكان ويحفزهم على التمسك بعاداتهم وتقاليدهم، والتي كان البعض منهم يظنها موروثات عفا عليها الزمن ويجب تجاوزها، ولعل المثال الأكبر على استعادة مكانة التراث يتجسد في إنجازات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ومنها إنشاء وإحياء الأسواق القديمة والمباني والمناطق التراثية وعقد المعارض الثقافية والأدبية والمسرحية والأيام التراثية السنوية، ما جعل الإمارة الباسمة تملك وجهات عديدة ومتنوعة تجذب الباحثين والمتتبعين للشأن التراثي والثقافي والفني.
من جانبها، أوضحت فاطمة المغني في مداخلتها، أن فعاليات أيام الشارقة التراثية باتت ملتقى ينتظره الجميع، لما تحمله من مفردات تراثية جميلة تعزز مكانة الشارقة كمنصة حية ومتفاعلة لاستقطاب وعرض التراث المحلي والعالمي.
وعن التراث الإماراتي، أكدت المغني، أنه موروث عميق وضارب في القدم من حيث الجذور والتاريخ، وأن شعار نسخة هذا العام يعكس آفاق المستقبل التي تتمسك الشارقة بأطرافها من خلال اعتزازها بالتراث وتطويره للأجيال القادمة، سيراً على نهج المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في اعتزاز الدولة وقياداتها بتراث الأجداد والحرص على نقله بأمانة وحب إلى الأبناء والأحفاد ليظل محفوراً بالذاكرة أمام عاديات العولمة والوسائط الرقمية.
وعن بداية اهتمامها بحفظ التراث الإماراتي وتدوينه، أوضحت فاطمة المغني، أنها أحست مبكراً بضرورة نشر تراث الأجداد وخاصة ما يتعلق منه بالمرأة الإماراتية، فسلطت الضوء على بعض المهن والحرف القديمة التي تميزت بها بنت الإمارات وأتقنتها وما صاحبها من أساطير وحكايات، مستعرضة بعض الأمثلة كمهنة "الداية" وطحن الحبوب بالرحى، واستخدام الحناء في استخدامات مختلفة، مؤكدة أن العلاقة بين الرجل المرأة في المنزل الإماراتي القديم اتسمت بالثقة والتقدير، وكان للمرأة وما زالت جهود جليلة في مساعدة الزوج إزاء أعباء البيت والحياة بل ودعم البيئة المحيطة والمجتمع من حولها.
وأشارت المغني، إلى أن الشارقة تعتبر مثالاً ناجحاً في القدرة على نمذجة التراث في الواقع الإماراتي، من خلال أسواقها القديمة ومبانيها التراثية التي باتت أيقونات ناصعة في هذا الجانب، مؤكدة أن هذا الاهتمام أثمر عن بروز توجهات جديدة لدى الشباب الإماراتي من خلال إقبالهم على إطلاق وتأسيس مشاريعهم التجارية الخاصة دون الاعتماد على الوظائف الحكومية الثابتة، حيث وجد بعضهم ضالتهم في الأسواق الشعبية والتراثية التي تجلب لهم عوائد مالية جيدة مثل المحلات التي تعمل في تجارة العسل والبخور وغيرها.
ودعت المغني، إلى تعزيز ودعم المنتجات الإماراتية من خلال تأهيل الشباب للعمل في الميدان وهو مسؤولية حكومية ومؤسسية مشتركة، فهناك الكثير من الفرص القابلة للدعم في مجالات الكحل والسدو والقهوة والتمور والملابس التقليدية.
ميراث الأجيال في دبا الحصن
وضمن الفعاليات المصاحبة في المقهى الثقافي، شهد الجمهور توقيع وإطلاق كتاب "ميراث الأجيال في دبا الحصن" للكاتب الإماراتي راشد محمد بن عبود، والذي سبر من خلاله أغوار التراث العريق لهذه المدينة المتكئة على أطراف الساحل الشرقي لدولة الإمارات، وتمتلكه تاريخ موغلاً في القدم والأصالة، حيث يتناول المؤلف في هذا الكتاب الشيق والثري مفردات ومعلومات عديدة مرتبطة بمهنة الغوص والصيد ومصطلحاتهما وأدواتهما، بالإضافة إلى الصناعات والحرف، والتعرف بمجتمع أهل البحر وأهازيج البحارة ومواويلهم، وحياة الصغار، ورحلات الأسفار، والألعاب الشعبية، والطيور وغيرها من تفاصيل الموروث الثقافي والشعبي الإماراتي العطر.
د. وليد السيف: السدو حرفة إنسانية مشتركة
وفي محاضرة استضافها جناح التراث العربي، تحدث الدكتور وليد حمد السيف ممثل دولة الكويت في اتفاقية اليونيسكو لصون التراث الثقافي غير المادي، ومستشار جمعية السدو التعاونية الكويتية حول ملف السدو المشترك بين الكويت والسعودية والمدرج في القائمة التمثيلة للتراث الثقافي العالمي غير المادي لدى منظمة اليونسكو.
وشرح السيف، الإجراءات التي قامت بها الدولتان لإعداد البيانات والمعلومات المرتبطة بحرفة السدو في الملف المشترك ووفق الضوابط والشروط المعتمدة في هذا الشأن على ضوء اتفاقية اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، ومن ثم رفعه إلى منظمة اليونسكو خلال الأعوام 2017-2019، حيث عملت بدورها في تقييم ثم اعتماد الملف رسمياً بعد تمريره على لجنة الخبراء والموافقة بعد ذلك على إدراج ملف السدو ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي في نهاية عام 2020.
