يحضر العشرات من المشاهدين المكفوفين وضعاف البصر، عروضاً سينمائية مجانية، في سينما "زينمو"، حيث يتولى الراوي المتطوع الموجود في القاعة والمجهز بميكروفون، وصف ما يحدث على الشاشة بحماسة، ويشرح بالتفصيل العناصر المرئية اللازمة لفهم الفيلم.
الشارقة 24 – أ ف ب:
يسترشد أشخاص مكفوفون أو ضعفاء البصر، بعصيهم البيضاء، للجلوس على أرائك سينما في بكين القديمة، و"متابعة" أفلام يروي لهم متطوّعون أحداثها بحماسة.
وأوضح جانغ زيشينغ "51 عاماً"، كانت المرة الأولى التي استمعت فيها إلى وصف صوتي لفيلم عام 2014، وكان ذلك بمثابة عالم جديد انفتح أمامي، وأضاف شعرت بأنني قادر على فهم الحبكة على الرغم من فقداني البصر، وتشكلت صور واضحة في ذهني، لأنهم يصفون مشاهد الفيلم وحبكته بوضوح شديد، مثل تعابير الوجه، أو البكاء، أو الضحك، أو حركة الأيدي.
ويحضر العشرات من المشاهدين المكفوفين وضعاف البصر، هذه العروض المجانية، في سينما "زينمو" أو "رؤية العقل"، حيث يتولى الراوي الموجود في القاعة والمجهز بميكروفون، وصف ما يحدث على الشاشة، كتعابير وجوه الشخصيات وإيماءاتهم وملابسهم وحتى حال الطقس، ويشرح بالتفصيل العناصر المرئية اللازمة لفهم الفيلم، كالانتقال من مشهد تساقط الأوراق إلى مشهد انهمار الثلوج تعبيراً عن تغيير الفصول.
بدوره، أشار وانغ ويلي مؤسس سينما "زينمو"، إلى أنه عرض ما يقرب من ألف فيلم حتى الآن، وأن الكثير من دور السينما في مدن أخرى في الصين تتعلم من زينمو لرواية أفلام للمكفوفين، وأضاف نأمل حقاً في الترويج لهذه الممارسة في بلدان أخرى.
وبات النادي اليوم، يقيم عروضه في دور سينما كبرى وعصرية، وبسبب الوباء، استعان بالإنترنت لبث الوصف الصوتي للأفلام عبره أيضاً.
ولا يفوّت جانغ زيشينغ، أياً من هذه العروض الأسبوعية، إذ يستقل قطار الأنفاق كل يوم سبت في رحلة تستغرق ساعتين ليتمكن من المشاركة فيها، مستخدماً في تنقلاته عصاه وتطبيق "جي بي إس" الذي يحدد له اتجاهات السير.
وبعدما فقد بصره وهو في العشرين بسبب مرض تنكسي، أعاد اكتشاف حبه للسينما بفضل نادي "زينمو"، ومجموعة صغيرة من المتطوعين.
وفي عرض أقامه "زينمو" للفيلم البريطاني "إيه ستريت كات نيمد بوب"، الذي تساعد فيه قطة رجلاً بلا مأوى في حل مشاكله المتعلقة بالمخدرات، يشرح الراوي وانغ ويلي بين حوارين مدبلجين بالصينية، أن "الثلج يتساقط على لندن، وهي مدينة في إنكلترا تشبه بكين قليلاً، لكن المباني فيها ليست كبيرة إلى هذه الدرجة".
ويضيف هذا رجل يحمل منظاراً- وهو نوع من الأسطوانات الطويلة المستخدمة لرؤية الأشياء من بعيد- يراقب جيمس وهو يغني بالقرب من الزاوية مع القط بوب.
لا ينبس أي من المتفرجين ببنت شفة، ولا يأكل أحد الفشار، بل ينصت الجميع بانتباه شديد فيما عيونهم مغمضة.
خطرت لوانغ ويلي، وهو رجل أعمال سابق، فكرة التعليق على الأفلام لفاقدي البصر، عندما كان يروي لصديق كفيف تفاصيل فيلم "ترمينيتور" الأميركي، ويتذكر موضحاً رأيت العرق يتصبب من جبهته وأنا أصف له مشاهد الحركة، لقد كان مهتماً جداً بالفيلم، وكان يقول لي باستمرار: تابع وصف ما تراه.
وبمدخراته، استأجر وانغ ويلي غرفة داخل شقة في بكين القديمة عام 2005، تضم جهاز تلفزيون صغيراً وآخر مستَعملاً لأقراص الفيديو و20 كرسياً، وفي هذا المكان انطلق النادي.
وكانت صالة السينما البدائية هذه التي لا تتعدى مساحتها 20 متراً مربعًا، تمتلئ في كل عرض.
إلا أن وصف الأفلام لجمهور من المكفوفين ينطوي على صعوبة، وخصوصاً إذا كانت تتضمن سياقاً تاريخياً معقدًا أو عناصر غير معروفة للمشاهدين، فلدى عرض "جوراسيك بارك" مثلاً، أحضر وانغ لضيوفه نماذج من الديناصورات حتى يتمكنوا من لمسها وتخيّل ماهيتها.
ويتابع أنه يشاهد كل فيلم ست أو سبع مرات على الأقل، ويكتب سيناريو مفصلاً جداً ليرويه، لافتاً إلى أنه خلال 15 عاماً، عرض "زينمو" نحو ألف فيلم.
وتشير تقديرات الجمعية الصينية للمكفوفين، إلى أن عدد المعوقين بصرياً في الصين يناهز 17 مليوناً، من بينهم ثمانية ملايين مكفوفون تماماً.
وبادرت المدن في العقود الأخيرة، إلى إقامة ممرات لمسية لتوجيه ضعاف البصر، وإضافة علامات برايل إلى مفاتيح المصاعد، وحتى السماح للمكفوفين بإجراء اختبارات الخدمة المدنية للحصول على وظائف في القطاع العام.
إلا أن لدى المكفوفين، فرصاً قليلة للمشاركة في الأنشطة الثقافية، على ما يلاحظ مؤسس جمعية الوصف الصوتي في هونغ كونغ داونينغ ليونغ، الذي يشير إلى أن نصوص الإرشادات الصوتية في المتاحف تتوجه إلى المبصرين، إذ تخبر عن تاريخ القطعة أو مكان اكتشافها، لكن نادراً ما تصف شكلها.
وتسعى جمعيات إلى جعل القانون يفرض وصفاً صوتياً للأفلام أو البرامج التلفزيونية، لكن هذه المحاولات لم تثمر بعد.
ويعتبر المشاهد الذي يعاني ضعف البصر تشانغ زينشينغ، أن السينما تتيح جعل المدينة أكثر جمالاً، وفهم تحدياتها بشكل أفضل.
والفيلم المفضل لدى زينشينغ، هو الهندي "دانغال" الذي حقق نجاحاً شعبياً كبيراً، ويتناول قصة مدرب مصارعة يشجع بناته على تجاوز المحرمات ليصبحن بطلات مصارعة.
ويوضح زينشينغ، أنه أحياناً يفكر أنه يستطيع تغيير مصيره من خلال العمل الجاد، كما فعلت بطلات الفيلم.