يشكل قرار السلطات الألمانية، العودة إلى إغلاق كل المؤسسات الترفيهية والثقافية والرياضية بالبلاد، في نوفمبر الجاري، ولمدة شهر على الأقل، بهدف الحد من تفشي فيروس كورونا المستجد، كارثة وصفعة قوية للعاملين في القطاع الثقافي، وخيبة أمل كبيرة لهم.
الشارقة 24 – أ ف ب:
مع انتهاء العرض الأخير في أوبرا ميونخ، كافح الباريتون مايكل ناغي (43 عاماً)، لإخفاء مشاعره أمام الجمهور، فاعتباراً من الاثنين، تفرض ألمانيا قيوداً جديدة لمكافحة الوباء، تغلق بموجبها ولمدة شهر على الأقل كل المؤسسات الترفيهية والثقافية والرياضية.
ويطال هذا القرار، أوبرا ميونخ التي أغلقت أبوابها أيضاً، خلال الربيع عندما فرضت التدابير الصحية للمرة الأولى.
أكمل المغنون وفرقة الأوركسترا العرض الأول لأوبرا "داي فوغل" (الطيور) للملحن الألماني فالتر براونفيلتز، وهو كان العرض ما قبل الأخير قبل إغلاق أبواب دار الأوبرا البافارية، التي تبلغ قدرتها الاستيعابية 2100 شخص، بينما حضر هذا العرض 50 متفرجاً لتشجيعهم.
وعند إسدال الستارة، بدأوا التصفيق والصراخ والركل بأقدامهم من الكراسي الحمراء، بهدف إصدار بعض الحماسة، لكن أيّاً من هذه الأمور لم يساعد، فقد كان الفراغ مدوّياً في الصالة الضخمة المزينة بالذهب والثريات الأنيقة.
وأوضح يان براخمان (48 عاماً)، بأسف فيما يضع كمامة على وجهه وأربة حول عنقه، الجلوس هنا في مثل هذه الغرفة الخالية أمر محبط ومؤلم.
ورغم ذلك، أراد عاشق الأوبرا هذا حضور العرض الأول احتراماً، للفنانين الذين أعدوه.
بالنسبة إلى أوبرا ميونخ، يبدو الإغلاق الجديد كأنه نفي، يوضح مديرها نيكولاوس باخلر (69 عاماً)، أنه لا يفهم لماذا تظل وسائل النقل العام أو المتاجر في ألمانيا، ستبقى مفتوحة في نوفمبر، فيما يتوجب عليه إغلاق مسرحه.
وأضاف لدينا جمهور منضبط، ومن الممكن السيطرة على الأخطار المحتملة، هذا ليس قراراً صائباً.
يشعر نيكولاوس باخلر، بخيبة أمل كبيرة، لأنه كان يأمل في أن تفلت أوبرا ميونخ، وهي واحدة من أكبر الدور في ألمانيا، من براثن الإغلاق بفضل تجربة ناجحة في سبتمبر الماضي.
فوقتها، سمح لأوبرا ميونخ باستقبال 500 متفرج، بدلاً من 200، وهو عدد الأشخاص الذي سمح له بالحضور خلال الإغلاق الأول في بافاريا.
والتوجه إلى إغلاق تام للمؤسسات الثقافية والرياضية والترفيهية، يخيف جميع العاملين في هذه القطاعات في ألمانيا.
وكتب عدد من الفنانين الألمان، في رسالة مفتوحة، خلال الأشهر الأخيرة، شعرنا بأن قيمتنا أقل من قيمة السيارات والطائرات ولاعبي كرة القدم.
من جهة أخرى، نفذ مديرو المتاحف وقفات احتجاجية عدة، خلال عطلة نهاية الأسبوع ووصفوا إغلاقها في نوفمبر الجاري، بأنه قرار سيء، وله تأثيرات بالغة الخطورة، وكتبوا في بيان، أن المتاحف أماكن مهمة للتعليم وضرورية لحسن سير المجتمع.
وتولى عازف الترومبيت الألماني الشهير تيل برونر زمام المبادرة في حملة وطنية، للاحتجاج على عدم وجود دعم من السلطات العامة للقطاع الثقافي، في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع.
وأوضح برونر، أنه منزعج جداً، مقدّرا أن هناك 1.5 مليون شخص يعيشون من قطاع الثقافة والترفيه في ألمانيا، الذي يولّد 130 مليار يورو سنوياً.
ومع ذلك، يصر مغني الأوبرا مايكل ناغي، على أن يأخذ الفنانون هذا الفيروس على محمل الجد، ويدعمون كل الإجراءات الضرورية لمكافحته.
ورغم الأفق الملبد بالغيوم، فهو يعتبر أن التمكن من تقديم عرضه الأول نهاية هذا الأسبوع أمام جمهور، مهما كان صغيراً، وقبل ساعات قليلة من إعادة الإغلاق، يعد فرصة كبيرة، فمثل كثر غيره، لا يعرف متى سيكون ذلك ممكناً مرة أخرى.
وأقرت وزيرة الثقافة الألمانية مونيكا غروترز، بأنها قلقة جداً بشأن القطاع الثقافي الذي يعمل فيه أيضاً العديد من المستقلين دون شبكة أمان، وأعلنت مع أن القيود الجديدة مفهومة من منظور صحي، فإنها تشكل كارثة.
حتى رئيس الدولة الألماني فرانك فالتر شتاينماير تدخل في النقاش، موضحاً أن أزمة كورونا تذكرنا بأن الثقافة ليست منتجاً فاخراً لقلة من الناس، لكنها إكسير الحياة للجميع.
وخصصت الحكومة، اعتمادات تبلغ قيمتها 10 مليارات يورو كمساعدات إضافية للقطاعات الأكثر تضرراً، جراء الإغلاق في نوفمبر الجاري.