الشارقة 24:
تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، انطلقت، أمس الأربعاء، في "قاعة الشارقة" بالعاصمة السودانية الخرطوم أعمال الدورة السابعة عشرة من ملتقى الشارقة للسرد، الذي تنظمه إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة في الشارقة تحت عنوان "القصة القصيرة السودانية.. قضايا ورؤى"، ويشمل خمسة محاور أساسية للمقاربة والتحليل النقدي، يناقشها، على مدى يومين، أكثر من 70 مبدعاً من أدباء مشاركين وضيوف.
حضر حفل الافتتاح سعادة عبد الله بن محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، وسعادة حمد الجنيبي سفير دولة الإمارات لدى السودان، والرشيد سعيد وكيل وزارة الثقافة والإعلام في السودان، وفيصل محمد صالح مستشار مجلس الوزراء، ومحمد إبراهيم القصير، مدير إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة، إلى جانب عدد كبير من الروائيين والقصصيين والنقّاد السودانيين والعرب، ووسائل إعلام سودانية وعربية لتغطية الحدث.
وألقى العويس كلمة أكّد فيها تواصل اللقاءات الأخوية مع السودان من خلال فعاليات ثقافية متنوعة، وقال: "تتواصل اللقاءات الأخوية مع أبناء السودان الشقيق من خلال سلسلة من الأنشطة والملتقيات والمهرجانات الثقافية المتنوعة، لتؤكد هذه اللقاءات أهمية التعاضد العربي في كافة المجالات، وها نحن في السودان مرة أخرى، لنشهد معا انعقاد ملتقى الشارقة للسرد في دورته السابعة عشرة".
وأشار رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، في كلمته، إلى رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة المتمثلة في انتقال فعاليات الملتقى من الشارقة إلى كافة الدول العربية، بالقول: "هو الملتقى الذي أراد له حضرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الاعلى حاكم الشارقة، أن ينتقل بأنشطته من الشارقة إلى كافة الدول العربية، لتعمّ الفائدة، وإيماناً من سموّه بضرورة التواصل مع الأديب والكاتب العربي أينما كان، ولقد لقي الملتقى الترحيب الوافر من قِبل وزارة الثقافة والإعلام بالسودان لتنظيمه في الخرطوم استكمالاً للتعاون الثقافي مع دائرة الثقافة بالشارقة، وتجسيداً لمتانة العلاقات الاخوية بين دولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية السودان، التي تحرص عليها باستمرار، القيادة الرشيدة بين البلدين".
وأعرب العويس عن شكره لوزارة الثقافة والأعلام في السودان، كما نقل تحيات صاحب السمو حاكم الشارقة للحضور، وقال: "أغتنم هذه المناسبة لتقديم وافر الشكر والتقدير إلى وزارة الثقافة والإعلام بالسودان على تعاونها لتنظيم هذه الدورة من الملتقى في أرض النيلين، كما وأتشرف بأن أنقل لكم تحيات حضرة صاحب السمو حاكم الشارقة وتمنياته لكم وللملتقى بكل أسباب النجاح والتوفيق".
من جانبه، أعرب الرشيد سعيد عن شكره للشارقة على دورها الريادي في دعم الثقافة، وقال: "يطيب لي باسم وزارة الثقافة والإعلام أن أتوجه في البداية بوافر الشكر والتقدير لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهذا تعبير عن تقدير كبير يكنّه الوسط الثقافي السوداني لإمارة الشارقة للدور الكبير الذي تمثله في التعريف بالثقافة العربية في جميع أنحاء الوطن العربي، والاهتمام الخاص الذي توليه بالتعاون مع السودان".
وأضاف سعيد قائلاً: "أثمر التعاون العديد من الفعاليات، ولعلّ الملتقى قد سبقه تكريم كوكبة من المبدعين السودانيين ضمن ملتقى الشارقة للتكريم الثقافي، الذين لم نكرمهم نحن في السودان، كما نعمل مع إمارة الشارقة في عدد من المشروعات الثقافية الكبرى، وتمثل ذلك في المشروع الحضاري لبيت الشعر في الخرطوم، الذي يأتي تحت مظلة بيوت الشعر في الوطن العربي".
