إن الخُلَّة تكون في الخير، أو في الشر، فخلة الخير تعينك بالسير على منهج الله، فإذا رآك على الخير أعانك، ومهَّد الطريق لك، وإن رآك على غير ذلك أبعدك عنه، ونصحك وأخذ بيدك، وهذا في الدنيا وفي الآخرة.
بخلاف خُلة الشر والتي تبنى على انتهاك حرمات الله، فهي عداوة يوم القيامة، واستغلالك في الدنيا لمصالحه، يقول الطبري: 1/638 عند قوله تعالى:
(الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ) فكلّ خُلَّةٍ على معصية الله في الدنيا متعادون.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ) فكلّ خُلَّةٍ هي عداوة إلا خلة المتقين.
وحدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن أبي إسحاق، أن علياً رضي الله عنه قال: خليلان مؤمنان، وخليلان كافران، فمات أحد المؤمنين فقال: يا ربّ إن فلاناً كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير، وينهاني عن الشرّ ويخبرني أني ملاقيك يا ربّ فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني. فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما فيقول: ليثن أحدكما على صاحبه فيقول: يا ربّ إنه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير، وينهاني عن الشرّ، ويخبرني أني ملاقيك، فيقول: نعم الخليل، ونعم الأخ، ونعم الصاحب.وقال: يموت أحد الكافرين فيقول: يا ربّ إن فلانا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالشرّ، وينهاني عن الخير، ويخبرني أني غير ملاقيك، فيقول: بئس الأخ، وبئس الخليل، وبئس الصاحب.
وفي تفسير الماوردي 5/238، يقول عند تفسيره لهذه الآية الكريمة: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} فيه قولان: أحدهما: أنهم أعداء في الدنيا، لأن كل واحد منهم زين للآخر ما يوبقه، وهو معنى قول مجاهد. الثاني: أنهم أعداء في الآخرة مع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا لما رأوا سوء العاقبة فيها بالمقارنة، وهو معنى قول قتادة. وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في أمية بن خلف الجمحي , وعقبة بن أبي معيط كانا خليلين. وكان عقبة يجالس النبي صلى الله عليه وسلم فقالت قريش قد صبأ عقبة بن أبي معيط وقال له أمية: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمداً ولم تتفل في وجهه ففعل عقبة ذلك فنذر النبي صلى الله عليه وسلم قتله, فقتله يوم بدر صبراً, وقتل أمية في المعركة , وفيهما نزلت هذه الآية.
ويقول السمعاني في تفسيره 5/114 ، وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي، وَقيل: هُوَ عَن عَليّ، قَالَ: " الأخلاء أَرْبَعَة: مُؤْمِنَانِ، وَكَافِرَانِ، فيتقدم أحد الْمُؤمنِينَ فَيُقَال لَهُ: مَا تَقول فِي فلَان؟ يَعْنِي: خَلِيله فَيَقُول: لقد عَرفته آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر، اللَّهُمَّ بشره كَمَا بشرتني، وَارْضَ عَنهُ كَمَا رضيت عني. ويتقدم أحد الْكَافرين فَيُقَال لَهُ: مَا تَقول فِي فلَان؟ يَعْنِي: خَلِيله، فَيَقُول: عَرفته آمراً بالمنكر ناهياً عَن الْمَعْرُوف، اللَّهُمَّ أدخلهُ النَّار كَمَا أدخلتني، واخزه كمت أخزيتني "؟
وَفِي التَّفْسِير: أَن كل أخوة تكون فِي الدُّنْيَا عَن مَعْصِيّة تصير عَدَاوَة يَوْم الْقِيَامَة، وكل أخوة تكون عَن دين تبقى يَوْم الْقِيَامَة.