والطابور الثاني لا يمكن تحديده في فئة معينة فهم موجودون أينما تكون مصالحهم، وهم أشد الفئات خطراً على الكيانات التي يكونون فيها و يفتقدون إلى الأمانة الكاملة مع رؤسائهم، كما أن الطابور الثاني لا يعني دائماً فئة النواب في الكيانات المختلفة، ولكن كل من يشغل موقعاً و يحجب الآخرين ويحرمهم من أن يكون لهم دور في الكيان الذي هم فيه خشية أن يلفتوا نظر رؤسائهم ويتبين ضعفهم.
وعلينا أن نفرق بين المواقع القيادية للصف الثاني الذين يأتون بحكم مؤهلاتهم، وتفانيهم، وإخلاصهم في العمل، والذين لا يترددون في تطوير العمل من خلال توفير كل مستلزمات العمل، ومنها جذب العقول المميزة والمبدعة دون أن تكون لديهم عقدة الخوف على مناصبهم ووظائفهم التي يشغلونها، متسلحين بثقتهم بأنفسهم، وتفانيهم في عملهم وأداء الأمانة على خير وجه تجاه من وثقوا بهم من رؤسائهم.
إذا كانت هذه ميزات الصف الثاني، فإن الطابورالثاني هم أشخاص فاقدي الثقة بالنفس ولديهم حساسية مفرطة تجاه أي شخص يفوقهم ذكاءً و دراية و إبداعاً، كما أنهم أسرى لأوهام زرعوها في رؤوسهم أن الكل يريد النيل منهم، ويضعون خطوطاً حمراء وهمية لكل من يقترب من حصونهم المنيعة، وتصرفاتهم هذه تؤدي لحرمان الكيانات التي ينتسبون إليها من المواهب والمبدعين والمخلصين.
لا أعتقد أننا سنكون قاسين إذا ما وصفنا أن الشخص في الطابور الثاني هو شخص خائن للأمانة التي وكّلت إليه بأن يكون مخلصاً للكيان الذي ينتمي له، حيث جعل مصلحته الخاصة فوق كل إعتبار حتى فوق مصلحة من وثقوا فيه.
ومن المعوقات التي يصعب فيها اكتشاف الطابور الثاني بسهوله في الظروف الطبيعية أنهم لا يتركون أثراً لما يرتكبونه في حق الكيانات التي ينتمون لها و هم يحاربون كل شخص يريد أن يقترب لخدمة تلك الكيانات متخفين خلف ستار المثابرة الزائفة في العمل، وثم منهم من يُرقى و يُكرم بفضل حجبهم من هم أفضل منهم و إحاطة أنفسهم بهالة العلم و المعرفة.
ونجاح هؤلاء في مخططاتهم باستبعاد كل مميز ومبدع عن خدمة أي كيان ليس بسبب قصور في أداء الصف الأول، ولكن لاستغلال هذه الفئات الثقة الممنوحة لهم، وأيضاً لاستخدامهم بعض المنتفعين منهم في تحسين صورهم أمام المسؤولين، وإظهارهم بمظهر الجهابذة والمتميزين و المنقذين.
وينكشف الطابور الثاني وضررهم على الكيانات المنتمين لها عند الإخفاقات والتي في بعض الأحيان تكون الأضرار فيها كبيرة، أو قد يلاحظ الصف الأول أن أداء الكيانات التي بها الطابور الثاني ليس في المستوى المطلوب مقارنة مع شبيهاتها من الكيانات الأخرى، و قد يحتكم أحد المحيطين بالطابور الثاني لضميره ويرى أن مصلحة الكيان الذي هو فيه فوق القناع الذي يتخفى به أحد الموجودين في الطابور الثاني، وكثيراً ما تقول الأقدار كلمتها ويلمع نجم المميز والمبدع المحجوب من حيث لم يشعر المنتسب للطابور الثاني.