وتابع سعيد: "يطرح ملتقى الشارقة للسرد عنواناً هاماً هو "القصة القصيرة السودانية.. قضايا ورؤى"، وقد اطلعنا على برنامج الملتقى الذي سيتعامل مع القصة بطريقة علمية وممنهجة من خلال موضوعات نقدية حيوية".
معرضان
صاحب الملتقى معرض "اقتباسات" يعرض نماذج من كتابات كتّاب القصة القصيرة في السودان، كما شهد الحضور معرض إصدارات ومجلات دائرة الثقافة في الشارقة.
واطلَعَ رئيس دائرة الثقافة الحضور على عناوين متفرقة بين الشعر، والرواية، والقصة القصيرة، والمسرح، والنقد، كما أبرَزَ موضوعات ثقافية حيوية تطرحها مجلات: "الشارقة الثقافية"، و"الرافد"، و"القوافي"، والحيرة من الشارقة"، و"الشرقية والوسطى".
وأثنى الرشيد سعيد على دور الدائرة الرائد في توليها إصدار كتب لمبدعين سودانيين، ضمن عمل نشري حيوي ولافت، يدعم حركة النشر السودانية نحو فضاءات إبداعية، مشيراً "الأمر الذي يقابله احتفاءً كبيراً في السودان".
المدخل
استهل الملتقى أعماله من خلال مدخل الذي حمل عنوان "راهن القصة القصيرة في السودان"، وأدار الجلسة الصديق عمر صديق، وشارك فيها د. مصطفى الصاوي كمتحدث رئيس من جهة، ومحمد خلف سليمان كمعقّب من جهة أخرى.
ومن اللافت أن خلف سليمان قد فاز بجائزة الشارقة للإبداع العربي - الإصدار الأول في العام 2005 عن حقل الرواية، ليصبح، بعد أكثر من عشر سنوات من فوزه، معقّباً وناقداً، ليعكس صورة عن تكامل مشروع الشارقة الثقافي.
واتّبع المتحدث الرئيسي، في ورقته البحثية، منهجاً طولياً يوازن بين المدخل التاريخي ورصد السمات الفنية، وذكر بعض رواد القصة القصيرة السودانية، موضحاً أن أساليبهم اتخذت مسارات مختلفة اتسمت بالمعرفة، والحكمة.
من جهة ثانية، بذلت ورقة المعقّب محمد سليمان "القصة السودانية القصيرة من التأسيس إلى التجنيس"، جهداً كبيراً في الإحاطة بعوالم مختلفة ومتباينة لحقب متتالية من الكتابة القصصية، وتناولت عدداً من التجارب التي أثرّت في مسيرة القصة القصيرة السودانية وأثرها، كما قدّمت استعراضاً للقصة القصيرة السودانية وأطوارها وسماتها وأبرز أصواتها.
ورصدت الورقة مراحل الكتابة القصصية المختلفة وتوقفت في بعض محطاتها ولم تغفل الجانب الاجتماعي الذي صدرت في اطاره هذه الأعمال في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي.
محوران
استكمل أول أيام الملتقى أعماله بالمحور الأول "سحر وتجليات المكان في القصة القصيرة السودانية"، في جلسة أدارها العباس يحيى، وتحدث فيها: مجذوب عيدروس، وأحمد عوض، وأبو طالب محمد.
جاءت ورقة أبو طالب بعنوان "هوية المكان في قصص إبراهيم إسحق.. مقاربة تطبيقية في سياق اجتماعي"، ودرست هُوية المكان في ثلاث مجموعات قصصية للراحل الكاتب الروائي والقاص إبراهيم إسحق.
ويشير حول أهمية المكان في القصة بقوله: "يمنح المكان عناصر الخطاب السردي القصصي تجسيدها وحضورها الحي وواقعيتها، ويحميها من الذهاب للفراغ، كما يحمي النص القصصي نفسه من المضي نحو شعرية مجانية لا علاقة لها ببنية الخطاب السردي".