وتحدث السيف، عن المهارات الخاصة التي تتطلبها حرفة السدو، معتبراً أن أهل الحرفة وأغلبهم من النساء هم الأقدر والأقرب لصون هذا التراث والتدريب عليه، ونقله إلى الأجيال الجديدة، باعتباره حرفة إنسانية برزت لتلبية احتياجات الحياة الضرورية في البيئة البدوية القديمة التي اعتمدت على الجمال والأغنام في كسب قوتها وفي البحث عن مواطن الماء والعشب، وهو ما أتاح لهم الاستفادة من أصواف هذه الماشية في صنع بيوت الشعر والملابس والأغطية والمساند وغيها من الاحتياجات، لافتاً إلى أن السدو منتج يتشابه تكوينه فيما بين دول الخليج ولربما اختلف من حيث النقوش المطرزة عليه، ومرت هذه الحرفة بمراحل تطور كثيرة على مدى الأزمان، مع دخول الأصباغ الصناعية بدلاً من الأصباغ الطبيعية سابقاً.
وأوضح أن بعض أنواع من السدو عالية الجودة تعتبر الآن قطعًا تراثية ومتحفية نادرة وذات قيمة باهظة الثمن ويقبل المهتمون على شرائها واقتنائها، معرباً عن إشادته بدولة الإمارات التي كان لها قصب السبق في تسجيل مكونات تراثها الثقافي والإنساني في قائمة اليونسكو، ما يعكس مدى اهتمام القيادة الرشيدة في الإمارات واعتزازها بالموروث الإماراتي الأصيل الذي تكونه منظومة واسعة من العادات والتقاليد والأهازيج والأغاني والرقصات والأمثال والشعر وغيرها.
كما أثنى السيف، على جهود معهد الشارقة للتراث والقائمين عليه والعاملين فيه في تحقيق توجهات وتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في حفظ التراث وصونه هويته، ما جعلهم يعملون كخلية نحل لضمان راحة ضيوف المهرجان وإسعاد زواره وتنويع فعالياته.
علم الموسيقى العرقي مدخل مهم لفهم الحضارات
من جانبه تحدث أ. علي العبدان مدير إدارة التراث الفني بمعهد الشارقة للتراث والباحث في الموروث الشعبي حول "معايير البحث الأكاديمي في علم الموسيقى العرقي"، وذلك ضمن سلسلة محاضرات البرنامج التعليمي والأكاديمي في البيت الغربي خلال الجلسة التي أدارتها الأستاذة وفاء داغستاني، حيث أشار إلى أن علم الموسيقى العرقي أو الإثني أو ما يطلقه عليه علم موسيقى الشعوب يدرس هذا الفن من جوانب ثقافية واجتماعية للأشخاص الذين ينتجونها، وفق أساليب نظرية ومنهجية تمتاز بالتركيز على الأبعاد والأنساق المرتبطة بالسلوك الموسيقى من النواحي الثقافية والاجتماعية والمادية والإدراكية والبيولوجية المختلفة.
وأوضح العبدان، أن هذا العلم عبارة عن المعرفة الناتجة عن دراسة موسيقى العالم ثقافياً ومعرف كيفية ولماذا ينتج الناس الموسيقي، وهو ما يكمل علم الأنسنة لمعرفة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تصاحب تطور الموسيقى، وهو ما يدفعنا للمضي قدماً في معرفة ودراسة وضع هذا العلم في العالم العربي والوقوف على تطبيقاته، ومن ثم فهم التغيرات التي طرأت في فنوننا الشعبية.
وتابع أن هذا العلم يناقش أيضاً علاقة المرأة بالموسيقى، وعلاقة الأعراق الأخرى بهذا الفن، وعلاقته بالمناسبة الوطنية وأثره في توحيد المجتمع، وإفادته خلال الأزمات المختلفة ومن ضمنها الجوائح والأوبئة.
واختتم العبدان محاضرته، بالحديث عن المناهج المستعملة في هذا العلم كالمنهج التطوري والانتشاري والوظيفي والبنيوي، ثم عرض مقارنة بين الآلات الموسيقية وتصنيفها وفق معايير محددة كجانب من اهتمامات هذا العلم.
ورشة الفسيفساء.. تثير خيال الأطفال
وضمن فعاليات التراث العربي وسلسلة الورش التدريبية الموجهة للأطفال والعائلات، قدم نجيب خروبي من تونس الشقيقة، ورشة حول مهارات التركيب بالفسيفساء أو الموزاييك، حيث تضمنت الورشة رسم عدة لوحات تشكيلية بالفسيفساء بالاعتماد على الممحاة لتعويد الطفل على التركيز في التعامل مع القطع الصغيرة والأشياء المهملة وإعادة استخدامها لصناعة اللوحات الفسيفسائية الفنية الجميلة، باعتبار أن تعلم الفنون التشكيلية وممارستها مصدر مهم من مصادر إعداد الطفل للمستقبل وتطوير مهاراته الإبداعية وخياله وتفكيره بل وتحصيله الدراسي من خلال تعزيز قدرات التركيز والتفكير لديه، كما يعمل على استثمار وقت فراغه وراحته بالنافع والمفيد وبمشاركة أفراد الأسر.