جاء من البادية حاملاً بعض البضائع بقصد البيع، وطلب الرزق واتجه قاصداً بيت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد اعتاد أن يهديه شيئاً بسيطاً كلما أتى إلى المدينة، وكذلك اعتاد صلى الله عليه وسلم أن يعطيه هدية من تمر أو كساء، فكان ذلك الأعرابي زاهر محبوباً عند رسول الله.
فلما وصل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم راه كالبدر تحيطه هالة من نور وأصحابه من حوله يستقون من علمه، فظن في نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يحرج لاستقبال أعرابي دميم فآثر الذهاب إلى السوق على أن يعود بالهدية قبل أن يرحل. لكن الحبيب صلى الله عليه وسلم انتبه لظل أحد يغادر، فلما سأل قيل له إنه زاهر ففرح النبي عليه الصلاة والسلام و لحق به، ولما انتهى إلى السوق راه قد فرش البساط وراح ينادي، على بضاعته ، فأتاه المصطفى عليه الصلاة والسلام من خلفه واحتضنه وأوثقه، بين ذراعيه الشريفتين، وأخذ يصيح بأعلى صوته من يشتري العبد من يشتري العبد قاصداً ممازحته. لكن زاهر تفاجأ وأخذ يهتف أرسلني، أرسلني، فتمادى النبي عليه الصلاة والسلام بالشد والصياح وزاهر، يقاوم ويرى، الناس في السوق يضحكون، ثم مالبث، أن اشتم، طيباً يأتيه من خلفه فاستسلم مرتخياً بعد يقينه بأنه الحبيب صلى الله عليه وسلم. فالتفت ليجد الذي وراءه خير من وطأت قدماه الأرض، فقال له أتبيعني يا رسول الله، والله لتجدني كاسداً، لتجدني كاسداً،فرد عليه المصطفى عليه الصلاة والسلام، لكنك عند الله لست بكاسد بل أنت عند الله غالٍ . ما أجمل أن نكرم الناس بغض النظر عن ترتيبهم الاجتماعي، فقد شهدنا فيما سبق من سيد الخلق وهو الرقم واحد في كرم الأخلاق التي لابد أن نطبقها في حياتنا يا أحبة. فلابد أن نفرق بين المكانة والمكان، فكوني الرقم واحد في عملي مثلاً لا يعطيني الحق بأن أتقدم على ابن عمي، أو أخي الكبير في مجلس العائله، وإن كنت أعلى مكانة، لأن رقمي يختلف باختلاف مكاني.
أحبتي هناك فرق بين المكانة والمكان فالمكانة مجفوظة، والمقام مرفوع، لكن مكانتك تتجلى في مكانها، وبعيدا عنها يأتي مكانك بحسب، مكانتك الاجتماعيه.فمثال على ذلك أنك إن كنت خارج نطاق عملك، وجمعتك الصدفة بأحد موظفيك مع عائلته، فاظهر له التقدير لأنه بين أفراد أسرته هو الرقم واحد وله المكانة العليا. فانتبه يا صديقي أن تقلل من شأنه أمام أهله، ولنعلم يا أحبه أن تقدير الناس من تقدير الذات فها هم ولاة أمرنا حفظهم الله أحسن القدوة والمثل الطيب في التواضع والتراحم. فلنكن كما يتمنون منا أن نكون الرقم واحد بمكانتا أينما كان مكاننا، ومن تواضع لله رفعه.