الأجيال سلسلة متماسكة الحلقات، تشكِّل أقوى الخيوط في نسيج المجتمع المتماسك المتوازن، وتحفظ كيان الأمّة وتقويه، ولكلّ أمّة أجيالها وشبابها الّذين يشكّلون روحها وقلبها النّابض. ومن حقوقهم علينا أنْ نرعاهم حقّ الرِّعاية، وأنْ نرسم لهم طريق المستقبل، ونشجّعهم على صناعته، وصياغة خططه؛ فالوطن شراكة أحلام متواصلة من جيل إلى جيل.
والعلاقة بين الأجيال ظاهرة حياتيّة وطبيعيّة ينبغي أن تقوم على الحُبّ والمودّة والتّسامح والعطاء والتّكامل؛ حتّى لا تؤدّي إلى انفصال أو انعزال الجيل التّالي عن الجيل الحالي أو السّابق، أو إلى التّصادم وتعطُّل تيار الحياة ونهرها المتدفّق، وحينئذٍ ينتابنا شعور القلق على الأبناء والأجيال القادمة، وينتابنا كذلك شعور الخوف من الغد والمستقبل، ومن ثَمَّ عدم تحقيق الإنجازات الضّخمة للمستقبل والتّاريخ. وعلى هذا فإنّ المشروع الأكبر الّذي ينبغي توجيه شبابنا إليه هو حُبُّ الوطن والانتماء إلى ترابه، والاعتزاز بلغته وهُوِيَّتِه، وعدم الخروج على الأعراف والتّقاليد المجتمعيّة. وأنْ يكونوا إيجابيّين نحو خدمته ورفعته.
وبهذه الطّريقة نستطيع تربية أبنائنا وبناتنا على تحمُّل المسؤوليّة، ومعرفة الالتزامات الأخلاقيّة والوطنيّة، وكيفيّة التّعامل مع المشكلات، ومحاولة البحث عن الحلول المناسبة لها. وباختصار: لا بُدّ من اكتساب خبرة الآباء والاستفادة من حكمة الأجداد؛ ليؤدِّيَ أبناؤنا أدوارهم المستقبلية بثقة واطمئنان.
والحقيقة أنَّ دولة الإمارات العربيّة المتّحدة تسير على الطّريق الصّحيح في اهتمامها بأجيالها الجديدة، وبشبابها، وقد أولتهم الرّعاية الفائقة والاهتمام المتنامي في كلّ المجالات، منذ عهد المغفور له بإذن الله الشّيخ زايد بن سلطان آل نهيان –طيَّب الله ثراه-، وحتّى الآن، ومن أقواله الحكيمة في هذا المجال: "حينما نتكلم عن الشّباب، ومع الشّباب، فيجب أن نتكلّم باللّغة الّتي يفهمونها، حتّى تصل المعاني إلى عقولهم ووجدانهم، ويجب أنْ نتحاور معهم بروح العصر، ولا نفرض عليهم رأياً أو موقفاً بغير اقتناع منهم، ولا نتصوّر أنَّ هذا الجيل نسخة طِبق الأصل من أجيال سابقة، فكلُّ جيل له سماته وطبيعته وتفكيره، وما كان مقبولاً في جيل الخمسينيات مثلاً أصبح مرفوضاً في جيل الثّمانينيات، وما كان مقبولاً في جيل ما قبل البترول لا يصلح مائة في المائة للجيل الحاضر، ولا بُدَّ أنْ نعترف بأنَّ هناك أفكاراً متصارعة في أعماقهم، وواجبنا أنْ نفتح عيونهم على الخطأ والصّواب، وأنْ تتّسع صدورنا لآمال الشّباب وطموحاتهم". وعلى الدّرب نفسه تسير القيادة الرّشيدة لتوجيه الشّباب الإماراتيّ نحو التّسلح بالعلم والإسهام في تحقيق الرّيادة والإبداع في المجالات كافّة.
حقًّا، إنَّ الاستماع إلى صوت الجيل الجديد رافد مهمّ من روافد التّنمية والاستقرار الاجتماعيّ، ويُنْشئ علاقات طيّبة بين جميع أفراد المجتمع ومؤسّساته، ويقوّي رباط الانتماء والولاء للوطن، ويعرض آراء هذا الجيل على حكمة الكبار والخبراء والمجرّبين الّذين عرّكتهم الحياة؛ فتتلاقح الأفكار من خلال الحوار بين أولئك وهؤلاء، ويؤدّي ذلك إلى الانطلاق نحو تطلّعات وآمال جديدة فيها مزيج من القديم والجديد.
لقد اختلف تفكير أبنائنا عما كنّا عليه في مثل أعمارهم؛ إذْ تفتّحت أعينهم على وسائل التّقنية الحديثة، والقنوات الإعلاميّة والفضائيّة المفتوحة ومواقع التّواصل الاجتماعيّ الّتي وضعت العالَم كلّه بين أيديهم، وأصبحوا يدركون –وهم صغار– ما لم ندركه في مثل أعمارهم، ومن المستحسن أنْ نواكب تفكيرهم، ولا نغيبه أو نزجي به في غيابات جُبّ التّفكير التّقليديّ، أو نتعالى عليهم بحجّة أنّهم صغار.. إنّهم ليسوا كذلك، ولكنهم يدركون نصيبًا جيدًا من الحياة، ولا نغالي إذا قلنا: إنّ مفاتيح المستقبل بأيديهم.