من جهته، انطلق عيدروس من ورقة بعنوان "قراءة في نماذج مختارة" وسلطت الضوء على قراءة في نماذج مختارة من القصة القصيرة السودانية، "لا سيما وأنها أصبحت ثاني نوع أدبي يزاحم الشعر في الصحف والمجلات، وفي دور النشر" كما يشير إلى ذلك الباحث.
بدوره، قدّم عوض "إضاءات في فرضية الفضاء السردي للمكان في القصة القصيرة جداً.. فاطمة السنوسي نموذجاً"، بوصفها رائدة هذا النوع الأدبي بالسودان من منظور جمالية وشعرية المكان في قصصها القصيرة جداً.
وخلص إلى القول إن "القصة القصيرة جداً نوع أدبي قائم بذاته ذو إمكانات تعبيرية خاصة، لكنه يحفل بالكثير من الصعوبات المتكئة على الاختصار اللغوي، فالقصة القصيرة جداً تحمل في فضاءاتها جمالية خاصة بحكم سطورها المعدودة".
شهادات
في "شهادات ورؤى" حيث المحور الثاني، قدّم كلاً من: بثينة خضر مكي، وعبد الغني كرم الله، وملكة الفاضل، شهادات أدبية سردت مساراتهم الأدبية، في جلسةٍ ترأستها الأديبة نجاة إدريس اسماعيل.
واستعادت الفاضل مشهديات أولى في حياتها كان لها الأثر الكبير في تكوين شخصيتها الأدبية، وقالت: " بلدتي الواقعة على الضفة الشرقية للنيل الأبيض هي أول ما فتحت عليه عيني. بيتنا حيث جدى الذي يصلي الفجر ويبقى حتى الشروق مع كتب الفقه والتفسير وجدتي لأبي التي كانت تنظم القصيد في مدح أخيها، أبي الذي كلما قدم من رحلة الى المدينة أو العاصمة، جاء يحمل المجلات، وأمي التي تعشق وتقتني الروايات التي كنت أراها بأغلفتها الذهبية الأنيقة مثل علب الحلوى الفاخرة".
وذكرت الكاتبة بعض محطاتٍ حلّت بها في مشوار يمتاز بين الواقع والخيال، وتقول: "الواقع كما أراه محتشداً بالخيال وهذا ما يعين الكاتب أو القاص أو السارد على المضي قدما في كتابة صفحاته البيضاء مضيفاً الفصل بعد الآخر بتفاصيل قد تكون حقيقية أو تأخذ بعض أبعادها من تفاصيل حقيقية".
من جانبها، ذكرت بثينة مكي، أن إقامتها في الشارقة مثلت دوراً كبيراً في ارتقاء مسيرتيها الإبداعية، حيث عاشت في الإمارة سنوات عديدة.. وتوضّح في هذا السياق: "حضرت فيها الطفرة الثقافية الكبرى في الآداب والفنون، واتيحت لي فرصة التعرف على مجتمع ثقافي متطور والمشاركة في العديد َمن انشطته".
بدوره، استذكر عبد الغني طفولته وبيتهم الطيني، وتمنى لو تعود إليه هذه الحياة، وقال: بيتنا الطيني أسعد قصر في الحياة، وسماء قريتي، أعظم قبة للجمال والحياة والسعادة، تلك حقائق، لكن للأسف كانت في طفولتي، ضاعت هذه الفضيلة، الآن قريتي بسيطة، منسية مقارنة بعوالم العالم، فمتى أرجع لجنة حسي، وأرها أجمل المدن، حقا لا مجاز "ما اعجب عينيَّ الطفل".
قاعة الشارقة
يعود تأسيس قاعة الشارقة في الخرطوم إلى منتصف ثمانيات القرن الماضي، حينما وجّه صاحب السمو حاكم الشارقة بتشييد القاعة لدعم العلاقات الثقافية العربية الافريقية، ولعبت، منذ ذلك الوقت، دوراً كبيراً في تأسيس حركة أدبية شعرية ومسرحية في السودان، وتقع القاعة في محيط جامعة الخرطوم، وبالقرب من بيت شعر الخرطوم، وساهمت في إثراء الحوار الحضاري عبر سلسلة من الفعاليات استضافتها القاعة على مدى عشرات السنوات.